جمهوريات الموز السودانية

2011-02-07
صالح الشفيع النيل
[email protected]
جمهوريات الموز السودانية
تحدث المسؤولون السودانيون عن ما يسمى بالجمهورية الثانية التى تبدأ عملها عقب انتهاء اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب في يوليو 2011… و يمكننا أن نستنتج من ذلك أن الفترة من يونيو 1989 وحتى يوليو 2011 تمثل الجمهورية الأولى ( 21 ) عاماً بينما تمثل الفترة القادمة غير محددة المدة أو المعالم ? الجمهورية الثانية….. التى ستكون أبرز محارورها تطبيق الشريعة الأسلامية كما قالوا….وقبل أن نسترسل في الحديث حول هذا الأمر نأمل أن ننقل بعض المعانى والتعريفات المتصلة بكلمة ( الجمهورية ) لنرى ما هو الأتساق بين ترديد الكلمة عشوائياً وبين المدلولات التى تحملها فعلياً…. وبعيداً عن علماء الفقه الدستورى وببساطة شديدة نرصد التعريفات التالية لمصطلح الجمهورية:
? يوجد تعريف قديم للجمهورية اخترعه الأغريق والرومان ويعنى حكم المؤسسات المختلطة من العناصر الأرستقراطية والملوكية والديمقراطية. وقد ساد هذا النمط في أوربا حتى عهد النهضة.
? تعنى نوعاً من النظام السياسى الذى لا يكون فيه الرئيس ملكاً.
? تعنى شعباً يرأسه رئيس منتخب بواسطة الشعب لفترة معينة.
? تعنى دولة أو بلد يقودها أناس لا يفرضون قوتهم السياسية على أى مجموعة من سكان تلك الدولة رغم ارادتهم .
? تعنى نظام يعتمد على الكلية الأنتخابية التى لا يصوت فيها الجمهور مباشرة وانما عبر ممثلين.
? تعنى الحكومة التمثيلية.
ومهما يكن من أمر فان أشهر الجمهوريات هى الجمهورية الفرنسية الخامسة التى يدأت منذ عام 1958 والمستمرة حتى الآن حيث استبدلت النظام البرلمانى بنظام شبه رئاسى. ولكن ماهى أهمية تعريف المصطلح بشكل تنظيرى بحت دون تنزيله على أرض الواقع؟؟ ماذا يستفيد الشعب من النظام الجمهورى الذى لا يطبق القوانين بشكل عادل؟؟ لابد لنا أن نقرر أن الكلمة نفسها لا تعنى شيئاً وانما ينبغى أن ينظر فيما وراءها من تطبيقات تفيد البلاد والعباد…وهذا قطعاً السبب الذى جعل بعض الدساتير تتقدم وتتراكم ايجابياتها عبر الدهور بحيث أن تعبير مثل تعبير ( الجمهورية الفرنسية ) يعنى لدى المتلقى بسط الحرية والديمقراطية والحفاظ على حقوق الأنسان. وكذلك فان تعبيرجمهوريات الموز في أمريكا الوسطى يعطى انطباعاَ ساخراً بسيادة الفوضى والأنقلابات العسكرية وتجارة المخدرات ..مع سطوع أمثلة عديدة أبرزها اندلاع الحرب بين دولتين من هذه الدول بسبب مباراة فى كرة القدم أو ربما أن عملية القبض المهين على الجنرال نورييغا هى الأسطع..
وفى عالمنا الأفريقى لدينا أمثلة عديدة للجمهوريات التى لا تنطبق عليها أبجديات مبادىء النظام الجمهورى…..فاذا تركنا رئيس الجمهورية الجنرال عيدى أمين والجنرال مبوتوسيسي سيكو جانباً، ظهر لنا فوراً الجنرال أدريس ديبى والجنرال يورى موسوفينى والجنرال محمد سياد برى الخ ….فيما أجتهد بعض الرؤساء للبقاء في السلطة بالرغم من أن صناديق الأنتخابات قالت غير ذلك… وبناءاً عليه سحلوا شعوبهم التى اعتبروها ناكرة للجميل ……والقائمة تطول وتطول…
أما في عالمنا العربى فحدث ولا حرج…. فلدينا رؤساء للجمهورية قابعون فى أركانهم منذ عقود ، ومكننكشون في السلطة كنكشة الطائر الجارح على رقبة فريسته…. واذا كان جوهر وروح الجمهورية يستلزم ضرورة التمثيل والمشاركة والتراضى وقبول الآخر، فان بعض رؤساء الجمهورية وبطاناتهم لا يفهمون من هذا المصطلح الا أنه تعظيم لشأنهم وتقديس لهم فوق شعوبهم المقهورة ….بل أن المدهش في الأزمة المصرية الحالية الذى نورده كمثال ، أن بعض المصريين يبكون على السيد الرئيس الذى جلس على سدة الحكم ثلاثين عاماً حسوما وبعد ذلك يريد أن يهب هذا الحق الألهى لحبيبه وأبنه ……ولكن لا الكنكشة دامت ولا صدق التوريث ….. والحبل على الجرار بظهور أجيال جديدة مسلحة بالمعرفة والشجاعة كعنصر لم يضع له هؤلاء الناس حساباً…..ويستهدى هؤلاء الشباب بفلسفة من يقول أنه ليس بالضرورة أن يعيش سعيداً ولكن طالما أنه يعيش فلا بد أن يعيش بكرامة. وبهذا تجاوز هؤلاء الشباب المدلولات النظرية لتلك الجمهوريات الوهمية التى لا تسمن ولا تغنى من جوع..
في السودان الذى يدور في نفس فلك هذه الدائرة الخبيثة ، تشاكس السياسيون حول مدلول الجمهورية الثانية التى نسبها المؤتمر الوطنى لنفسه…فالرئيس البشير قال أن الجمهورية الثانية في شمال السودان بعد انفصال الجنوب ، ستحكم بالشريعة الأسلامية داعياً القوى السياسية الأخرى الأنضمام اليها ، في وقت اعتبرت فيه الحركة الشعبية أن الجمهورية الأولى بقيادة المؤتمر الوطنى كانت فاشلة بشن الحروب على دارفور وشرق البلاد وانتهت بانفصال الجنوب. ودعت الى أن تتبنى الجمهورية الثانية الديمقراطية والعدالة الأجتماعية واعادة هيكلة الدولة وعدم الجنوح الى مزالق تؤدى الى فصل مناطق أخرى من السودان……وأنا حقيقة لا أدرى سبب هذه التسميات التى تذكرنى بالمرحوم الدكتور جعفر محمد على بخيت…..واذا جاز لنا السؤال في هذا المقام ، فما هو ترتيب جمهورية الرئيس جعفر نميرى التى كانت أول رئاسة جمهورية خلعها الرئيس على نفسه في السودان بعد انتصاره على الشيوعيين عام 1971…..ولاّ دى ما معانا..
وأختم وأقول أن عصر المعلوماتية المتشابك المصالح المعقد أدوات الفعل والتعبير…..هذا العصر البراجماتى المتطور بسرعة الصاروخ … هذا العصرلا يؤمن الا بسرعة الأنجاز الملموس على أرض الواقع…….في الحرية…..في الديموقراطية….في سيادة القانون…..في التنمية المتوازنة…في احترام حقوق الأنسان…..أما غير ذلك فسيذهب مع توسناميات التغيير التى يبدو أن البعض لا يرى حتى الآن تراكمها الأسود على الأفق…