الزراعة التعاقدية، نهب مصلح!

@ إستطاع المفكر الالماني كارل ماركس أن يقدم للانسانية جمعاء خلاصة فكره بنظرية فائض القيمة Surplus Value Theoryعند نقده للاقتصاد السياسي . استطاع أن يكشف للجميع أن رأس المال لن يزيد بالتبادل التجاري كسلعة و أن العامل يبيع قوة عمله للرأسمالي و أن قوة العمل هي التي تنتج السلعة و علي أسوأ الفروض أن يتقاسم الريع مع العامل و لكنه يستأثر بهذه القيمة الفائضة و هي الفرق بين ما ينتجه العامل و بين ما يتقاضاه من أجر . هذه القيمة ينتجها العامل و لا يؤجر عليها ومن هنا يزداد رأس المال من هذه القوة المنتجة الغير مأجورة أي لم يتقاضي عليها اجر. هذه النظرية أقامت الدنيا و لم تقعدها بعد . من خلالها تمكن كارل ماركس من فضح الرأسمالية التي استغلت القوة العاملة التي تعمل لساعات أطول من أجل تحقيق التراكم الربحي لصاحب العمل الذي يعطي للعامل الفتات . هذه النظرية قامت عليها فلسفة الاقتصاد الاشتراكي و قسمت العالم لمعسكرين و ما تزال القوي العاملة المستغلة في بلدان العالم تناضل من أجل استرداد حقوقها التي يعتصبها المخدم صاحب العمل .
@ ما أشبه الليلة بالبارحة ، ما يحدث الآن في الزراعة التعاقدية بالسودان هو أسوأ انواع استغلال الانسان لأخيه الانسان و تعبر بوضوح أن الرأسمالية المتوحشة تكشر انيابها بشكل وقح وبجح لإستغلال و ظلم واضح للمزارع السوداني المنتج للقطن المحور. ما يحدث في الزراعة التعاقدية لانتاج القطن المحور أقل ما يمكن وصفه بأنها سرقة و نهب (مصلّح) لمجهود المزارع صاحب الارض الذي يتحمل لوحده تكلفة الانتاج ونظير التمويل تقوم الشركات المتعاقدة بأخذ الجمل بما حمل علي الرغم من أن الصيغة المعلنة بأنها شراكة من المفترض أن يتحمل الطرفان تكلفة الانتاج و يتقاسما الربح ولكن ما يحدث هو استغلال و سرقة ينبغي للمزارعين الانتباه ورفض هذه الصيغة الظالمة و ليس صدفة ان تقوم تلك الشركات المتعاقدة من اخفاء التكلفة الحقيقية للانتاج بينما لا تقوم تلك الشركات بحساب العائد الحقيقي من واقع الاسعار العالمية و نسبة استخلاص القطن الشعرة بالسعر العالمي لأنه سلعة صادر و البذره باسعارها المحلية من الخام المنتج (القطن الزهرة ).
@ من واقع الدراسة التي تطرقنا لها بالامس في هذه الزاوية و من واقع اسعار الموسم الحالي 2018 اتضح أن متوسط انتاجية الفدان هي 10 قناطير قطن زهرة علي الرغم من المتوسط الحسابي حوالي 12 قنطار ولتبسيط الحساب اعتبرت الدراسة ان المتوسط الغالب هو 10 قنطار / الفدان و تكلفة انتاج الفدان شامل التحضير و المدخلات و العمليات الزراعية و الري و اللقيط و الكبس و الترحيل 13000 الف جنيه .ومن هنا تضح أن تكلفة القنطار 1300 جنيه . الشركات تطرح سعر القنطار الزهرة للمزارع بواقع 1700 جنيه و هنا تكمن السرقة باعتبار ان المزارع لابد أن ينتج علي الاقل 8 قناطير وهي تعادل تكلفة الانتاج التي يتحملها وحده (1700×8)=13600 وهي أكثر ب 600 جنيه من تكلفة انتاج الفدان . أي زيادة فوق 8 قناطير تدفع له الشركة 1700 جنيه علي القنطار واذا انتج 10 قناطير تدفع له الشركة بعد خصم التكلفة ، قيمة قنطارين و هي 3400 جنيه. وبعبارة اخري ، المزارع الذي ينتج 10 قناطير نصيبه فقط 3400 جنيه و لاحديث هنا عن شراكة لأن الشركة او الجهات الممولة تاخذ نصيب الاسد .
@ بموجب المعطيات اعلاه و باعمال حد التساوي في الزراعة التعاقدية او بما يعرف ب Break-even Point و هو الانتاج الذي يغطي التكلفة . الشركات المتعاقدة حددت الإنتاج الذي يغطي التكلفة ب8 قناطير كما أوضحنا اعلاه . حد التساوي باسعار السوق توضح ان هنالك نهب و سرقة لمجهود المزارع . معلوم أن قنطار القطن الزهرة (الجوال) يزن 315 رطل تعطي بعد الحليج 130 رطل شعره و 170 رطل بذرة و 15 رطل زغب و شوائب . سعر الرطل شعرة بواحد دولار أي 40 جنيه/الدولار و بالتالي يصبح سعر القطن الشعرة 130 رطل×40جنيه=5200جنيه زائد سعر البذرة 170 رطل ×3 جنيه=510 بالاضافة الي 90 جنيه قيمة رمزية للزغب تصبح جملة العائد من قنطار القطن زهرة ( شعرة وبذرة و زغب) بسعر السوق هو 5800جنيه . و بما أن تكلفة القنطار تساوي 1300 جنيه يصبح صافي ربح القنطار 5800-1300=4500 جنيه و علي ضوء هذ الربح علي المزارع انتاج 3 قناطير فقط لسداد التكلفة (3×4500)=13000 جنيه و ليس بأي حال من الاحوال 8 قناطير و من هنا فقط يتضح أن الشركات تنهب من المزارع 5 قناطير قطن عندما ينتج 8 قناطير(حد تساوي التكلفة للشركات) .
@ ما تقوم به الشركات المتعاقدة لا علاقة له بالشراكة التي يتحملها طرف واحد و هو المزارع . ثانيا يقوم الطرف المتعاقد و هو الشريك باخفاء ارقام التكلفة متعمدا لمزيد من خداع المزارعين . ثالثا مواصلة لنهب المزارعين تعتمد الشركات المتعاقدة تكلفة الانتاج ب 8 قناطير بينما الواقع يؤكد بأن التكلفة 3 قناطير فقط . ربحية القنطار هي 4500جنيه و علي ضوئها من المفترض يتحدد السعر المبدئي لشراء القنطار 2500 جنيه للقنطار و ليس 1700 جنيه . علي خلفية سعر الشركة في كل قنطار ينتجه المزارع هنالك مبلغ 800 جنيه تنهب من المزارع . وعليه اذا انتج المزارع 8 قناطير بحساب الشركات لا نصيب له لأنه انتج التكلفة فقط وبحساب حد التساوي اذا انتج 8 جوالات تخصم منها التكلفة وهي 3 قناطير فقط و يكون العائد 5 قناطير× 4500 جنيه = 22500 جنيه نصيب المزارع منها النصف 11250 جنيه كانت تذهب كلها للشركات بشكل ثابت مهما انتج المزارع من قناطير . إذا لم يك هذ بنهب واضح فكيف يكون النهب حينئذ .؟.
نواصل