فوت يا زول

تظل الاختلافات بين لغات و لهجات و إيماءات الشعوب مثار كثير من اللغط و الاستغراب و الطرافة أحيانا و يكون ذلك حسب الظرف الذي يواجهه أي منا إذا قدر له الالتقاء بشعوب من بيئات مختلفة أو حملته ظروفه إلى السفر إلى بلاد هذه الشعوب ، ففي مصر مثلا يعتبر الضرب على القفا إساءة بالغة كما يعتبر مسح شعر الرأس جناية لا تغتفر عند التايلانديين و على نفس النهج تختلف الإيماءات و الإشارات ففي حين تحمل بعض الإشارات معنى طيبا عند بعض الشعوب فإنها قد تحمل دلالات مغايرة تماما عند شعوب أخرى و هي مسألة قد تجلب للمرء الكثير من المشاكل و المتاعب إذا لم يحتاط لها سلفا خاصة إذا ارتبط الأمر بمعتقدات دينية أو تقاليد مقدسة و لذلك يحرص الكثير من السياح المحترفين على التعرف على عادات و تقاليد الشعوب التي يرغبون في زيارة بلدانهم تفاديا لأي هنات قد توقعهم في ما لا تحمد عقباه. ولكن يبقى اختلاف اللهجات اخف وطأة و قد لا يخرج عن سوء الفهم المفضي إلى مواقف طريفة في كثير من الأحيان ، و على ذكر هذه المواقف فقد حكى لنا أستاذنا الجليل السني عبدالله معروف حين كنا طلابا بمدرسة الابيض الثانوية أنهم حينما يمموا صوب بيروت للدراسة في جامعتها الأمريكية تم إخطارهم بعد وصولهم بأسابيع قليلة أن الجامعة بصدد إقامة احتفالها السنوي المعتاد ترحيبا بالطلاب الجدد و حدد لهم تاريخ الاحتفال في إحدى أمسيات بيروت الجميلة فاستعدوا لذلك اليوم أيما استعداد (وقشروا ) آخر قشرة حينما كنا لا نختلف عن غيرنا من شعوب الأرض في الزي و المظهر و حين كنا نلقى قبولا أينما حللنا و لأي جامعة قدمنا ، و عند مدخل الجامعة قابلهم الحرس الجامعي قائلا( يلا فوتوا شباب … الحفلة هلا بلشت) و المعنى بالطبع أصبح معروفا لدينا الآن بعد أن أتاحت لنا فضائيات الدنيا معرفة لهجات معظم بلاد العرب من المحيط إلى الخليج ، أما أستاذنا السني و رفاقه فقد أشكل عليهم الأمر و هم حديثي عهد بلبنان و لهجة أهله ففهموا أن الحفلة قد ألغيت ( بلشت) خاصة و قد اقترنت عبارة الحارس بكلمة ( فوتوا ) فعادوا أدراجهم دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة معرفة سبب إلغاء الحفل (حسب اعتقادهم) و عوضوا أنفسهم بسهرة وليدة تلك اللحظة في بلد لا يصعب فيه إيجاد بديل لمثل هذه المناسبات و لكنهم في اليوم التالي كانوا محل انتقاد زملائهم و زميلاتهم على عدم الحضور لهذه المناسبة التي أعدت خصيصا للقادمين الجدد أمثالهم وعضوا كثيرا من أصابع الندم حين علموا أن الحفل كان جميلا و ممتعا و أنهم لن يستطيعوا حضور حفل مثله إلا في نهاية العام الدراسي ، و لعل أكثر ما أثار حنقهم هو تندر زملائهم بهم طوال مدة دراستهم بلبنان(ياخى الحارس قال لينا الحفلة بلشت). و لأن كل سوداني وقتذاك يفهم كلمة ( فوت) كما فهمها أستاذنا السني و وزملاؤه فقد تعرض سوداني آخر للمقلب ذاته مع هذه الكلمة الغريبة و لكن ذلك حدث هذه المرة بأحد معسكرات الحرس الوطني بالسعودية حيث كانت تعمل مجموعة من السودانيين و الأردنيين و غيرهم من الجنسيات الأخرى و الذين عادة ما تنشأ بينهم و بيننا نحن السودانيين علاقات حميمة لأسباب تعرفها هذه الشعوب. ففي ذات مرة طلب أردني من احد زملائه السودانيين أن يمر عليه و هو في طريقه إلى وسط المدينة عقب صلاة المغرب لقضاء بعض الحوائج و بالفعل جاء السوداني في الموعد المضروب وطرق باب غرفة زميله الأردني التي لا تبعد عنه سوى أمتار قليلة مناديا على اسمه (زياد … يا زياد ) فجاءه الرد من الداخل أن ( فوت ….. يازول ) ففات الزول معتقدا أن زميله الأردني ربما غير رأيه أو انه قد صحا من النوم لتوه و لا يريد تأخيره و لكنه اكتشف خطأ اعتقاده حين قابله زميله الأردني في وقت متأخر من المساء معاتبا ( ليش ما فوتت footed يازلمة ؟ خليتني ناطرك أشي ساعة زمان ؟ ) و بعد جدل عن كلمة فوت بالسوداني التي تعني( اذهب) و معناها عند الإخوة الشوام عموما و هو ( ادخل) حصل عتاب لطيف ومرت ( الأزمة ) بين الصديقين بسلام و لكنهما أصبحا يفسران لبعضهما معني أي كلمة غير دارجة في التخاطب اليومي بينهما تفاديا لأي سوء فهم آخر. ولعل اغرب استخدام لكلمة بمعنى دخل هو كلمة (دش) بفتح الدال و الشين و التي سمعتها أول مرة من امرأة كويتية أُجريت معها مقابلة تلفزيونية عقب الغزو العراقي للكويت فأخذت تشرح ما حدث بعد دخول القوات العراقية للكويت مفيدة ان الجنود العراقيين (دشوا على البيوت و دشوا على المحلات و دشوا على المدارس و دشوا على الايش اسمه …. الخ ) ففهمت من سياق الكلام أن دشوا معناها دخلوا و هو معنى ربما يكون مأخوذا من الفارسية التي يستعير الخليجيون الكثير من كلماتها في لهجاتهم الدارجة ثم تجئ كلمة ( طرش) بفتح الطاء وكسر الراء مع تشديدها وسكون الشين و معناها (ادخل ) ، يعني إذا قال لك كويتي طرش لي المفتاح من تحت الباب فهو يعني ادخل لي المفتاح من تحت الباب و هو معني يقف عنده كل سوداني مشدوها ( دا عايزني أطرش ليه المفتاح كيف يعني ؟ ) ، وثمة طرفة يحكيها السباح المعروف سلطان كيجاب عن أن سيدة سودانية اسمها ست المني خير السيد كانت مسافرة من القاهرة الى الخرطوم و يبدو ان اسمها كان مكتوبا في بيان الركاب ( ست الِمنا خير السيد) ولسبب غير معروف لم تنتبه هذه السيدة الى الاعلان عن الموعد النهائي لمغادرة طائرتها الى الخرطوم فجاء احد موظفي الخطوط المصرية مهرولا يبحث عنها وسط جموع السودانيين مناديا “ست المناخير السيد ، ست المناخير السيد …ما حدش يعرف الست دي يا قماعة ؟؟ ) ففطن احد الركاب الى أن المقصودة هي ست المنى خير السيد فصحح له الاسم وطلب منه مناداتها بالاسم الصحيح فرد عليه الموظف المصري( يا عمي خليك من اسمها ..هي فين بس ؟)،اما ما حدث لي على المستوى الشخصي فهو اننا كنا في زيارة طالبية للقاهرة في سبعينيات القرن الماضي و كنا نبحث عن احد الشوارع التي توصلنا إلى قريب لأحد الزملاء و بعد عن حار دليلنا من كثرة البحث صادفنا احد الأخوة المصريين فابتدره احد الزملاء مستفسرا : يا خى الشارع دا بمشي وين ؟ فرد المصري مستغربا : شارع يمشي أزاي ؟ دا زمانو من أيام فرعون آعد(قاعد) هنا هو … دا انتو اللي رايحين فين ؟ فاضطررنا إلى إعادة سؤالنا بصيغة أخرى ووصلنا إلى مبتغانا و نحن نستغرب عدم فهم هذا المصري لسؤالنا ” الواضح ” الذي لا لبس فيه حسب اعتقادنا و لم نكن ندري أن العرب كانوا قبل ذلك الوقت بكثير ( ستين حتة ) .
يحيى حسين قدال
[email][email protected][/email]
شكرا اخ مدحت و لا مشكلة.
ما قابلتكم اي طرائف في اديس من اختلاف الاشارات يا استاذ قدال؟؟
الصحيح يا اخ شوقى بدرى هو بنت المنا خير السيد !!! والله اعلم!!!
آسف يا يحيى حسين قدال حسبت المقال للاخ شوقى بدرى وتقبل اعتذارى ولك التحية!!