أخبار السودان

قصص الحرامية

قبل حوالي نصف قرن من الزمان . قبض اهل قرية حلة كوكو التي كانت صغيرة علي اثنين من ابناء النوبة .كان احدهما شابا صغيرا والاخر يقترب من الاربعين . اتهم الاثنان بانهما من اللصوص . وتعرضا الي الضرب والتعذيب . اخذا الي مركب في النيل .وهما مقيدان اخذا الي وسط النيل وقال الشيخ الذي رافق المجموعة . الراجل ده زول سالط وقلبه قوي ارموه في البحر . التاني الخواف ده فكوه علشان يمشي يكلم اخوانه الحرامية تاني مابيجوكم .
هذه القصة سمعتها في منزل اختي فاطمة ابراهيم بدري وكانت قد انتقلت مع زوجها المحامي مالك ابراهيم مالك للسكن في حلة كوكو . لقد اعطتني تلك الحادثة التي لم تفارق ذهني ، فكرة القصة القصيرة ,, العدالة ,, الرحمة لروح الرجل الذي القم الي النيل .
الحرامية -1- شوقى بدري
في السودان الحرامي كلمة تكاد تكون جديدة. زمان الكلمة كانت السراق. ولهذا لا يزال الناس يقولون على المتسلل في لعبة الكورة بسارق. واذكر احدى الخالات اثر مجادلة وشكلة مع ابنها, ان تدخلت وسألت عن السبب…وقالوا لها ولدك سارق..فقالت اجي!! ..ولدي بسرق. ولدي الدايرو بيلقى..كان ما جابوا ليهو ابوه خيلانو واعمامو في. فقالوا لها لا سارق في الكورة.زفقالت كان داير 10 كور يجيبوهم ليهو..وعندما افهموها بأن الموضوع هو لعب ولم يسرق اي حاجة…قالت لإبنها …تاني اللعب الفيهو سرقة ده ما تسوي..يشيلوا حسك ساكت..
الذي يسرق الابل لا يعتبر سارق. بل يعتبر بطلا و راجل. والهمباتة كذلك يسرقون. ولكنهم يفتخرون بسرقتهم وبنشاطاتهم ويؤلفون الشعر ويتحدثون عن سرقاتهم. ولكن السارق هو من يأتي في الليل ويسرق. و بعد ان شيدت المدن صار هؤلاء زوار الليل الذين يقفزون من فوق الحائط. ولهؤلاء لا ينظر الانسان بعطف وفي اغلب الاحيان يجدون الضرب و التعذيب والاهانة ويتفنن الناس في عقوبتهم. ولكن لا تخلو المواجهات معهم عن بعض المواقف الفكاهية.
الهادي الضلالي متعه الله بالصحة يعرف كل اهل امدرمان من الوزراء والحكام الى الشحادين واللصوص والنشالين. وعندما قفز لص من فوق سور منزلهم قبل الفجر, وهذه افضل فترة لزيارة المساكن بدون اذن. لأن الناس يكونون مستغرقين في آخر نومة. قال الهادي مستغربا (البجيبك من القماير في الوقت ده شنو لي بيتنا؟)
خالي شقيق والدتي الاكبر مبارك خليل وهو شاعر…يقول في صدر ديوان شعره الذي لم يطبع..
انا ومن اكون سوى انا اسم يردده المهني في التحية والمنا .
إشارة لإسمه مبارك. درس في مصر في الاربعينات وعاش في المانيا في الخمسينات وعمل كمدرس في الجزائر لفترة. وكان يسكن وحيدا في منزل والده في بيت المال فريق السيد المحجوب.
اللصوص عادة لا يقصدون اي منزل الا بعد التأكد والطواف حوله. او يستقون المعلومات من خدم المنزل, العواسة وبعض الوداعيات (إنسايد إنفورميشن). ويبدوا ان اللص لاحظ ان المنزل يخلو من الرجل الداخلة و المارقة..وتسور اللص المنزل. وهو في اعلى الحائط وجد خالي مبارك وهو في جلساته التي تمتد الى الفجر يتأمل ويفكر ويدخن. وقال له بحرارة ( اتفضل …اتفضل ..يا اخي) ويبدو ان اللص الى الآن محتار من حرارة الترحيب!!
كما اوردت في حكاوي امدرمان, فإن اخونا (….) كان قويا في شبابه. وفجأة وجد لصا في الحوش. فناداه (تعال هنا) واشار الى بنطلونه الذي على الكرسي ..قائلا (في جوه البنطلون ده في 2 جنيه شيل جنيه وخلي جنيه. تاني ما اشوفك بي هنا). وبعد فترة بينما الاخ جالسا بين بعض الاصدقاء في الموردة, في الريفيرا اتى وقت دفع الحساب. فقال لهم الجرسون..الحساب مدفوع ..وبالسؤال عن من الذي دفع الحساب..اشار الجرسون الى شخص يجلس بالقرب منهم. ولم يتعرف عليه اي منهم. فسألوه بتعرفنا من وين. فأشار الى الأخ…و بالسؤال بتعرفني من وين؟. قال كيف يا اخي موش قلت لي شيل جنيه وخلي جنيه..وصرخ صديقنا بأعلى صوته مستغربا ..الحرامي!!..فقال الحرامي ..في لزوم للفضائح يا اخي!!..
قد تبدو هذه القصص غير مصدقة. ولكن فلنستشهد بما قال الاستاذ محمد خير البدوي في كتابه قطار العمر. عندما حكم عليه في الاربعينات بالسجن ايام الحكم البريطاني بسبب نشاطه السياسي واتهامه بضرب قاضي إنجليزي بطوبه في المحكمة وقطع اذنه. وجد الاستاذ نفسه في السجن . وكان هنالك احد اهلنا الرباطاب وإسمه عبدالرحمن قرشي. وحرفته السرقة وما يعرف بالكسر المنزلي او زوار اللليل. وطاف بمعظم سجون السودان. ويقول الاستاذ محمد خير ( ومن حكاياته انه تسلل ليلة الى بيت في امدرمان واهله نيام.وداهمته لسؤ حظه نوبة سعال ايقظت من في البيت. فتسلق الجدار هاربا وتبعه رب البيت. وظل جاري وراءه لا يمسكه. كلما لحق به في آخر الشرع، فيعود قرشي راجعا ويواصل صاحب البيت خلفه ..كأنهما عداءآن في مضمار سباق. امتد السباق ساعة كاملة. طوى الاثنان الشارع جيئة وذهابا 20 مرة. حتى نال قرشي ما نال من التعب فجلس على الارض. لاهثا لا يستطيع حراكا, امام البيت الذي كان بداية الملحمة المنحوسة!!. ويمضي قرشي في حكايته المآساوية قائلا..إن رب البيت كان نبيلا (ود ناس). إقتاده الى داخل البيت قدم له ماء باردا اطفأ ظمأه وأطعمه, ودعاه لقضاء الليلة في ضيافته حتى الصباح. قبل قرشي الدعوة لأنه مرهق للغاية لا يقوى على المشي خطوات. نام قرشي نوما عميقا على فراش وثير وتحت مروحتين في غرفة عبقة برائحة البخور. ودعه صاحب المنزل في الصباح راجيا الا ينقطع عن زيارته في المستقبل).
الاخ و زميل الدراسة نصر جبارة ـ لاعب فريق الموردة, كان صاحب جسم رياضي ولم يكن يدخن. وكان مشهورا بالسرعة ومن ابطال الجمباز في مدرسةالاحفاد. عاجله لص بضربة عكاز استوعبها نصر بجسمه القوي وقفز اللص الحائط هاربا. متجها نحو حمدالنيل لكي يختبئ في الخيران. وتابعه الاخ نصر جبارة ـ رحمة الله عليه وهو في حالة جكة خفيفة. وعندما لحق بهم اهل الحي في حمد النيل كان اللص منبطحا ارضا وهو في حالة انهيار ويناضل لكي يتنفس. ونصر كان يقف فوقه وكأنه لم يسخن بعد. ولكنه منع الناس من الفتك باللص.
الصديق العزيز إسماعيل دفع الله الفيل كان رقيق العود ومسالما. حكى مرة عن اللص الذي لم يجد ما يسرقه في منزلهم في امدرمان – حي السروجية. وقام اللص بإنتزاع ساعة اسماعيل الذي كان نائما. ويقول إسماعيل جبد الساعة لحدي انا ما لقيت نفسي قاعد بدل ما كنت راقد في السرير. ولمن فتحت عيني كان في راس الحيطة وقبل ما افتح الباب إختفى من الشارع..ما عرفتو مشى جنوب ولا شمال. كان توام الروح بلة ـرحمة الله عليه يداعب إسماعيل الفيل كثيرا. يا اخ انا عرفت انو الحرامي صحاك وانت ملصت ليهو الساعة ودخلت جبت ليهو شوية قريشات..تقول لي نتل الساعة.؟..ونضحك. إسماعيل كان جنتلمان بمعنى الكلمة. شقيقه الرشيد رحمة الله عليه كان ضابط بوليس..يمكن الحرامي كان عندو غبينة مع البوليس..
ابن العم الصادق بدري كان شخصية مشهورة.ـ ومحافظ مشروع الجزيرة ـ وجد مجموعة من الناس وهو في طريقه الى قبة المهدي لصلاة الفجر وهم يحيطون بلص. وحال بينهم وبين اللص. ومنعهم من ايذائه. وقال ده راجل مسكين محتاج. فقالوا محتاج شنو ده حرامي.فأشار الصادق بدري لأسلحتهم من عكاكيز ومواسير .وقال في زول ما محتاج بيعرض نفسو لي حالة زي دي؟ فأنصرف الناس عنه واعطاه الصادق بدري ما كان في جيبه وتركه لحاله.
وانا في التاسعة من عمري وكنا نسكن في حي الملازمين. كان باب الشارع مفتوحا كعادة امدرمان قديما. وقديما لم تكن ابواب الشوارع تغلق. وحمل شخص كل الملابس التي كانت على طاولة المكوه. ويبدو انه قد استعجل. والملابس كثيرة فخبط الباب خبطة واضحة لفتت نظر اثنين من الخدم اللذان قضيا كل اليوم في الكي. فلحقا به الا ان اختي نضيفة منعتهم من ضربه وإلحاق الاذي به. كان هذا في فترة العشاء والرجل كان حسن المنظر ويرتدي بنطلون وقميص. ولكن كان يبدو مشوشا واثار السكر بادية عليه. ويبدو انه كان مارا فشاهد طربيزة المكوة والباب المفتوح. وهذا يؤكد النظرية ان الفرصة تخلق اللص. واذكر انه رفع صوته على رجل البوليس الذي اتى لأخذه وان رجل البوليس صفعه. وان والدي طلب منه ان لا يرفع يده على اللص.
عندما كنا نسكن في السردارية في امدرمان كنت اذهب كثيرا الي مجلس القضاة الاوسط , الجنائية و القروية والشرعية التي تتواجد في تلك المنطقة. وفي احد الايام قدم شاب يبدو مؤدبا (ابن ناس) وتهمته كانت سرقة نص شوال فول. وعندما قرئت التهمة عليه بواسطة رجل البوليس, قال حاصل يا سعادتك وانا غلطان. وعذره كان , انه كان مارا امام الدكان وشاهد شوال الفول امام الدكان والدكان مقفول ..قبل المغرب. والشاب قد اتى من (قيلة سكر) فوضع شوال الفول على الدراجة وقاد الدراجة. مفكرا في بيع شوال الفول ومواصلة القعدة. الا ان البعض لحق به واخذوه للبوليس. واذكره يقول للعم عبدالرحيم محمد خير قاضي المحكمة ..والله يا مولانا انا ما سراق لكن الفي راسي.
في نفس اليوم قدم شخص آخر طويل القامة انكر بشدة بأنه سراق. بالرغم من المعروضات التي احضروها. فعندما طارده اهل الدار و اهل الحي. سبق الجميع في الجري واظن ان اسمه كان سليمان. وكنت اشاهده بعد ذلك في مقاهي امدرمان وكان ثابت الجنان. يتكلم بدون لعثمة.
عندما تواصلت المطاردة وكان البعض يلتحق بالسباق وهو بنفس جديد. احس سليمان بأن فرصته في الهرب تكاد ان تكون معدومة لأن المطاردين يتجددون. فأنتظر في احد الاركان وانضم الى المطاردة وبدأ في توجيهها ( بهنا ..شايفو دخل هنا ….الزول ده نط في البيت ده) واستمرت المطاردة وسليمان على رأسها. الى ان انضم اثنين من السواري. وتعرف عليه احد السواري كأحد زوار الليل. وانكر سليمان اي صلة له بالمسروقات. وكان يقول لرجل السواري يا امباشا انا بساعد فيك تقول لي انا حرامي؟ وكانرجل السواري يستجوب الشهود.و تضاربت اقوالهم والبعض يقول انه كان مشترك معهم في المطاردة. ولم يستطيع القاضي إدانته بالرغم من انه معروف
.

________________________________________
آدم قطية كان من اشهر رجال العالم السفلي في امدرمان وكان يتميز بلحية ونضارة سوداء في النهار لم يكن ضخم الجسم ولكن اشتهر بالقوة والشراسة ولم يكن من الذين يقفزون الاسوار كان متخصصا في كسر الدكاكين والخزن. وهؤلاء عادة لا يحترمون النشالين او من يقفزون فوق الحائط. و آدم كان ركيب في المقاهي وكان لاعب ورق يضرب به المثل. وصديقنا عثمان ـ رحمة الله عليه ـ لأن آدم كان حريفـ كان يطلق عليه اسم قطية وعرف بهذا الاسم طيلة حياته. آدم اصيب في معركة شرسة وتحطمت اضلعه وصار يمشي منحنيا او كما كانوا يقولون ..كاسر جنبه. وبما ان عملية الكسر المنزلي والسرقة ترتبط بفئة عمرية معينة مثل لعب الكرة او اي رياضة اخرى فإن السراق عادة ينزل المعاش قبل سن الثلاثين.
في سنة 1963 كان محمد صالح عبداللطيف وقيع الله قاضي جنايات امدرمان يشاطرنا السكن في المنزل لأنه زوج اختي . وبمثابة الوالد والاخ الاكبر. وسألني في بعض المرات اذا كنت اعرف آدم قطية نسبة لصلتي بأهل العالم السفلي. وآدم بعد ان ترك الكسر بدأ في بيع الصنف في منزله شرق قبة الشيخ دفع الله. وفي احد الايام ملأ احد اللصوص حقيبة بما غلا ثمنه وخف حمله من احد المنازل فأحس به اصحاب الدار فطوح بالحقيبة خارج الحائط وقفز خلفها ولم يكن في استطاعته ان يحمل حقيبة و يركض. فترك الحقيبة واطلق ساقيه للريح. فالحرامي الذي لا يستطيع ان يركض لا يستطيع ان يعمل. فأخذ آدم قطية الحقيبة و ارجعها لأصحاب المنزل. وشك اصحاب الحقيبة في ان له صلة بالسارق الا ان آدم قال انه كان مارا وشاهد اللص قافزا من الحائط. فأخذ الحقيبة وقدمها لأهلها.
بالنسبة لي كان الامر واضحا, آدم وكثيرون من عتاة المجرمين عندما يتقدم بهم العمر كانوا يوظفون شبابا ويعلمونهم اسرار المهنة. وكيف يتعاملون مع القانون. احد اخوتنا الكبار كان المجرمين يأتون اليه ويأخذون منه إستشارات قانونية مدفوعة الأجر. ويقول لهم, قولوا لصاحبكم ده في الحراسة ..ما يقول كده ..لو قال كده الموضوع ده حا يوقعو . او يقول لهم الشغلانة دي ما فيها فايدة ..زولكم ده التهمة لابساهو …ما نزعل القاضي ساكت. يقوم يزيد ليهو الحكم. خلي يعترف ..ويوري القاضي انو عندو ظروف امو عيانة او اي حاجة.
لأنني كنت اعرف ان آدم كان (مادة) واصحاب المادة 77 أ كانوا مترددي الإجرام. وهذا يعطي الحق لأي قاضي ان يحكم عليهم بالسجن لفترة قد تمتد 5 سنوات لجرائم قد تعتبر بسيطة. كما تسمح المادة للقاضي ان يتساهل في الأدلة. قانون عقوبات السودان الذي كان مبنيا على النظام الانجلو ساكسوني وهنالك إقتباس من القانون الهندي والاعراف السودانية, كان يعتبر ان اي شك هو لصالح المتهم وان المتهم برئ الى ان تثبت إدانته. واذكر انني قلت لمحمد صالح عبداللطيف. أن آدم قطية كان مصابا في جانبه الايسر وانه لم يكن يستطيع ان يجري. عندما سأله اهل المنزل لماذا لم يركض خلف اللص كما متوقع..قال آدم الجماعة ديل بيجروا زي القطر الواحد ما بيقدر يحصلهم. ومحمد صالح كان يقول لي هل من الممكن ان آدم كان شريكا مع اللص وانه تصرف بذكاء لأنه كان يعرف ان لن يستطيع ان يركض فقد تظاهر بإرجاع الشنطة. فقلت له هل هذا يدينه؟. وطلبت من محمد صالح ان يتلطف به لأن إرساله للسجن كان يعطي الفرصة لأعداءه الكثيرين في السجن ان ينتقموا منه. وانتهى الامر ببراءة آدم.
ولقد تقدم العمر بآدم وكان عادة يتواجد في منطقة السوق ويسكن في حي الشيخ دفع الله. جنوب سينما الوطنية. واخبرني عبدالمنعم بدري بأنه في آخر ايامه كان يجلس في محطة البنزين جنوب سينما امدرمان وعندما يشاهد اهل امدرمان القدامى يشير عليهم من بعد. وينزلون من سياراتهم ويحيونه ..كيفك يا آدم.. ويعطونه ما فيها النصيب. آدم سكن في آخر ايامة مع اخته زينب برقو خلف مدرة امدرمان الاميرية . الرحمة للجميع
شاهدت آدم قطية وبعض كبار المجرمين يقفون بإحترام عندما يمر العم ضرار او الصول شنب الروب نسبة لشنبه الابيض. ويبادلونه بالتحية ..اهلا عمي ضرار. ويرد على تحيتهم بأحس منها. واخبرني ابنه وزميل دراستي في الكتاب وفي الثانوي التوم حسن الذي صار طبيبا. بأنه عندما كان يحضر الطعام لوالده في المركز كان يعطي جزءا منه لآدم قطية او احد مترددي الإجرام من امدرمان الذي يكون في الحراسة. وهذه روح امدرمان.
هؤلاء الرجال كانوا يكرهون النشالين الذين يتربصون بشخص في زريبة المواشي او في زحمة المولد وينشلون محفظته ويحرمون اسرته من حلاوة العيد. او من يقفزون خلف الحائط ويسرقون الذهب او مدخرات اسرة مسكينة.
يذكر العم ابارو مدير البوليس ان اثنين من الخدم قبض عليهم بعد ان اختفت كمية ضخمة من الحلى الذهبية لأسرة سودانية معروفة. وقديما لم يكن يسمح بتعذيب او ضرب المتهمين. فاستعان العم ابارو بأحد مترددي الإجرام و الذي يكره من يقفزون فوق الأسوار. وطلب منه ان يمكث ليلة في الحراسة مع المتهمين وان يكثر من الشتيمة والصراخ حتى يطمئن اللصان لكي يعرف مكان الغنيمة. وفي الصباح عرف العم ابارو بأن اللصوص قد خبأوا الغنيمة في داخي المنزل. فأطلق العم ابارو سراحهم. وعندما ذهبوا للمنزل لأخذ اغراضهم واخذوا الغنيمة كان البوليس في انتظارهم. وارجعت الغنيمة الى اسيادها.
بما ان والدي كان مفتش مركز فلقد كانت له سلطة قضائية ضخمة تمتد حتى الحكم بالإعدام. وحكت لي اختي نضيفة ان أحد المتهمين في المحكمة كان رجل قصير القامة صفع متهم آخر ضخم في داخل المحكمة . والشخص القصير كان مقيدا ومتهما بالقتل وسرقة جمال. وعندما انتهره والدي قال بكل براءة …جنابك ده سارق جدادة. عندما سأل الهمباتي القاتل الرجل الضخم عن تهمته وعرف انها سرقة دجاجة لم يتمالك نفسه من صفعه. وامثال هذا الرجل يعامل في السجن بإحتقار.
و انا في الخامسة من عمري كان والدي مفتشا في سنجه عبدالله وكنا نسكن في منزل ضخم بالقرب من النيل الازرق. وكان من العادة ان يعطى كبار الموظفين مسجونا او عدة مساجين للعمل في منازلهم وهذا يعرف بمضمون او دور برا. وكان هنالك امحمد الهمباتي كان قصير القامة وصرنا لا نفترق في المنزل وكان يحكي لي قصص لا تنتهي. ويحكي لي عن رحلات سنقوم بها عندما اكبر وكان يحكي لي عن منطقة شرق سنجه وكان يأخذني للجروف حيث يعلق الناس جثث النسانيس الميتة حتى لا تسطو القرود على مزارع الذرة الشامبة. وكان يحضر (القنقر ) الذرة الشامي ونشويه في المنزل. وكان يأخذني الى سوق سنجه. وفي احدى المرات طلب من رجل كعكولا من الصمغ من مجموعة رجال يعبئون الصمغ في جوالات. فنظر اليه الرجل بإستغراب. فقال له امحمد.. ده ود المفتش. فقال الرجل مستغربا ود المفتش طالقنو معاك انت. وامحمد كان كالعادة يرتدي ملابس السجن وهي عبارة عن سروال وعراقي دمورية وطاقية. فقال امحمد ليه ما يطلقو معاي انا حرامي وللا سراق؟.انا همباتي..بقلع حق الرجال عينك عينك. فأعطاني الرجل أكبر كعكول امامه.
أمحمد كان يكشف لي عن بطنه ولأن لونه كان فاتحا فلقد كانت هنالك ثلاثة ندبات سوداء اللون وهي عبارة عن ثلاثة طعنات بسكين. وامحمد كان يتحدث بدون ان يرفع صوته لم اره محتدا او رافعا صوته الا مرة واحدة. فلقد كان مع امحمد مسجون آخر اسمه موسى وهو كما يقول عن نفسه تعيشي وكان محكوما عليه بتهمة السرقة. وموسى كان كثير المزاح لا تفارق الإبتسامة شفتيه. شاهدته في احد المرات يفتح علبة جبنة رومية بالقدوم وسط عدة النجارة وهو في اسطبل الخيل ويأكلها. وكاان واضح انه سرقها ـ الجبنة كرافت كانت لا تباع الا في المتاجر الخاصة.وكان يمازح جون كثير وجون جنوبي إعتنق الاسلام وقرروا اخذه للمستشفى لختانه. وموسى كان يمزح ويهز القدوم ويقول لجون انت إلا يطهروك ب جنس ده. وجون كان يتضايق ويتركه ويذهب لحاله.
السبب في ارتفاع صوت امحمد وتركه للمنزل ورجوعه للسجن هو ان امحمد استلف تعريفة من الخال عبدالمجيد وكان عبدالمجيد بمثابة الخال لنا وهو طباخ المنزل. وتأخر امحمد في الدفع فطالبه عبدالمجيد في المغرب. فطوح امحمد بالتعريفة للخال عبدالمجيد غاضبا إلا ان التعريفة اختفت. وبدأت الشكلة. واتهم الخال عبدالمجيد امحمد بأنه حرامي. وغضب امحمداللإساءة ولولا تدخل المرمطون العملاق سعيد بولينق لأنتهى الامر لمعركة. وذهب الخال عبدالمجيد واحضر رجل البوليس الذي كان يقف امام مكتب الغابات المواجه لمنزلنا من الناحية الغربية. وانتهى الامر بإرجاع امحمد الى السجن. وكان ذلك اتعس يوم في حياتي. وبعد فترة عرفت من اخي الشنقيطي بأن التعريفة وقعت امام موسى الذي كان يصلي فركع والتقط التعريفة بفمه. وواصل صلاته!! وفقدت انا شخص ستتبعني ذكراه الى القبر..الهمباتة لا يعتبرون انفسهم من اللصوص.
ربما تأثرا بأمحمد الهمباتي وقصصه قلت في قصيدة البدينقا والمحجان
اختا مجرى السيل كان بنايتك الضانقيل (الطوب)
وما تبرا الإضينة لأنو ما بشد الحيل.
الهمباتي ما بدبأ ويسرق بهم بي ليل
وما بيقرب ابل عوين والسيدا مالو قليل
من حوادث امدرمان حكى لي الاخ عمر بدوي مصطفى ابن وزير المعارف بدوي مصطفى وتاجر الجلود المشهور رحمة الله عليه..ان لصوص الموا بمنزلهم الكبير في حي الملازمين في الليل. ولم يكتشفوا السرقة الا في الصباح. فقال ابن اخته الصغير. انه شاهد الحرامي وهو يحمل الأشياء وعندما سألوه ليه ماإتكلمت قال ( لكن ما قال لي اسكت ساي وللا بطهرك).
عندما اطلق النميري المساجين بعد إعلان الشريعة اعطوا كل مسجون مائة جنيه. وحذرهم من الرجوع الى السرقة وإلا سيقطع اياديهم. فأمتلأت البلد بالمجرمين واللصوص وبعد ان اخذ بعض اللصوص كل ما يمكن حمله اخرج رئيس العصابة مائة جنيه واعطاها لصاحب المنزل قائلا ..شيل دي وديها للنميري كان يقدر يعيش بيها.
ذكر لي الدكتور محمد محجوب رحمة الله عليه والذي حكم عليه بالحكم المؤبد وشنق زملائه محمد علي حامد وعبدالبديع وآخرين في محاولة إنقلاب, أن احد المساجين قال لهم , انهم بعد ان اخذوا كل ما يريدون قطع بسطونة حارة في صاحب البيت ..قائلا عشان بكرة ما تقول للمسكينة دي وناس الحلة انت كنت نايم وما حاسي بي حاجة..
زميلنا في براغ ي. ز وهو محامي اتى الى براغ لدراسات عليا كان قليل القامة الا انه شجاع ورأسه قوي. اشترك في معركة مع لص واستمرت المعركة لفترة طويلة تغلب عليه فيها اللص الذي كان قويا الا ان اللص لم يخرج ب حاجة وبعد فترة رجع اللص مرة اخرى لأن اللص لاحظ انه يتواجد في المنزل لوحده. فقال له زميلنا المحامي (يا **** والله لو ما الحمى دي والملاريا ما بتمرق من هنا ساكت) فأقترب الحرامي من السرير ووضع يده على جبهته ولاحظ انه مصاب بالحمى فأرجع الاشياء وجلس معه يمارضه ويتسامر معه. ولاحظ ان بعض الأغراض اغراض نسائية قال له وين المرة ..فقال صديقنا المرة عند اهلها ..والرد كان بتكون جننتها بي راسك القوي ده…ونواصل
التحية…
ع.س شوقي بدري

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يا،،،سلام عليك أستاذنا شوقي
    متعة السرد الجميل والذكريات ربنا
    يمتعك بالصحه والعمر المديد.

  2. والله يا ود بدري مواضيعك شيقة جدا وطريفة وظريفة وأجمل ما فيها سرقة المصلي للتعريفة … هههههه

  3. رائع جدا وسرد جميل والدنيا كانت بخير والناس بخير

    اعتقد ماحدث للص الشطة هو اللص صادف البلد كلها حرامية بقت وهو بمثابه كبش الفداء فالمواطن ماعارف يلقاها من الحرامي ولا من الحيكومة ولا من منو

  4. و ما ذنب العسكري الذي يفر منه الحرامي المسجون. أسوق مثالين:
    1/ في رمضان من عام 1981م و الجو صيف غائظ,أتانا رجل عجوز يرتدي زي السجون و يحمل بندقية.و هو من منطقة شمال دنقلا العرضي. وصل قريتنا في جنوب دنقلا العرضي و يبحث عن شخص ما و هو عمنا و كانا يعملان سويآ في البوليس في مصر في عقد الستينات. و يبدو أن هذا الدنقلاوي العجوز إلتحق ببوليس السجون لدي عودته من مصر.
    حكي لنا هذا الرجل مشكلته.قال أنه رافق المساجين ليعملوا في مزرعة في طرف المدينة.كان من بين هؤلاء المساجين شاب خطر و مربوط بالسلسل من رجليه.قال الدنقلاوي :هتيت البندقية تهت راسي و رقدت في ضل الشجر و الكومر واقف و المفتاح فيهو.غمت شوية بسبب تعب الصوم.و قال :غافلني الحرامي و و دور الكومر و إنطلق بيهو!!!
    طلبوا منه أن يبحث عن هذا الحرامي الهارب و يعيده إلي السجن. خرج المسكين و هو يبحث عن هذا الحرامي الهارب و لا أدري ماذا فعل بالسلاسل التي في رجليه و ماذا فعل بكومر الحكومة.!!!
    2/ منذ سبعة سنين هرب حرامي من أم درمان و إتجه شمالآ. و أخذ يرمرم إلي أن وصل دنقلا. و هناك ألقوا عليه القبض حسب الوصف.أدخلوه الحراسة. و في ذات يوم كان يؤدي العمل شاب مسكين من الشرطة الشعبية.يعني كان شغال ليلتها سد خانة.و يبدو أن الحرامي لمس أن هذا العسكري مسكين فقرر الهروب.خرج إلي بيت الأدب مرة و عرف المخارج. و في المرة الثانية سمح ل له هذا العسكري المسكين بالخروج إلي بيت الأدب.كان أن غافل العسكري و قفز من فوق الحيطة و رد صوووف!
    دخل العسكري المسكين السجن و فقد وظيفته!!!
    يقولون أن القانون لا يحمي ألمغفلين.
    من هو المغفل؟ السارق أم المسروق أم العسكري؟

  5. العزيز شوقي بدري … متعك الله بالصحة والعافية
    اتزكر انه في بدايةالثمانينات جاء لص الى جيراننا (المرتاحيين )
    في الساعات الاولى من الفجر في يوم شديد البرودةومصحوباً بزيفة
    قوية وقد تمكنوا من القبض عليه بعد جهد جهيد لانه لم يكن يرتدي إلا
    مايوة !!! اي نعم مايوة فقط ويغطي كل جسمه بمادة شحم البلالي !!!
    فقرروا ان يسلموه للشرطة ولكن لا يمكن ان يركبوه السيارة لانه سوف
    يوسخها بهذا الشحم ولان السيارة كانت جديدة (موديل السنة).. وكذلك
    لايمكن ان يسيروا معه بالارجل الى قسم الشرطة البعيد جدا(ثلاثة كلم)
    فجاءت اليهم فكرة جهنمية لا تخطر على الشيطان ذات نفسه من قسوتها
    وبشاعتها .. بان اجلسوه على الارض ووضعوا راحتي يديه فوق بعض ومن
    ثم اوقفوا عليها السيارة باللستك الامامي الايسر وتركوه هكذا الى
    الصباح … وعند الصباح وجدوا أن يديه قد تورمت بإلاضافة الى أن
    البرد قد فتك به وأمسى في أشد الحاجة للذهاب الى المستشفى فقالوا
    له بما انك قلت لنا انك تبت عن السرقة نحن ققرنا ان نطلق صراحك ..
    فالبسوه عراقي ازرق و شبشب قديم كان لديهم وقالوا له إذهب انت حُر
    فإنصرف وهو يجرجر رجليه بين حي وميت الى أن توارى عن الانظار …

    او تدري ماذا حدث بعد ذلك بشهــــرين !! ؟ … مع اذان الصبح الاول
    تفأجــــــأ كل الحي بشبوب نيران هائلة على سيارة جيراننا الجديدة
    قضت عليها بالكامل .. ولكن من تفاجأ أكثر كان هم الجيران انفسهم !!
    لانهم بعد شروق الشمس ووضوح الرؤيا وجدوا بالقرب من باب منزلهم
    العـــــــــــــــــراقي الازرق والشــــــبشــــــب القديم !!! .

  6. مقالاتك يا شوقى بدرى قمة فى المتعة متعك الله بالصحة والعافية طول ما الدجاحة حافية زى ما بيقولوا اللبنانيين واهم حاجة فيها انها بتورى واشهد الله على ذلك اننا شعب عظيم وبتذكرنا بايام السودان الحلوة ورحم الله اجدادنا وحبوباتنا وكل من نعرفه!!!
    انت عارف ليه مقالاتك ممتعة ؟لانها باللغة الدارجية السودانية وارقد عافية يا وليد .

  7. و هذا يؤكد النظرية ان الفرصة تخلق اللص.
    نعم قيل أعقلها و توكل.
    لم يحدث أن سرق بيتنا غير مرتين منذ خمسة و ثلاثين سنة.كانت زوجة شقيقي عروس و قدمت من البلد لتوها.خرج زوجها إلي العمل ثم خرجت هي بعد ساعة لشراء أغراض من الدكان المجاور. و من تجارب الحرامية أنهم يتابعون حركة البيت,أي متي يخرج صاحب البيت و زوجته و الأطفال إلي المدرسة و هل في شخص آخر في لبيت أم لا.ثم يتلب الحرامي و يأخذ ما يأخذه.هذه عن كيفية سرقة الضحوية و نص النهار.
    خرجت المسكينة فتبعها الحرامي و جمع ما خف حمله. و يبدو أنه كان حرامي من النوع الصغير أو المستجد إذ حمل أشياء خفيفة:جهاز إستيريو…جلابيتين…توب معلق في السلك ثم خرج في هدوء.
    و السرقة الثانية كانت في عز الضهر.كان ولد الجيران فاشلآ و للآسف.كان مهجج الحلة بسرقاته.نط الحيطة و سرق جزء من شيلة شقيقي.عرفنا الحقيقة لكنا سترنا الموضوع.و بعد سنة و نصف رحلنا إلي بيوتنا الجديدة في الطائف.
    أقصد أن الرقابة و الحرص مطلوبة لسلامة و أمن البيوت و الأسر.

  8. ياالله والله من يقرا مقالك استاذنا لا تفارقه الابتسامة منذ اول سطر الى اخر المقال سرد في منتهى الروعة

  9. سردك الرائع ياعم شوقى يحلق بنا فى فضاءات ذلك الزمن الجميل وناسه الأجمل حتى حرامية ذلك الزمن كان فيهم مروءة وسأحكى لكم عن أخلاق حرامى من الزمن الجميل ..
    عم خميس كان رجلا طاعنا فى السن لكنه كان قوى البنية ..أتى به جدى وهو شاب صغير للعمل ..وحينما توفى جدى لم نكن قد ولدنا نحن جميع أحفاده فلم نراه ..لكن عاصرنا عم خميس الذى لم يترك دار جدى و ظل يعمل مع خالى فى حراسة الجروف فى قرية جدى ..
    وحينما كنا نسافر فى الإجازة الصيفية للقرية كنا نتحلق حوله نحن وأبناء خالى لنسمع حكاياته ومغامراته مع السرقة أيام شبابه مع أحد أصدقائه وكنا نستمتع بقصصه كأنها أحاجى ..فكان يحكى لناعن كيف كانوا يسرقون عسل النحل وكيف كانوا يتعرضون للسعات النحل ولا يصدرون صوتا رغم الألم حتى يتمكنوا من الهرب .. قال كنا نجرى حتى نحس بأن أقدامنا تضرب أكتافنا من سرعة الجرى ..
    وكيف كانوا يسرقون السمك من شباك الصيادين بعد منتصف الليل والعفاريت التى كانت تقابلهم فى البحر ليلا ..وقصص كثيرة كنا نعتبرها مغامرات وبطولات لعم خميس الذى كان يعاملنا كأبنائه فقد كان يسكن وزوجته فى دار قريبة أسكنه فيها جدى بالقرب مننا..

    ذات يوم ذهبنا إلى الجروف مع جدتى ومعهاغنمها.. فقد أرادت جدتى أن تأكل غنمها من قش الجروف فمنعها عم خميس بقوة وقال لها مستحيل أن أترك غنمك ترعى فى الجروف فزعلت جدتى جدا ولكنه أصر على منعها وقام بطرد الغنم ..وقال لها إن خالى قد باع محصول البطيخ لأحد التجار ولا يمكن أن يسمح لأى كائن كان أن يأخذ ولو قشة من الجروف فهذه أمانة فى عنقه..
    ورجعنا مع جدتى للبيت وحينما جاء خالى من المكتب حكت له جدتى ماحصل وهى زعلانة ..فقال لهاخالى رحمة الله عليه إن خميس على حق وإنت الغلطانة لأنى فعلا بعت المحصول لتاجر ويجب أن تشكرى خميس لأمانته ..

    ما أروعك يا عم خميس وما أجمل ذلك الزمن وماأروع ناسه ..رحمهم الله جميعا.. عم خميس وخالى وجدتى ..
    نحن الآن فى زمن التتار لا أمانة ولا صدق …لا نبل ولا مروءة والعياذ بالله منهم…

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..