غازي صلاح الدين بين المسرحية والجدية .

لا أحد يشك في أن الإنقاذ تدير عملها وحياتها عبر ربع قرن من الزمان بسياسة النعامة ، والتي تدفن رأسها في الرمال لكي تتفادى العدو ، ولكن بعد ذلك استحدثت ما هو جديد في علم السياسة السودانية ، وفي علم سياسة القهر والذل ، فاتخذت منهج المسرحيات ، وما يسمى باللعب على الذقون ، فها هو منهجها ، وهذه هي طريقتها لإدارة معظم ما الم بها من محن ومشاكل ، وما الم بالبلد من كوارث وفظائع متجددة ومتعددة .

مسلسل المسرحيات الحديث تغير في الفترة الأخيرة فهو متغير ومتجدد على حسب طبيعة الحال والمآل ، فبدلا من المذكرات المحاكة والمعدة ممن يسمون أنفسهم صادقي الحركة الإسلامية ، وليس منتفعيها ، وبين من يسمون أنفسهم بذلك ويسمون غيرهم بالسداحين المداحين ، عبيد السلطة ، بدؤوا يعدون المذكرة تلو الأخرى ، ويا لغريب الأمر ، فمؤتمر الشورى يفرد لذلك أجهزة الإعلام المتعددة والمتجددة ، من مرئية ومسموعة ومقروءة . ورغم أن هنالك مذكرات شديدة اللهجة في وقتها ، إلا أن أعضاءها ما زالوا يتنسمون عبير الإنقاذ ومؤتمرها الوطني ، ولم نرى منه سوى هدر الوقت . وشغل الناس فيما لا ينفع .

تحركت المسرحيات من المربع الأول الى المربع الذي يليه ، لتقول لنا بأن المسالة أصبحت إنشقاق وليس مذكرة فقط ، وليقوم المؤتمر الوطني بشطب عضوية من قدموا مذكرة الإصلاح الأخيرة ، وكان اعتراضهم على التوقيت وليس على مضمون المذكرة ، ويا لغرابة الأمر اعترض المؤتمر الوطني على توقيت المذكرة ، في حين أن المذكرة كان مضمونها ، رفض قرارات تمت صياغتها من قبل حكومة المؤتمر الوطني ، فمتى تريد الحكومة من أصحاب المذكرة أن يقدموا اعتراضهم ، وأن يقدموا مذكرتهم ، هل مطالبون بتقديمها قبل صياغة القرار ، أم تقديمها بعد عام من القرار الذي يعترضون عليه؟

تم تقديم المذكرة ورغم أن معظم المحللين السياسيين ، يعتبرونها مجرد ألعوبة من المؤتمر الوطني ، وربما تكون حكومة ثانية للمؤتمر الوطني إذا ما نجحت الاحتجاجات الأخيرة ، ليتم تقديمها بعد زوال حكومة المؤتمر الوطني وربما أبعدت عن حكومة المؤتمر الوطني شبح المساءلة والمطاردة ، إن لم تأت ببعض كوادر الحكومة السابقة . ويكون بذلك حكم الوجه الثاني من العملة .

لكن ومهما يكن نوع الحزب الذي يعلن في هذه الفترة ، ومهما يكن منبعه ومقصده ، ومهما كانت دوافعه وأهدافه ، في ظل الإحباط السياسي ، الذي يعيشه الشارع السوداني من قهر وظلم وفقر وتراجع في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية جراء سياسات الحكومة ، غير المدروسة ، وغير الموفقة ، وفي ظل تخبطها ، وتخبط وزرائها ، أمثال وزير المالية الذي يمرر قرار رفع الدعم عبر مجلس الوزراء ، ويطالب البرلمان تمرير قرار زيادة المرتبات عبر المجلس الوطني ، وفي ظل خيبة أمل الشارع السوداني من معارضي حكومة المؤتمر الوطني ، وعدم قدرة هذه المعارضة من فعل أي شيء ، أو أي أمل يلوح في الأفق القريب ، أو البعيد ، وما أحداث سبتمبر التي قدم فيها الشعب السوداني ، وجاد بنفسه رخيصة فداء للوطن .

في ظل هذه الظروف رحب المؤتمر الشعبي بقيادة زعيم الحركة الإسلامية في السودان ، ومهندس انقلاب 1989م الذي جاء بالبشير إلى الحكم ، وخروج الدكتور بعد المفاصلة في 1999م ، والتي يرى قليل من المحللين بأنها ، إحدى مسرحيات الإنقاذ الأولى ، رحب المؤتمر الشعبي بحزب الدكتور غازي العتباني ومجموعته ، واسماهم بالعائدين من صفوف المؤتمر الوطني ، وأكد بأنه مستعد للجلوس والتفاوض والتحاور والتعاون معهم ، وهذين المجموعتين ، مجموعة المؤتمر الشعبي ، ومجموعة الدكتور غازي العتباني الجديدة ، تمثل عمقا استراتيجيا لحزب المؤتمر الوطني ، وهما الأكثر خبرة ودراية بكل ما يدور في دهاليز وكواليس هذا الحزب .

في ظل هذا الوضع ، لمَ لا تستخدم بقية القوى المعارضة الدهاء والذكاء السياسي ، وتستفيد من هذه المجموعات ، والتي انضم إليها حديثا ، السيد الصادق المهدي ، وأكد بأنه على استعداد ، للجلوس والتفاوض مع هذه المجموعة الجديدة ، بعد أن أكد قبلها استعداده للسفر لمقابلة مسئولي الجبهة الثورية في الخارج ، لمَ لا تستغل القوى المعارضة ، هذه الفرصة التي قدمها لها فرعون المؤتمر الوطني ، وذلك باعتبار أن كل ما يدور الآن ما هو سوى لعبة أو مسرحية سياسية من قبل المؤتمر الوطني ، ولكنها مهما تكن ، فهي فرصة لتوحيد المعارضة السياسية ،ولو على بعض الأطر المتشابهة ، وجمع كلمة المعارضة ، ولو على إسقاط النظام ، رغم اختلاف آليات إسقاط النظام ، لمَ تفوت المعارضة على نفسها ما قدم إليها في طبق من ذهب ، وهو بمثابة القوة الإضافية التي يكتسبها لاعب الألعاب في طريقه إلى هدفه ، وحتى ولو رفض حزب غازي العتباني المعارضة فان مجرد ، إعلان استعداد المعارضة لوضع يدها على يد الدكتور غازي العتباني ، فان ذلك يشكل هما ، ويزلزل الأرض من تحت أقدام المؤتمر الوطني ، ويجعله أكثر تجاوبا مع مطالب الشعب ، بإنشاء حكومة انتقالية ، وصياغة دستور جديد ، وقيام الانتخابات في أقرب فرصة ممكنة ، فجرح البلد ينزف كل يوم ، ولا أمل لشفائه غير ذلك .

فتح الرحمن عبد الباقي

31 أكتوبر 2013

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يا أخ عبد الباقي أنا أعرف الذي تنطلق منه ولكن من الأفضل أن يكون الناس علي درجة من الواقعية والمصداقية الناس سئمت الإسلاميين بصراحة لأن لا مصداقية لهم ..أنظر لبيان “المثقفين السودانيين” حتي تيجاني عبد القادر الذي هاجر في بداية الأنقاذ لا يريد أن يطلب من الطيب أن “يخاف الله” ويدخل مبدأ المحاسبة في البيان ، يا اخوان الله بيسألكم من إخفاء قول ألحق يا أخونا أنسو حكاية “اخوانا” في وقولوا اللي الله يسألكم منه يوم القيامة الحكومة دي مجرمة أم لا؟ لماذا خلا بيان غازي وبيان ناس الطيب من مبدأ المحاسبة لجرائم دارفور؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ والله ياخي لو كانت هذه الحكومة لغير الأسلاميين وكل ده حصل لأستدعوكم كلكم من السعودية وكل ارجاء المعمورة كي تتدربوا وتعلنوا الجهاد ضد “الحكم العلماني” الآن أكون جاوبت علي سؤالك “لماذا لا تستفيد المعارضة من المنسلخين ببساطة لأن الأسلاميين قد فشلوا (بكل فئاتهم” ومحاولة تكرار الوجوه من غير برنامج واضح سوف يتكرر نفس الشيء ومن وجهة نظري الاخوان “وانا كنت منهم إلي بداية الأنقاذ” الأسلاميين حقوا يطلعوا خالص من اللعبة دي لأنهم فشلوا فشل ذريع وإذا حكموا تاني سوف يساهموا في كراهية الناس للدين والعياذ بالله .. طلعت من الكيزان بدري قبل الغرق

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..