بذرة فساد

اسماء محمد جمعة

خلال أكثر من ربع قرن انحرفت كل الاتحادات في الدولة السودانية عن مسارها وتسيّست وأصبحت تخدم مصلحة الحكومة والحزب الحاكم و أشخاصا محددين وتمارس التمييز السياسي ضد أعضائها بل وكل أنواع التمييز ، كما أصبحت الانتخابات تزوّر بشكل أو آخر ليسيطر كوادر المؤتمر الوطني عليها ، ولذلك انتهى العمل النقابي الشريف وفسدت الاتحادات وأصبحت مجرد واجهة للمؤتمر الوطني تخدم من تشاء فقط ، وما ينطبق على تلك الاتحادات ينطبق على اتحادات الطلاب التى يفترض ان تنحصر مهمتها في خدمة قضايا الطلاب والدفاع عن حقوقهم.
اتحادات الطلاب الأن اصبحت تشكل أزمة حقيقية في الجامعات فقد أصبح صورة مصغرة لتلك الاتحادات ،يتم الانتخاب على أساس اللون السياسي ، ولأن طلاب المؤتمر الوطني ينتمون إلى الحزب الحاكم يجدون كل الدعم والتواطؤ للفوز في بعض الجامعات ، وحقيقة فقد أثبتت الدراسات أن أغلب العنف في الجامعات من خلفه طلاب المؤتمر الوطني ، فهم إما أن يفوزوا أو يتسببوا في العنف ، ولأن العنف في الجامعات أصبح لا يطاق انصرف أغلب الطلاب نهائيا عن انتخابات الاتحادات ولم يبقَ أحد له رغبة المنافسة إلا قليل من النشطاء من الاتجاهات السياسية الأخرى ، وكل طلاب المؤتمر الوطني الذين( لا ) يشكلون الأغلبية في أية جامعة ولذلك يفوزون بالاتحادات.
لن أبحث عن أدلة لذلك فهي أمامنا واضحة ، في آخر انتخابات جرت خلال الأيام الماضية فاز طلاب المؤتمر الوطني بانتخابات اتحاد جامعة أم درمان الإسلامية، بعد أن حصلوا على (1942) صوتاً من إجمالي (2242)، هم عدد الذين صوتوا في الانتخابات ، السؤال كم هم عدد الطلاب النظاميين الذين يحق لهم التصويت في جامعة مثل ام درمان الاسلامية ، مؤكد أنه لا يقل عن 15 أو 20 ألفا، الأدهي من ذلك أنه في جامعة النيلين التي يتجاوز عدد الطلاب النظاميين فيها ال(30) ألف طالب ، فاز الاتحاد الوطني بالتزكية ،إذ لم يكن هناك قائمة منافسة .. الطلاب تخلوا عن منازلة زملائهم الذين ينتمون للحزب الحاكم ، لأنهم لا يملكون روح المنافسة فإما أن يفوزوا رغم أنف الجميع أو أن يثيروا العنف .
قبل عدة أعوام قال لي أحد عمداء عمادات احدى الجامعات في ورشة عن العنف الطلابي صراحة انهم يعملون من اجل ان يفوز طلاب الوطني ليس حبا فيهم ولكن حفاظا على استقرار الجامعة .
في شهر اغسطس الماضي طالب رئيس البرلمان إبراهيم احمد عمر عراب ثورة التعليم العالي ، باعادة النظر في ثورته ، لما وصفه بإخفاقها في تغطية نشاطات ساهمت في زيادة العنف الطلابي، وتساءل عمر، حول الوضع بمؤسسات التعليم العالي، ومساهمة ثورة التعليم العالي في العنف الطلابي بالجامعات، وقال (نعم توسعنا في الثورة التعليمية، ولكن أهملنا النشاط الآخر، وهل السكن الحالي كافٍ للطلاب؟ وماذا حدث للعلاقة بين الأستاذ الجامعي وطلابه؟ وأين النشاط الثقافي والرياضي والجمعيات العلمية؟ هذا الوضع لا ترغب الحكومة في تغييره بدليل أن اتحادات الطلاب ما زال يسرقها طلاب الوطني .
تجربة اتحادات الطلاب الحالية لا تربي الطلاب إلا على الأنانية والكره والمنافسة غير الشريفة ، تحتاج الجامعات إلى إعادة نظر في طريقة انتخاب الاتحادات التى يجب أن تكون على أساس الانتماء للجامعة وليس الحزب الحاكم حتى لا يصبح الطلاب بذرة فساد .

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..