ما اشبه الليلة بالبارحة: اساتذة جامعة الخرطوم يتقدمون الصفوف

تخيم اجواء ثورة اكتوبر الشعبية على واقعنا السياسى الراهن و تحلق روحها عاليا فى سماء بلادنا منذ اندلاع انتفاضة سبتمبر المجيدة والتى ما تزال جذوتها متقدة. و صار لذكرى ثورة اكتوبر ، هذا العام ، طعم خاص بفضل الشباب السودانى الذى رغم غسيل المخ الممنهج الذى تعرض له فى قاعات الدرس و مدرجات الجامعات ومعسكرات الدفاع الشعبى ومن خلال الاعلام المسموع والمقروء لم يهادن بل تقدم الصفوف ليواجه بصدوره المكشوفة الة الانقاذ العسكرية. هذا الشباب الباسل هو شهادة حية ، لا تقبل الجدل والمغالطة ، على سقوط ماسمى زورا بالمشروع الحضارى. شباب كسر كل الحصار المضروب على حقوقه الاساسية فى الحرية والتعليم والعمل والرفاهية والاستمتاع بحياة انسانية متفتحة وصاح مل فيه فى وجه الشيطان الاخرس: قرفنا ، ابينا. شباب بهذه الجسارة لن يهزم ابدا.
هذا الحراك السياسى الذى فجره الشباب جاء مواصلا لجهود بقية القوى السياسية والنقابية ومنظمات المجتمع المدنى والذى لم يتوقف رغم ما شابه من فترات ركود او خلاف او انشغال بالجزئيات واغفال الاطار الاكبر. واحدى تلك الفئات التى لم تتنكر لماضيها هى اساتذة جامعة الخرطوم: احدى ابرز منارات الوعى فى بلادنا.
البيان الذى اصدره تجمع اساتذة جامعة ، فى الايام الماضية ، والذى طرح فيه مخرجا واقعيا من الازمة الشاملة التى تهدد بقاء وطننا السودان بعد ان قدم تشريحا لها ومعددا مسبباتها وفى مقدمتها الفشل التام لنظام الانقاذ.
وفى بيان الاساتذة ، الذى له ما بعده ، توجهوا بهذا النداء الحيوى الذى مس العصب الاساسى لواقعنا السياسى الراهن:
?? أهمية ان يستشعر قادة الاحزاب والقوى السياسية والحركات المسلحة والتنظيمات السياسية بمختلف توجهاتم ثقل المسؤولية التاريخية و دقتها و العمل الجاد لتجاوز الاجندة الضيقة. ونحن هنا، و من واقع الاحساس بجسامة المسؤلية نبادر ونناشد الجميع ان يتجهوا عاجلاً للتفاكر والعمل معاً للوصول لمخرج من الازمة الوطنية الراهنة. ??

وبقدرة العلماء فى النفاذ الى جوهر الاشياء قرروا ان الخطوة الاولى والاساسية هى تجميع وتوحيد اطراف المعارضة المشتتة والمنشغلة بتفاصيل لا داعى لها ولا تغنى او تسمن من جوع. دعا البيان لتبنى جمع جميع المبادرات المطروحة فى الساحة والتوفيق بينها. وفى رأى الشخصى ان هذا اهم قرار مصيرى يواجه شعبنا حاليا وانجازه يمثل الخطوة الاهم فى معالجة الازمة الوطنية الشاملة التى نعيشها حاليا. وقال البيان فى عبارات واضحة وصريحة لا لبس فيها ولا غموض:
?? تتبنى جامعة الخرطوم ممثلة فى اساتذتها جمع كل المبادرات المطروحة في هذا الصدد من قوى الاجماع الوطنى، وحزب الامة، والجبهة الثورية، وتنسيقية قوى الثورة، وكونفيدرالية منظمات المجتمع المدنى، وسودانيى المهجر و اصلاحي المؤتمر الوطني لتوثيقها ووفتح حوار ونقاش حولها مع اصحابها اولاً وبشكل جماعى لاحقاً بهدف التقريب و التوفيق بينها تمهيداً لدمجها وصياغتها فى مبادرة سودانية خالصة موحدة تحمل تسوية تاريخية تنقذ البلاد وتعبر بها للامام. ??

وفى اطار جهدنا لابراز بعض نضالات شعبنا ضد الدكتاتورية الاولى نعيد نشر النص الكامل للمذكرة التى قدمها اساتذة جامعة الخرطوم للمجلس الاعلى للقوات المسلحة. تلك المذكرة التى ساهمت فى دفع ثورة اكتوبر خطوات للامام حتى تم تنفيذ الاضراب السياسى العام الذى اسقط الدكتاتورية.
رفع اساتذة جامعة الخرطوم المذكرة التالية الى الفريق ابراهيم عبود:
السيد رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة
اننا نقدم لكم فروض النصح التى يمليها علينا الوفاء بحقوق هذا الوطن العزيز والاحساس بمسئولية رجال العلم نحو هذا الشعب الحبيب.
لقد ساءنا تصريف شئون البلاد واخفاق سياسة الحكومة التى ترتب عليها ان تفاقمت المسألة فى الجنوب حتى كادت تهدد وحدتنا القومية وان غشيت البلاد ضائقة اقتصادية ساحقة وان جمدت سياستها الخارجية حتى اصبح السودان ذيلا بين الامم.
لقد تبين بجلاء ان القائمين على امور البلاد عجزوا عجزا تاما عن انتهاج سياسة رشيدة للحكم بينما عطلوا كفاءات الامة وقطعوا كل سبيل للشورى.
ولقد راعنا مدى الفساد الشامل الذى استشرى فى اجهزة الدولة والادارة، لقد شاعت بين بعض الحكام انحرافات السلوك حتى كادت ان تقوض كيان الامة الاخلاقى ولقد تفشت بينهم الرشوة والمحسوبية والظلم حتى اصبحت اعمال الدولة رهينة بتجارة الفساد واموالها نهبا لكل طامع. وساد بين اولياء الامور اهمال مصالح الامة والتفريط فى مسئولياتهم العامة. ولا ريب ان مرد ذلك الى انعدام الاستقامة الخلقية عند كثير من الحكام والى افتقاد الرقيب والحسيب على سلوك الحكام وتصرفاتهم.
ولقد اسخطنا ان اصبحت الصلة بين الحكومة والشعب قائمة على القهر والقسر فقد حكمت فيهم الاوامر الجائرة وسلطت عليهم سلاح الاعتقال بلا جريرة ولا محاكمة وارهبت مؤسسات العلم وأجهزة الرأى ولجأت الى الوسائل الوحشية فى قمع الحريات. ولا غرو ما دامت سلطة تفقد كل عنصر من عناصر الرضى لان الحكام لا يتمتعون بأدنى صفة تمثيلية ولانهم عجزوا عن كسب ثقة الشعب.
من اجل ذلك كله ونظرا للازمات التى اثارتها سياسة الحكومة الداخلية والخارجية والفساد الذى اضاع تقاليدنا فى الاخلاق المتينة والادارة الحسنة وللاوضاع القهرية التى اخمدت وعى الشعب وداست كرامته وعزته فأننا نطالبكم:
(1) اطلاق حرية التعبير والتنظيم بلا قيد ولا شرط.
(2) قيام لجنة قومية من قطاعات الشعب وقادته ومفكريه:
أ. اتخاذ الخطوات اللازمة للانهاء الفورى للوضع الراهن.
ب. اعادة الجيش الى وحداته المألوفة تحت امر السلطة المدنية التى يرتضيها الشعب
ج. اسناد امر الامة الى وضع ينقل بها الى حكم طاهر سديد يكفل للشعب حرياته وحقه فى الحكم.
الاساتذة السودانيون بجامعة الخرطوم 24/10/1964

هل شعر اى منا عند الاطلاع على هذه المذكرة انها تنطبق تماما على حكومة الانقاذ وسياساتها وممارساتها. فمجدا لعلماء بلادى الاجلاء وهم يتقدمون الصفوف للمرة الثالثة وهنئيا لشعبنا بهم ? فهم لم يركعوا رغم اغتيال نقابتهم قى 2009، وهى فى المهد ، ورغم تسليط سيف الاحلال للمعاش عند بلوغ الستين حتى تفرغ الجامعة من الاصلاء ليكدس فيها “اساتذة التمكين”. ولماذا لا ينزل الى المعاش حكامنا الذين تخطوا الستين وفشلوا فى الحكم بجدارة ما بعده جدارة.

صديق الزيلعي
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مشكور الأستاذ/ صديق على المقالة.

    صحيح كما قيل فإن التاريخ يعيد نفسه و لكنه لا يعيد نفسه بالكربون كما يقولون. الشعب السوداني نال مرتين الحرية من العسكر كما يعلم الجميع بطريقة تكاد تكون سلمية 100% و لكنه لم يدفع ثمن تلك الحرية التي نالها في المرتين السابقتين و لذلك ضاعت منه بسهولة.

    أن الشعب السوداني سلط عليه نظام عسكري لن يذهب بصورة سلمية و لذلك آن الأوان لدفع ثمن الحرية المقبلة و قد بدأ الشعب السوداني في دفع ثمن الحرية القادمة بتقديم شبابه للموت كما حدث مؤخراً و لذلك على المثقفين تهيئة الشعب ليكون مستعداً لمقاتلة هذا النظام إذا كان يريد حرية و كرامة و عدم تخذيل الشعب بمصطلحات العصيان المدني و تقديم المذكرات ….ألخ. على الشعب الاستعداد للقتال لأن هذه الحكومة عازمة على قتل نصف الشعب السوداني و لها خطط في تنفيذ ذلك و تلك الخطط هي أ و ب و ج و د …..الخ و موضوع الخطط المذكور موضوع معلن.

  2. التحية والمجد لاحرار السودان والخزي والعار لعصابة المؤتمر الوثني القتله تجار الدين
    عاش نضال الشعب السوداني ثورة حتي النصر والقصاص لدماء الشهداء

  3. ( ولماذا لا ينزل الى المعاش حكامنا الذين تخطوا الستين وفشلوا فى الحكم بجدارة ما بعده جدارة.)

    سؤال وجيه.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..