مبادرة المُطَعَّمِينْ ضد التوحش السياسي

مرة أخرى نكتب عن مبادرة الشخصيات القومية.. أو بالأدق عن الطريقة الصحيحة في التعامل مع مثل هذا النوع من المبادرات التي لا تتكرر، لأن أصحابها لا يتكررون كثيراً، وطالما أنهم استثنائيون بوصفهم رموزا قومية بلا أجندة فإن الواجب أن يتم التعامل معهم ومع مبادرتهم على الأقل بنوع من الاستثنائية اللائقة على المستوى الإجرائي ..
لكننا نفاجأ بأن حجة المؤتمر الوطني التي قدمها في إعلانه عن رفض مبادرة هؤلاء هي نفسها – أي تلك الحجة – كنا نتوقع أن تكون إحدى الميزات التفضيلية المشجعة والمحفزة للمؤتمر الوطني للاطمئنان لهم أكثر ..
المؤتمر الوطني أعلن رفضه لمبادرة هؤلاء بحجة أن معظم الموقعين عليها مشاركون في مؤتمر الحوار الوطني وإن أي مقترحات لابد أن تسلّم لآلية (7+7) والأمانة العامة للحوار الوطني، ولا جدوى من أي مبادرة خارج آليات الحوار المطروحة .
ألا يفترض أن يكون وجود هؤلاء أو بعضهم في الحوار عاملاً مهماً من عوامل الثقة في نواياهم وأجندتهم.. أم العكس؟ ولماذا يتم استخدام مفردة (رفض) لمبادرة إصلاح اختلف الناس أو اتفقوا حول محتواها لكن المفردات الأنسب هي مفردات الشكر والامتنان على الاجتهاد وعلى التفاعل مع أجواء الحوار قبل التحفظ على بعض ما في محتوى المبادرة لاحقاً بعد الترحيب بها ودراستها ..
أصحاب هذه المبادرة بعضهم من المتفق على وطنيته وسمو غايته من رجال هذا البلد.. كما أن معظمهم يمتلكون مناعة ذاتية ضد أمراض (التوحش السياسي) وهي أكثر الأمراض الخطيرة التي ينتشر وباؤها في الساحة السياسية في السودان الآن ..
ولو لم يكونوا مطعمين ضد هذا التوحش السياسي لخفنا عليهم من الخروج أو التمرد كردة فعل لصدهم ورفضهم، لكننا نستبعد أن يخرج من بينهم من يصاب بهذا الداء الذي يعني اختيار الأساليب الابتزازية الشائعة في الساحة السياسية من تقرب للمتمردين أو مغازلات لحملة السلاح ..
مثل هؤلاء لا يفعلون ذلك لكن على الحكومة والمؤتمر الوطني أن يعيدوا النظر في موقفهم ويتعاملوا مع هذه المبادرة على أنها بمثابة وساطة لإيجاد تسوية ..
فالوسطاء يقولون ما يقولون ويطرحون كل هذه المقترحات التي قدمها أصحاب هذه المبادرة والحكومة دائماً تستمع إلى الوسطاء وتجلس معهم وتصبر عليهم وتقدم تنازلات عن بعض مواقفها أحياناً نزولاً لمقترحاتهم، فلماذا لا تتعامل الحكومة مع هذه المبادرة الوطنية الداخلية بنفس روح التفهم ودراسة المطروح من المقترحات مثلما فعلت بعض قوى المعارضة خلال اليومين الماضيين برغم أنها تعلم أن بعض أصحاب هذه المبادرة مشاركون في الحوار الذي يرفضونه لكن لم تمثل تلك النقطة عائقاً أو مشكلة في التعامل مع مبادرتهم ورحب بعضهم بها ووعدوا بدراسة المقترح داخل أجهزة أحزابهم .
لقد كتبنا مقالنا السابق عقب إعلان المبادرة مباشرة، ولم ننتظر فرصة أو وقتا لتقييم وقياس درجة التفاعل والتقبل في الأوساط العامة أو أوساط الرأي العام لهذه المبادرة.. لكننا نكتب هذا المقال الآن ونحن نرصد تفاعلاً مقدراً من الرأي العام إن لم نقل تفاعلاً كبيراً ونوعاً من الثقة في هذا التحرك.. فلا تدهسوا هذا التفاعل والأمل تحت عجلات الرفض السريع .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين
اليوم التالي