
طاهر عمر
من الملاحظات المهمة جدا في فكر توكفيل أن مسألة العقد الاجتماعي وفكرة المصلحة العامة تكمن في داخلها عكسية العلاقة ما بين الفرد والمجتمع عندما أدرك الارستقراطيين والبرجوازية بأن عقدا اجتماعيا ينبغي أن يكون كان الهدف إعادة بناء هياكل المجتمع والمصلحة العامة ولكن الهدف البعيد لذلك هو الفرد كغاية لأن الفرد له غاية الغايات وقيمة القيم وهي الحرية وبالتالي قد أصبحت معادلة الحرية والعدالة هي هيكل متين لبناء مجتمع بعيدا عن هشاشة التركيبات الاجتماعية.
مثلا كان البرجوازية والارستقراطيين عندما يتحدثون عن المساواة يتحدثون عنها كقيمة تخص طبقتهم لوحدهم ولا علاقة لها ببقية الشعب . ولهذا السبب كانت أضلاع مثلث شعار الثورة الفرنسية الحرية والمساواة والأخاء قد وضح كيف كانت كلمة المساواة مخصوصة لطبقات العليا في المجتمع ولذلك عندما ظهرت فكرة الأخاء كضلع في شعار الثورة الفرنسية كان أيضا يعني فكرة المساواة للطبقات الشعبية مع النبلاء والأغنياء مما فرض على المشرعيين اعطاء تشريعات جديدة تلحق الثورات الكبرى كالثورة الفرنسية وهذا ما ظللنا نردده بأن ثورة ديسمبر تحتاج لتشريعات جديدة بعقل جديد وفكر جديد لا نجد ملامحه عند القانونيين السودانيين كعبدة نصوص وأضعف حلقة في حلقات النخب السودانية الفاشلة.
قد نبهنا الى أن القانونيين السودانيين اذا لم يجبروا على تغيير فهمهم القديم سيكونون سبب لتنفيس ثورة ديسمبر وقتلة روحها جميلة وقد كان. من الملاحظات التي لاحظها توكفيل أن البرجوازية والارستقراطيين وبسبب الثورة الصناعية وقيمها الجديدة قد وجدوا أنفسهم مجبريين لخلق تشريعات جديد تفك حلقة المساواة والعدالة كمخصوصصين بها دون غيرهم من بقية الطبقات الفقيرة وتوسعت الحلقة لتشمل الطبقات الفقيرة لكي تكون مسألة المسؤولية الاجتماعية تشمل حتى الطبقات الفقيرة وكانت التشريعات الجديدة قد أسست لفكرة المساواة بين أفراد المجتمع لأن الفرد هو الغاية من ظاهرة المجتمع وللفرد ما يشغل ضميره كجزء من المجتمع وهي مسألة الحرية والعدالة وبالتالي بمجرد أن يزيح همه فيما يتعلق بالمساواة مع الآخرين لم يتبقى له غير سعيه لتحقيقه سعادته الفردية وهو مطمئن بأن المسؤولية الاجتماعية من خلفه تشد من أزره وهي قد تطورت الى أن وصلت لفكرة الضمان الاجتماعي.
نضرب مثلا لما نقول فشل النخب السودانية وتأخرها لفهم مقاصد الفلاسفة وعلماء الاجتماع جعلهم يبددون زمنهم في فكر الهويات القاتلة وكانت النتيجة أحزاب الطائفية والسلفيين وأتباع الحركات الاسلامية وقد قضت على كل فكر ينشد الحريات وليس الهويات وهذه واحدة من عناد النخب السودانية بأن تهتم بهوية الفرد وعلاقته بالدولة بدلا من مدارسهم الخايبة عن هويات تتمركز حول العرق والدين كما رأينا مدارسهم في الهويات القاتلة وهي الغابة والصحراء والعودة الى سنار وغيرها من خيبات النخب السودانية في وقت كان يجب الاهتمام بهوية الفرد وعلاقته بالدولة وهي الهوية الفردية حيث تتجاوب مع فكرة النشؤ والارتقاء وفيها قد تجاوزت البشرية كل فكر يقوم على العرق والدين.
لهذا السبب إزدهار الطرق الصوفية ومبادراتهم وظهور الادارة الاهلية من كل شاكلة ولون لأن الفكر قد غاب عن حقول النخب السودانية ولم تستوعب النخب السودانية كيفية تمرحل المجتمع كما رأينا كيف أفرزت الثورة الصناعية قيم جديد قد أجبرت النخب في الغرب على تطوير التشريعات التي تساوي ما بين الطبقات الفقيرة والنبلا والارستقراطيين. مثلا توكفيل نجده كان يختلف عن تحليل ماركس بأن الرأسمالية بفكرها تحفر قبرها بيدها لأن ماركس ركّز على الجانب المادي ولكن توكفيل نجده قد ركز على فكرة أن الانسان بطبعه أخلاقي وعقلاني وبالتالي نجد أن نبؤة ماركس قد طاشت سهامها عندما استمرت الليبرالية كفكر يأبد تاريخ الانسان التاريخي والانسانية التاريخية. ما أريد قوله هل تستطيع النخب السودانية المتمركزة في أحزاب اللجؤ الى الغيب من أتباع للمرشد ومولانا والاستاذ أن تغير مسيرة فكرها؟ كما غيرت النخب في الغرب وقد وسعت فكرة المساواة لتشمل الطبقات الفقيرة وتضع جنبا لجنب مع النبلاء والاستقراطيين وقد شرّعت لفكرة المساواة ومسألة المسؤولية الاجتماعية وهذا يحتاج من النخب السودانية أن تغيّر منظومة قيمها القديمة وأغلبها سليلة وحل الفكر الديني كما رأينا أحزاب الطائفية وهذا يحتاج لجهد جبار في كيفية التخلص من أصنامها الذهمية وهم الامام ومولانا والمرشد والاستاذ وطرح فكر جديد ينتصر للفرد والعقل والحرية.
عن كيف تتخلص النخب السودانية من أصنامها الذهنية ووحل فكرها الديني نضرب مثل بفكر توكفيل وهو ينتقد الكاثوليك في في فرنسا عندما ظنوا بأنم عبر الكاثولوكية يمكنهم تحقيق الديمقراطية كما يتوهم أتباع الامام ومولانا والكيزان بأن أحزابهم الدينية يمكنه ان تنتج نظام ديمقراطي وهيهات. توكفيل كان متأكد بأن مسألة تحول الكاثولكية في فرنسا الى نظام ديمقراطي مستحيل ولهذا كان معجب بالديمقراطية الامريكية وكيفية تحقيق أهم هدف وهو المساواة بين أفراد المجتمع أي بين النبلاء والفقراء وبالتالي أنصرف الفرد بعدها لمصالحه الفردية وهذا حالنا اليوم بعد ما يقارب القرنيين حيث تظن النخب الفاشلة التي تشبه الكاثولكية في زمن توكفيل وهي تظن بأن فكرها الديني يمكن ينتج ديمقراطية وهيهات.
وعليه نقول للنخب السودانية مسألة انتاج نظم ديمقراطية تحتاج لتغيير منظومة قيمكم القديمة وتقديم فكر بحيث يصبح أحدكم أمام نفسه غريب الوجه واليد واللسان وهذا ما ينتظر الشعب السوداني كافة إذا أراد أن يحقق مسألة التحول الاجتماعي وبالتالي تحول ديمقراطي فلا يمكن أن يكون هناك تحول اجتماعي بفكر أتباع المرشد ومولانا والأستاذ ونحن نعرف النخب السودانية عنيدة ولا تريد أن تغير منظمومة قيمها القديمة وها هو مركبه قد ضرب القيف فهل من مزيد من عنادهم الذي ينتجه غباءهم المزمن وفشلهم الموروث منذ زمن أتباع مؤتمر الخريجيين قد جاء زمن مفارقة النخب السودانية لعقل الخلوة اذا أرادوا تغيير وتحول اجتماعي يقود لتحول ديمقراطي.
وعلى النخب أن تدرك أن التحول الاجتماعي والتحول الديمقراطي لا يكون بغير تغيير منظومة القيم القديمة وبالتالي كل المعادلات السلوكية للفرد في علاقته بالدولة وبالتالي لا يكون هناك تحول ديمقراطي بواسطة نخب أسيرة سيطرة سلطة الأب وميراث التسلط وعلى النخب أن تدرك مسألة التحول من القيم القديمة الى قيم جديدة مسألة صعبة جدا ليس لأمثالهم من الفشلة أتباع المرشد والامام ومولانا بل صعبة على نخب تدرك أن ظاهرة المجتمع ظاهر تجعلنا نرى الأشياء معكوسة مثلا أن ظاهرة المجتمع لغير النابه ينظر إليها كغاية في حد ذاتها إلا أنها هي وسيلة غايتها الفرد وبالتالي عندما يكون الفرد غاية لك أن تتخيل كيف يتحول المجتمع التقليدي كحال السودان عندما يبدأ أن يسلك باتجاه احترام الفرد وحريته وكيف تحترم المرأة وكيف تتمتع بحقوقها كاملة وكيف تنتهي العنصرية مثلا في زمن توكفيل رغم إعجابه بالديمقراطية الامريكية إلا أنها كانت موبؤة بالعنصرية والرق وظلم المرأة ولكن توكفيل كان يرى بأن الديمقراطية مفتوحة على موعد مع التارخ وموعد مع الحضارات لأن الانسان عقلاني وأخلاقي.
على النخب السودانية أن تدرك أن مسألة التحول الاجتماعي والتحول الديمقراطي يحتاج لترك القيم القديمة ومعرفة القيم الجديدة وكيفية بداية طريقها ولا يكون بغير تقديس الفرد والعقل والحرية وحينها سنجد نفسنا قد هيأنا هيكل لمجتمع حديث تختفي فيه الجهوية والقبيلة والدين وتصبح مسألة الحداثة والدخول لعالمها مسألة وقت وخاصة أن الشعب السوداني قد أكد أن له موعد مع الحضارة وموعد مع التاريخ بفضل ثورة ديسمبر المجيدة.