الطيب مدثر .. حفل موسيقي كبير وحضور مميز .. وجديد مدهش

أيمن عبد الله
كانت الدعوة التي تلقيناها للذهاب إلى إلى صالة (إسبارك سيتي) للحضور الحفل المنتظر منذ فترة ليست بالطويلة مليئة بالتفاؤل والأمل، ونحن نرقب ذلك المساء تحت بند أن الطرب المتوقع.
ونحن نسرع الخطى تخوفنا من ذلك النهار الذي بدا مختلفاً من سابقيه ببرودته النسبية وجوه الغائم فربما يمتد ويتحول إلى امطار، لكن كل الهواجس لم تكن لتمنع عننا وسادة غنائية مريحة سيطرحها الجميل جداً والمتميز الطيب مدثر.
?صعود وأناقة
مع أن إنسياب الموسيقى بدأ حتى قبل صعود المغني على المسرح لكن طلته الزاهية وحلته السوداء التي كانت غاية في الأناقة والحداثة اعطت الحضور ان الحالة للتو ستبدأ، وهو بخبرة المهندس المتمكن والسوداني البارع الواثق يعرف كيف يقف على الخشبة ويحي جماهيره الواقفة على قدميها لتبادل التحية بأحسن منها.
قمة وسامة الفنان تجلت حينما ضخت موسيقاه في أولى اغنياته للبلد فغني من كلمات الشاعر الطيب العوا أغنية (مقاطع للبلد والنيل) ليوسم ليلته بإفتتاحية مباركة من بركة الوطنية وحب البلد والتغني له.
ولأن تسامي الفنان في أغنيته الأولى صعد به كان لابد ان يواصل بوحه الآخاذ فمد جذوة الحنين إلى آخرها وهو يتغنى لاشعر أهل السودان في هذا العصر ? الحنين أبو الحنية ? أزهري محمد علي الذي أكد في كلماته تلك يقينه الذي عرف فيه :
حبيبك ياني أنا حبيبك
حبيب قلبي البهاتيبك
ما تهتم للعزال
سيبك منهم سيبك
يامنشري في الاعصاب
وساكن في السمع والشم
تعال لو صدت الابواب
تعال ادخل مسارب الدم
وما تستنى مني حباب
وما تكتب حضرت ولم
وكانما وقع الطيب بذات الخط واللغة والحبر السري الذي استخدمه أزهري، فأهتياج المكان واشتعاله واهتزاز الناس وترنحهم لم يدع للشك مجالاً ان الرجل سيوقد الليلة ويشعلها بنار الطرب.
ولأن الامسية للتغني فرد الطيب اغطيته اللحنية الفريدة من جديد وهو يردد اغنيته المغترب المتغرب عبد العال السيد صاحب زهرة السوسن والذي زينت كلماته حالها كحال رقيقة أزهري ذلك اللقاء فقال لعبد العال “جرح جرحتوني”.
ومن ثم راوغ من جديد غربة العال السيد وانزلها نزول العائد المنتصر وعاد بصاحبها اكبر الغائبين عوداً حميداً مستطاب وغنى له وللربيع “صحاك الربيع” التي تنسم فوحها لحناً عثمان القراي.
وبين المال والأعمال كما تغنى من ألحان صلاح إدريس رائعة أزهري ردد هذه المرة من ذات الطينة المليونية كلمات اشرف الكاردينال والحان التقلاوي “بعدك مشيت زرت المكان”. ويا للهول عندما يغني الطيب للشجن فعاد بالحضور إلى ذلك الزمان حين كانوا يدرسون:
قفا نبكي من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ .. بسِقط الواء بين الدخول فحومل
وإلى هنا كان يبدو الحال أشجن مما كان لكن الكبير والخبير الإعلامي الدكتور إبراهيم عوض الذي فسر تفاصيل الأمسية صعد على خشبة المسرح ليأذن للمغني الشجان أن ينزل هو وجوقة عازفيه ليرتاحوا من هول هذا النغم الذي أمطروه.
?اناقة الخاتمة
الطيب الذي يبدو انه تدرب جيداً لهذه الليلة وحضر لها بدقة واستعد لأدق الحيثيات وأنتبه صعد هذه المرة وهو موفور العافية والحنان فكثرة المعانقات التي حظي بها من محبيه ومعجبيه شحنته ربما لتبدو “بطارية” الشجو في اعلى مستويات فعاليتها فبدأ في تكرار فعلتها الأولى مع سبق الإصرار والترصد فأطلق عقيرته بالغناء بلحن للعبقري الراحل سليمان ابوداؤود ” أفتش السر” .
لكن الطيب لم يكن في فعله كما إسمه (طيباً) فلم يراعي القلوب الضعيفة ولا العمر فغاب وغيب الناس في عوالم الشجن والحب فغني بإريحية عجيبة:
بفتش ليك من زمن طول
وتاريك إنت مني قريب
والأغنية بمقايس الكلم كانت صحية جداً لكنها بمعايير الطرب والشجن كانت قاتلة وغير صالحة للإستخدام الآدمي لفرط حساسيتها والإلتياع الذي عذب حتى المغني وعازفيه أثناء تأديتها.
وكأنما أراد المغني أن يؤكد ما ذهبنا إليه في حديثنا سابقاً عن ترتيبه ودقته للحفل فتغنى بعدها باغنية “خوف” والتي بررت سبب تغني سابقتها لكنها هي إنحازت على مستوى الكلمات التي نسجها بالفصحى بشير عبد الماجد ناحية ً أخرى أشد فتكاً ووجعاً وهي التي حملت بطاقات دعوته حروفاً منها.
الطيب ظل زمناً حبيساً كما يقول ويرى النقاد لاغنية الصورة ، لكنا لا نرى في ذلك عيباً طالما انها ظلت إلياذة اغنياته
لييه حياتناإخترت غيره
فيها احلامنا وكلامنا
فيها حاجتنا الصغيرة
كيف تغطي الصورة صورة
وريدنا داك ياسيدي كلو
يبقى ماضيك بالضرورة
وقبل الصورة إنداح المغني المشبع ليلتها بالطرب وتغنى بـ”فرهدي ياحنية” ورددها بزهو وحنية يغار عليها منه.
الطيب الحصيف إختار في أجواء الأمل التي ينتظرها السودانيون ساسة وشعب أن ينتهي كما بدأ فتغنى مرة اخرى للوطن وللسودان منشداً السودان مافيش زي زيو .. وهو يعلم أنْ الفعل الطيب لا يكون إنْ هو لم يكن بحن الوطن وجنونه.
الحضور النوعي والراقي شككنا في بداية الليلة أن الطيب ربما يكون فناناً طبقياً لكنا هنينة ً وأنتبهنا أن الجمهور السوداني وإن جاء متأخراً بعضد البدء فهو اعلن ربما عن إنتشار مدثر ودعوته.
الأمسية بما لها فتحت ابواب السعد المسائي في الخرطوم ومشت على ذات الخطوات التي سار عليها الكبير ابو عركي البخيت الاسبوع الذي سبقها بان منحت الناس متسعاً للطرب والشجو ومتشحاً للايام القادمات في إنتظار الجديد للمغني المحتفل.
والطيب مدثر بدعوته وعرض جديده يوضح أنّ ثقافة المغني وفهمه ضرورة لابد منها إن كان للغناء رسالة فالوصول يحتاج للخطى التي يبدأها العرض ومن ثم التعرف يليهما التقبل والحفظ.
الوطن
ماشاالله باين عليك معجب جداا بالطيب مدثر – كاتب المقال
ليش ما ذكرت جبل اولياء التي انجبته.
وشكرا