رئيس أركان الجيش الإثيوبي الجنرال سامورا يونس: الخيار العسكري مستبعد في أزمة سد النهضة والتعاون هو الحل

حوار ? أميرة الجعلي
** يكتسب الحوار مع الجنرال سامورا يونس، رئيس الأركان الإثيوبي، أهميته من الدور المحوري الكبير الذي أصبحت تلعبه إثيوبيا في الإقليم، ومشاركة جيشها في كثير من المهام لحفظ الأمن والاستقرار، فضلاً عن علاقات التعاون بين السودان وإثيوبيا التي يصفها الجنرال سامورا بالنموذج الناجح في المنطقة. والجنرال الذي جاء في زيارة للسودان استغرقت (3) أيّام للمشاركة في اجتماعات اللجنة العسكرية السودانية الإثيوبية التي أنهت أعمالها الأسبوع الماضي، لم يتردد في الإجابة على أسئلتنا أو يتحفظ على بعضها، بل كان كريماً معنا وواضحاً وشفافاً في إجاباته، خاصة في ما يتعلق بسد النهضة الإثيوبي والنزاع الحدودي مع إريتريا، والوضع في الإقليم خاصة جنوب السودان، وقضايا الإرهاب وتجارة البشر، وغيرها من الموضوعات، فكان هذا الحوار :
*ما أبرز نتائج المباحثات العسكرية السودانية الإثيوبية المشتركة التي جرت مؤخراً؟
كما تعلمين، أن المصالح بين الشعبين السوداني والإثيوبي مشتركة، كما أن العلاقات مهمة جداً للجانبين، وقد اتفق القادة في الجانبين على عقد اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة كلجنة فرعية منبثقة من اللجنة العليا بين الرئيس السوداني ورئيس الوزراء الإثيوبي، وخلال الـ(8) سنوات الأخيرة نجتمع كل (6) أشهر بالتبادل بين عاصمتي البلدين، ونناقش تأمين الحدود والسيطرة على العناصر التي تعمل ضد السلام في البلدين، كما أن التعاون لا يقتصر فقط في تأمين الحدود، بل يمتد للتدريب وتبادل الخبرات والمعلومات، إضافة للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب ومجالات أخرى.
*إذن ما هو سر التعاون الكبير في المجال العسكري؟
السبب في هذا التعاون هو المصالح المشتركة.
*ذكر الرئيس السوداني ورئيس الوزراء الإثيوبي أن البلدين هما أساس الاستقرار في المنطقة، هل هناك تعاون على المستوى الإقليمي؟
نعم، لكن الشيء المهم هو تحقيق الاستقرار والسلام في كل من السودان وإثيوبيا، وعندما يتحقق ذلك بالطبع سيمتد التعاون بيننا لدعم الاستقرار والسلام الإقليمي. وكما تعلمين أن العدو الأساسي هو الفقر، والحكم غير الرشيد هو التحدي الأساسي الذي يشغلنا الآن، والحل هو تحقيق السلام والتنمية حتى نتمكن من استخدام القدرات الكافية مثل: القوى البشرية والتعليم والمياه والثروات الطبيعية، وكيفية أن نتشارك جميعاً في استخدام واستثمار هذه الثروات الطبيعية، ولدينا الآن آليات إقليمية للتعاون مثل (إسبيرك)، وهي (تضم إثيوبيا، السودان، كينيا، الصومال، جيبوتي، يوغندا، بورندا رواندا، وجزر القمر)، هذا المنبر مهم جداً للتعاون ودعم السلام والاستقرار، ويمكن للسودان أن يساهم بقوة في هذا الأمر، وجنوب السودان أيضاً عضو لا يشارك لمشاكله الداخلية، كما ترفض إريتريا المشاركة أيضاً.
*هل هناك تعاون بين السودان وإثيوبيا لتأمين الحدود لمنع استخدامها من قبل الحركات المناوئة في البلدين؟
مشكلتنا ليست الحدود، بل الذين يقطنون حول الحدود في البلدين، ولكن بإحداث التنمية ومساعدتهم في حل مشاكلهم، يمكننا تجاوز هذا التحدي، والسودان لديه حدود مشتركة وممتدة أيضاً، وبالطبع توجد حركات مناوئة تحاول استخدام الحدود المشتركة لزعزعة الاستقرار، لكننا نتعاون مع بعضنا بعضا لحماية الحدود، وحققنا تقدما ملموسا في هذا الصدد، حيث قدم لنا السودان مساعدات في هذا الجانب، كما قدمنا أيضاً مساعدات للسودان.
*هل يمكن القول إن الحدود المشتركة أصبحت آمنة؟
نعم، جزء من النجاح الذي حققناه تأمين معظم الحدود المشتركة تماماً، وهناك مشاكل بسيطة في الحدود بين البلدين، والمعضلة ليست نزاعاً حدودياً بين البلدين، كما لا توجد سياسة في البلدين لتفجير نزاع حدودي.
*إذن ما هي المشكلة؟
هذه المشكلات يصنعها بعض الأفراد وبعض المليشيات، لكن لدينا القدرة على حلها، ونملك التفاهم المشترك.
*هل هنالك قوات مشتركة لحماية الحدود؟
القضية ليست تأمين الحدود فقط بل تبادل الخبرات، كما أنها إشارة قوية بأننا نعمل معاً، ولدينا قوات داخل الحدود لأي بلد، ولا يعني أن تكون مشتركة بالفعل، لكن قواتنا في الجانبين لديها خطة مشتركة وموحدة لمدة عام مثلاً، وفي نفس المناطق العسكرية ربما يتصل قادة الطرفين مع بعضهما بعضا في إطار خطة العمل المشتركة، أنا مثلاً لديَّ التزام بدعم قواتي عسكرياً ولوجستياً، كذلك يفعل السودان، بالتالي كلا الجيشين يعملان معاً وفق خطة مشتركة، لكن كل جيش داخل حدوده وفي مكانه.
*إذن هل تواجهكم أي تحديات؟
توجد تحديات خاصة وأننا دول فقيرة والحدود واسعة ولا يمكن نشر قوات في كل كيلومتر، لكننا حددنا مناطق للعمل والتعاون بيننا، وهناك نقاط حدودية متفق عليها (5 و6).
*هل هناك عمليات مشتركة لمحاربة الإرهاب خاصة في ظل نشاط حركة الشباب في الصومال وكذا ?داعش? في ليبيا؟
هذه الأزمات والإرهاب تحدث لأسباب تتعلق بالفقر والحكم غير الرشيد، لذا لابد من الاهتمام بالقضاء على الفقر وتحقيق الديمقراطية، ولابد أن أشير إلى أن الإرهاب ليس قضية مفتاحية أو تحدياً أساسياً لكلا البلدين، الشباب في الصومال يحاولون خلق زعزعة في الإقليم، لذا نسعى لدعمها لإحداث التنمية وحل مشاكلها، ولا يمكن أن يتم الاستقرار فقط وتحقيق السلام في السودان أو إثيوبيا، بل يجب أن يعم السلام في كل دول المنطقة، وقبل (30) عاماً لم تكن في الصومال حكومة مركزية في ظل وجود حركات مسلحة وقادة يتاجرون في الحرب، الآن هناك حكومة مركزية معترف بها، ونحن دربنا الآلاف من القوات الحكومية في الصومال، لكن الحكومة لا يمكن أن تدفع المرتبات وتوفر الذخيرة أو التسليح، المشكلة هي عدم توفر الدعم العسكري والمالي، وسبب انتشار حركة الشباب هو ضعف الحكومة المركزية ونحن في إثيوبيا ندعم الحكومة الصومالية لتحقيق الاستقرار والسلام، والإرهاب في تناقص مستمر.
*بالإضافة للإرهاب هل هناك تعاون أو تنسيق لمحاربة التهريب والاتجار في البشر؟
التهريب والاتجار في البشر خصم على التنمية، والناشطون في التهريب يعملون ضد الاقتصاديات الوطنية. وهناك من يعمل في تهريب السلاح مما يشكل عبئاً ومعضلة للبلدين، نحن نتعاون مع السودان في هذا الأمر من خلال وزارتي الدفاع، لكن المشكلة تتطلب تعاون جهات أخرى في الدولة مثل كل القطاع الأمني وكل الوزارات وسياسات الدفاع.
*هل هنالك أي مهددات أمنية لإيقاف سد النهضة؟
إخواننا في الشمال إذا غيروا نظرتهم في سد النهضة، فإن مبدأ التعاون سيسود وننهض جميعا، ويمكن لمصر أن تزيد حصتها من المياه كما تحصل على مياه نظيفة، وهم يعلمون أننا لا نملك أراضي للري والزراعة، والسد هو مصدر للتنمية للدول الثلاث، والقضية هي وجود نخبة في السياسة المصرية لا تريد أن تشاركها أي دول في مياه النيل تحت مسمى الحقوق التاريخية، وإثيوبيا ليست ضعيفة الآن حتى يهاجمها أي أحد، وهي والسودان لم يعودا بالضعف نفسه قبل (30) سنة وأي جهة تحاول مهاجمة إثيوبيا عليها التفكير في الأمر مرتين، ولا نريد للدول أن تصدر مشاكلها الداخلية للخارج، وقطع بناء السد شوطا مقدرا ونحن نثق في أن الغالبية العظمى من النخبة والشعب المصري يفهمون أهمية السد للتنمية في المنطقة وتحقيق مصالح مصر، وليس صحيحاً أن السد سيقلل من حصة مصر في المياه، بل العكس تماما سيزيد حصتها. وهذا السد يهم التنمية في أفريقيا أيضاً، لأنه سيمكن دول المنطقة من تسريع معدلات التنمية ويمكن أن نتوقع استخدام جهات وعناصر أخرى بالوكالة، وقادرون على احتواء ذلك.
*حديثك هذا يعني أنه لا يوجد مهدد عسكري ضد السد الآن؟
الخيار العسكري ليس حلاً وسيرتد على من يفكر في استخدامه، ولا أظن أن أحداً يفكر فيه الآن لأن بناء السد تجاوز مرحلة، يمكن أن تحدث مشاغبات عبر استخدام أطراف أخرى، والسودان جزء من هذه المعادلة ويهمه أيضاً عدم استخدام عناصر أخرى بالوكالة ضده.
*هل يمكن للحكومة الإثيوبية أن تبيع كهرباء السد لمصر؟
ثقافة الشعب الإثيوبي تقوم على المشاركة والكرم، ونحن شعب لا يُؤْمِن بثقافة البخل، وليس مسؤوليتي أن أقرر في هذا الأمر، بل الحكومة الإثيوبية هي التي تقرر ذلك.
*التوتر والنزاع الحدودي مع إريتريا قائم حتى الآن، كيف يمكن حله؟
من الأفضل للجميع حل هذه القضية سلمياً، لا أحد يربح من الحرب لا إريتريا أو إثيوبيا، وحكومتنا تعمل على الحل السلمي وقدمت مبادرات وللأسف تم رفضها من قبل الحكومة الإريترية، وتتطلب أن تستجيب القيادة الإريترية لخيار الحل السلمي الذي يخدم مصالح البلدين.
*هل يوجد تعاون بينكم وبين السودان لحل مشكلة جنوب السودان؟
نحن نعمل في إطار إقليمي تعاوني (الإيقاد + رواندا) لمساعدتهم، واتفقنا على نشر قوات لحماية المدنيين، وإذا لم يتوفر السلام في جنوب السودان سيعوق ذلك تحقيق السلام في الإقليم كله، وللأسف هناك معوقات لنشر القوات لكننا نعمل مع حكومة جنوب السودان لحل الإشكال القائم.
*من خلال اجتماعاتكم كرؤساء أركان لمنظمة ?إيقاد?، ما سبب رفض حكومة الجنوب نشر القوات؟
المشكلة في جنوب السودان ـــ كما تعلمين ـــ بدأت بين الدينكا والنوير، وهي الآن ليست بين قبيلتين بل في كل الجنوب، قادة (الإيقاد) يَرَوْن الحل في تطبيق اتفاقية السلام الموقعة من قبل، ونحن يمكن أن نساعدهم فقط في تحقيق السلام، وربما البعض في جنوب السودان لا يفهم طبيعة نشر القوات، لأننا لا نريد أن ندعم طرفاً ضد طرف، أو أن نسيطر على الدولة أو القطاع المالي، مهمتنا الأساسية هي حماية المدنيين، ولابد أن يفهم الإخوة في جنوب السودان ذلك.
*أمَا زالت إثيوبيا على استعداد لمواصلة مهمتها في إطار ?اليونسفا? ونشر القوات في أبيي؟
لا.. وأذكر فقط أن الاتفاق بين قادة الدول الثلاث (السودان، إثيوبيا، وجنوب السودان)، هو أن نشر القوات (اليونسفا)، لابد أن يمضي قدماً مع الحل السياسي، ومن جانبنا قمنا بنشر القوات ونجحت في وقف القتال، وفِي ظل تـأخر مسار الحل السياسي سيكون من الصعب على إثيوبيا أن تواصل بنفس الطريقة، وعلى السودان وجنوب السودان مواصلة الحوار وحل الإشكال.
*لماذا؟
جيشنا في أبيي يعمل في ظروف صعبة، وربما خارج تفويضه، إذ يعمل في خدمات الشرطة والإدارة وحل الإشكالات القبلية، فإذا تم اعتقال مجرم من المسيرية أو من الدينكا يتم اتهامنا بأننا ننحاز إلى السودان أو جنوب السودان، والقضية في الأساس سياسية، ونشجع الأمم المتحدة للتوصل لحل لهذه القضية مع الدولتين.
*إذن أنتم قررتم الخروج النهائي؟
لا يمكن لقواتنا أن تبقى في أبيي إلى ما لا نهاية، ولا يمكن أن نستمر والحل السياسي بين الدولتين معطل، وقلنا للجميع (كفاية)، وإذا لم يتم تسريع الحل السياسي سنخرج قواتنا من أبيي.
*هل هناك مقترح لتكوين قوات مشتركة لحفظ السلام والأمن في منطقة القرن الأفريقي؟
هناك آلية (إسبيرك) لكن السودان وإثيوبيا بدآ في التعاون لتأسيس مثال ونموذج للتعاون يمكن للآخرين تعميمه على المنطقة، ويمكن لبقية الدول أن تنظر لنموذج التعاون بين السودان وإثيوبيا وما حققه من نجاح والعمل به أيضا، كما لدينا نوع آخر من التعاون، حيث سنقيم مناورات مشتركة لجيوش المنطقة في الأسابيع القليلة المقبلة في بورتسودان، ستشارك كل الدول فيه، وأقمنا مثل هذه المناورات من قبل في (جيبوتي، يوغندا، إثيوبيا، ورواندا) وستمتد.
*ما هو هدف قيام هذه المناورات؟
الهدف ليس المناورات فقط، لكن بمشاركة الجنرالات معاً من الجيوش المختلفة يمكن أن تبنى عقلية السلام في قادة هذه الجيوش والعمل على تحقيق ذلك فعلاً على الأرض، وكما ذكرت سابقاً، أن التعاون بين السودان وإثيوبيا يمثل نموذجا ناجحا في المنطقة، كما أننا نعمل في إطار إقليمي عبر آلية (إسبيرك)، ونأمل أن يتحقق السلام الشامل يوماً ما في المنطقة، ونعمل على بناء القواعد والأساسيات لذلك.
اليوم التالي.