تجارة العملات الأجنبية

يتوسم سماسرة العملات الأجنبية المنتشرين وقوفاً على الطرقات خيراً في وجه كل شخص تفوده قدماه إلى منطقة السوق العربي وما حولها خاصة إذا كان حسن المظهر أو يحمل حقيبة يد أو يقود عربته بحثاً عن موقف مريح، ولذلك تجدهم يعرضون عليه رغبتهم في الشراء ويفاصلونه في السعر (على عينك يا تاجر). وفي ما مضي من زمان كانت عملية الشراء والبيع تتم على استحياء ويتم التقرب للمرء بنداء هامس وخجول (دولار.. ريال .. شيك سياحي) خوفاً من عواقب الملاحقة والمصادرة. أما في الآونة الأخيرة فقد جلّد كل صبي متاجر في العملة وجهه وبدأ يجاهر بالنداء أو يستخدم أصابع يده أمامك كمن يفرز مالاً دون أن يفصح حتى صارت لغة الإشارة مفهومة للبائع. ولما كانت السمسرة في عمليات استبدال العملة تدر دخلاً لا بأس به ولا تحتاج لمؤهلات سوى القدرة على الوقوف لفترات فقد امتهنها أناس كثر لو تأملنا قليلاً لأدركنا أن هنالك رابطاً بينهم من حيث السحن والهندام وأسلوب التخاطب. وما أن يعثر الواحد منهم على صيده الثمين حتى يقوده لأقرب تاجر يتعامل معه حيث يحضر له المبلغ المتفق عليه إذا كان كبيراً أما في المعاملات الصغيرة فيتم حسمها ميدانياً وفي لحظات أمام المارة.

لقد ازدهرت هذه التجارة لأن الفارق كبيراً بين السعر الرسمي والسعر الموازي كما يسمونه، ولأن حاجة المستوردين والمسافرين وغيرهم للعملة الأجنبية لا تلبى بواسطة الصرافات والبنوك رغم ما يقال عن عمليات الضخ من وقت لآخر وهو ضخ يتساءل المرء عن مآلاته لأن أصدق الصرافات تقول لك في أحسن الفروض أن ما تسلمته من بنك السودان قد نفذ مما يدعو للشك في أنه يتسرب سريعاً ليقع في قبضة تجار العملة. لقد مرت تجربة البيع بواسطة الصرفات بضوابط طالت حتى المسافرين فلا يتسلمون مبلغ العملة الأجنبية الضئيل الذي لا يغطي تكلفة الإعاشة الخارجية ناهيك عن تكلفة العلاج لمن يود ذلك، إلا بعد دخولهم صالة المغادرين بالمطار ولكن حتى هذا الإجراء على علاته لا يتوفر الآن مما يجعل المسافر يلجأ للسوق الموازي لشراء ما يكفيه مهما ارتفع السعر. وكنتيجة لإزدياد حركة السفر والعلاج بالخارج وتجارة الشنظة واستيراد الضروريات والكماليات البذخية وخلافها صارت الحاجة للعملات الأجنبية ملحة.

لقد مرت تجارة استبدال العملات الأجنبية بتقلبات عديدة فتارة تعتبر المتاجرة خارج إطار البنوك جريمة يعاقب عليها القانون لدرجة الإعدام وتارة نجد الصرافات المرخصة تنتشر في أسواق المدن وتعمل وفق تنسيق سعري يتحدد يومياً فنحسب أنها تقوم فيما بعد بتوريد حصيلتها لبنك السودان مقابل أتعاب معقولة ولكن لا يستمر هذا الحال فيتم إغلاق هذه الصرافات دون كابح للممارسة التي تظل قائمة عبر وسطاء لتجار يعملون في الخفاء، وهكذا ليس هناك ما يلزم هولاء التجار بتوريد حصيلة يومهم للبنك فتجدهم يقومون ببيعها لذوي الحاجة باسعار يتحكمون فيها وفق أطماع ربحية تتفاوت يومياً حسب معاييرالعرض والطلب. وقد وضع في فترة سابقة حافزاً تشجيعياً قرره بنك السودان لمن يبيع للصرافات المرخصة لكن صفحته انطوت سريعاً أمام الحافز الآخرالخفي الذي يعرضه تجار العملة السائبين.

إن معالم الصورة الحالية تدل على أننا نعيش حالة استسلام ورضوخ تامين لتصاعد أسعار العملات الأجنبية إزاء الجنيه إذ لا نرى خطوة جادة وناجعة لعلاج هذه العلة التي تسرطنت في جسد الإقتصاد وتغلغلت آثارها في مدخلات الانتاج والدواء والكساء والمأكل والمشرب. ولا يمكن أن نكافح هذا الأستشراء بعمليات الضخ من وقت لآخر لأن غولاً خفياً يلتهمها. فإذا توقف بنك السودان من عمليات الضخ وخصص ما يضخه لإستيراد الدواء مثلاً سيحد من الطلب على الدولار الموازي وبالتالي سينخفض سعره وينعكس على المعاملات الأخرى فضلا عن انخفاض سعر الدواء. هذا الرأي يصدر من (عنقالي) لا يلم بأبجديات الإقتصاد فهل يمكن تدارسه وبلورته؟

صلاح يوسف
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. تصور ياأستاذ صلاح يوسف إثيوبا تمنع السوق السودة وإن وجدت فالفرق بسيط جداً بين سعر البنك الرسمي وسعر السوق السودة بحيث يقامر الكثيرين باللجوء لها ولذلك كل المستثمرين الأجانب والسواح يغيرون عملاتهم من البنوك وبالسعر الرسمي ويتجنبون مخاطر السوق السودة وعقوبتها الرادعة بالمصادرة والسجن ؟؟؟ وتمنع إثيوبيا فتح البنوك الأجنبية وتشجع بنوكها الوطنية والتي تجمع عملات صعبة مهولة لتضخها في المشاريع الإنتاجية ونما إثيوبيا والتي تنموا بنسبة 12.5% والسوسودان يتدحرج بنسبة ناقص -3.5% فيا غباء وعدم وطنية إقتصاديي إثيوبيا ويا ذكاء ووطنية إقتصاديي سوداننا الحبيب وكذلك مفكرينا الأفاضل الذين أتو لنا بفكرة جواز إمامة المرأة للمصلين فشكراً لهم ؟؟؟

  2. أخي صلاح
    يبدو أن غيابنا عن السودان
    عدة عقود بين مناحي المهاجر
    قد قطع صلتنا بفهم وإستيعاب
    بعض مصطلحات اللهجة العامية
    مثل العنقالي وتكسير التلج وبعض
    المفردات الآخرى !!؟…..
    أرجو شاكراً أن تنورونا

  3. إن معالم الصورة الحالية تدل على أننا نعيش حالة استسلام ورضوخ تامين لتصاعد أسعار العملات الأجنبية إزاء الجنيه إذ لا نرى خطوة جادة وناجعة لعلاج هذه العلة التي تسرطنت في جسد الإقتصاد وتغلغلت آثارها في مدخلات الانتاج والدواء والكساء والمأكل والمشرب. ولا يمكن أن نكافح هذا الأستشراء بعمليات الضخ من وقت لآخر لأن غولاً خفياً يلتهمها. فإذا توقف بنك السودان من عمليات الضخ وخصص ما يضخه لإستيراد الدواء مثلاً سيحد من الطلب على الدولار الموازي وبالتالي سينخفض سعره وينعكس على المعاملات الأخرى فضلا عن انخفاض سعر الدواء. هذا الرأي يصدر من (عنقالي) لا يلم بأبجديات الإقتصاد فهل يمكن تدارسه وبلورته؟

    إليس ربما يكون كل الذي يحدث للإقتصاد السوداني وتدني الجنيه السوداني أيادي خفية وتتبع للنظام الحاكم *** أبحثوا عن الديك فستجدون الخروف والجمل .

    لقد ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي *** ولا النار التي أضرمتها أضاءت لكن تنفخ في الرمادِ

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..