أخبار السودان

?أنا سوداني? ?البدون? صارت شأن العشرات من اليفع الذين أنجبتهم سودانيات متزوجات من جنوب سودانيين، دموعهم تبكي الهوية قبل ضياع الجنسية

الخرطوم ? بهرام عبد المنعم
في مدينة أم درمان القديمة (حي الموردة)، كان المواطن عادل برعي، يعيش حياة مطمئنة وسط أسرته، لكن قبل سنوات بعد انفصال جنوب السودان، وجد نفسه وأبناءه بلا (هوية) في بلاده، وأصبح شأن فلذات أكباده، شأن عشرات اليفع الذين أنجبتهم سودانيات متزوجات من جنوب سودانيين.
وسرد برعي، خلال فعالية حملة (أنا سوداني)، التي أقيمت الأسبوع الماضي، بمنبر (طيبة برس)، معاناته من نزع الجنسية، لكون أن أحد أجداده لأبيه اسمه (دينق)، الاسم المرتبط بقبيلة الدينكا في جنوب السودان.
ويواصل برعي في الحديث والدموع تبلل عينيه، ?جدي البطل السوداني عبد الفضيل ألماظ، أحد رموز ثورة اللواء الأبيض في العام 1924، ورغم ذلك فأنا وأسرتي بدون هوية، ونعيش على إعانات الأصدقاء، لعدم وجود عمل يوفر لأسرته العيش الكريم?.
أزمة (الهوية) كانت هي المحرك الرئيس للحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه، لكنها لم تنته حتى بعد انفصال البلدين في 2011 بموجب استفتاء شعبي أقره اتفاق سلام أبرم في 2005.
وعندما انقسم السودان ترتب على ذلك تلقائيًا سحب جنسية البلد الأم، من أولئك الذين انتسبوا للدولة الوليدة، لكن عشرات السودانيات المتزوجات من جنوب سودانيين لم يتوقعن أن ينسحب ذلك أيضًا على أطفالهن.
بشكل أو آخر، رفضت السلطات منح الجنسية لعشرات الأطفال، ما دفع ناشطات لإطلاق مبادرة لمناصرتهم تحت عنوان: (أنا سوداني).
وتجادل المبادرة في (منفستو) تأسيسها، بأن الدستور السوداني ينص صراحة على أن ?المولود من أم سودانية بالميلاد يكون مستحقًا للجنسية السودانية بالميلاد متى تقدم بطلب لذلك?.
ويوضح المنفستو، أن رفض إعطاء الجنسية السودانية، لهؤلاء الأطفال ?سيترتب عليه ضياع حقوق المواطنة، بما في ذلك التعليم، حيث سيتم التعامل معهم كأجانب يدفعون الرسوم بالعملة الصعبة?.
ويقول الناشطون الذين يقفون على رأس الحملة، إنهم يعملون على حملة لإنهاء معاناة حالات (البدون) في السودان، التي خلفها انفصال جنوب السودان في العام 2011، بنزع الجنسية من أبناء الأمهات السودانيات من آباء تعود جذورهم إلى جنوب السودان.
ويقف على رأس الحملة حقوقيون وإعلاميون ومحامون بعد أن تطاول أمد قضايا في المحاكم رفعها أبناء وبنات آباؤهم من جنوب السودان وأمهاتهم من السودان.
وبحسب رئيسة مبادرة (أنا سوداني)، إحسان عبد العزيز، ?فإن رصدًا لحالات الأبناء من أمهات سودانيات حدد نحو (300) حالة، وذلك وفقًا لمحامين?.
وأكدت إحسان، أن هذا العدد غير حقيقي، لأن الحالات أكثر بكثير منه، لكن ضحايا نزع الجنسية من أبناء وبنات من أمهات سودانيات وآباء من جنوب السودان يتحاشون اللجوء للقضاء، خوفًا من تعرضهم لمضايقات من السلطات، خاصة وأن أغلبهم يعملون في القطاع الخاص في مهن هامشية.
وتهدف الحملة لإعطاء أي شخص من أم سودانية بالميلاد وأب جنوب سوداني الجنسية بالميلاد بلا قيد أو شرط وفق القانون، وإعادة الجنسية السودانية لمن تم نزعها منه بعد انفصال الجنوب من أبناء الأمهات السودانيات بالميلاد.
كما تهدف لإنهاء حالة (البدون) في السودان التي خلفها انفصال جنوب السودان واستعادة حق المواطنة للأبناء من أمهات سودانيات بالميلاد، بما يتماشى مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
وتشير إحسان إلى أن حملة (أنا سوداني) التي تأسست في سبتمبر 2016، رفعت قضايا لأبناء وأمهات وصلت حتى المحكمة العليا ضد وزير الداخلية، حيث حكمت لصالح (البدون) بعد انفصال جنوب السودان، لكن الوزارة استأنفت الحكم.
وحسب إحسان عبد العزيز، فإن دستور العام 2005 تنص فيه المادة (7) باب (المواطنة والجنسية) في الفقرة من (1) إلى (4)، على هذا الحق.
ونص قانون الجنسية لعام 1994 المعدل 2011، في الباب الثاني المادة (4/3)، على أنه ?يكون الشخص المولود من أم سودانية بالميلاد مستحقًا للجنسية السودانية بالميلاد متى ما تقدم بطلب لذلك?.
وقال القائمون على الحملة، إنه ?بالرغم من هذه النصوص الواضحة لاكتساب هذا الحق، لكن السلطات المعنية باستخراج الرقم الوطني والجنسية السودانية تمتنع عن القيام بواجبها تجاه مئات الأطفال بولاية الخرطوم والولايات الأخرى منذ انفصال جنوب السودان قبل خمس سنوات?.
وأكدوا تلمسهم معاناة عدد كبير من الأسر التي حرم أبناؤها من الجنسية وحق المواطنة، ما ترتب عليه معاملتهم كأجانب مطالبين بدفع الرسوم الدراسية في المدارس والجامعات بالدولار، إلى جانب حرمانهم من العلاج المجاني وتعرضهم للتمييز الذي يفرزه وضع (البدون).
والعلاقة متوترة بين الخرطوم وجوبا بسبب عدم اتفاقهما بعد، على تسوية أغلب القضايا المترتبة على التقسيم، وفي صدارتها نزاعهما على (5) مناطق حدودية على الأقل، تمثل نحو (20 %) من الشريط الحدودي الذي يزيد عن ألفي كيلو متر.
ولا يزال متعثراً تنفيذ تسع اتفاقيات تعاون أبرمها البلدان في سبتمبر2012 برعاية أفريقية، لا سيما الاتفاق الأمني الذي يمنع أي منهما من دعم المتمردين على الآخر.
ووقعت هذه الاتفاقيات تحت ضغط من مجلس الأمن الدولي بعد اشتباكات عسكرية طاحنة على الحدود، لكنها لم تتكرر منذ 2012 رغم تبادل الاتهامات بخرق الاتفاق الأمني.
اليوم التالي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..