كتاب فرنسي يحذّر من تغيير البيئة الثقافية لمنطقة جنوب الصحراء

العرب
سيمنال: بيع المخطوطات العتيقة ليس وليد اليوم، ولكنه تفاقم وأخذ حجما كبيرا عقب الأزمة التي تعرفها مالي
الدار البيضاء (المغرب) – عن منشورات ?لا كروازي دي شومان?، صدر كتاب بعنوان ?لا تأكل هذا الكتاب: مالي، موريتانيا، المغرب? رهانات المخطوطات بالصحراء?، لعالم الإثنيات رومان سيمنال. وهو كتاب يثير مسألة توافد فاعلين جدد، في نهاية التسعينات من القرن الماضي، وهم دعاة باكستانيون أو مؤسسات من الخليج، الشيء الذي أحدث اختلالا للتوازن الاجتماعي الهش في الجهة الجنوبية للصحراء، حسبما أشار إليه المؤلف.
كتاب ?لا تأكل هذا الكتاب: مالي، موريتانيا، المغرب? رهانات المخطوطات بالصحراء?، لرومان سيمنال يؤكد أن وجود وافدين يتسبب أيضا في استنزاف حقيقي للمخطوطات، استنزاف من الممكن أن يبدو محاولة لمحو الموروث التاريخي وطمس أي أثر للحضارة الصحراوية التي كانت في عهد مضى حضارة راقية، بل أكثر من ذلك.
قربان أيديولوجي
يضيف رومان سيمنال، أن هؤلاء الوافدين المتشددين الجدد، يقدمون القربان الأيديولوجي اللازم لظهور مجموعات متطرفة، مشيرا إلى أن التدخل العسكري ضد هذه المجموعات المسلحة لا يمكن أن يكون، في أفضل الأحوال، إلا علاجا لأعراض، لكن ليس حلا لأزمة أكثر تهديدا، يرسخها ويكرسها مصير المخطوطات بالصحراء.
هذه المخطوطات التي تشكل نتاجا لثقافة عريقة في القدم حول نقل وتداول العلوم، وانتشار العقيدة الإسلامية. إنها أيضا مناسبة للتذكير بالتاريخ المتقلب لجهة كانت تعرف هدوءا واستقرارا نسبيا فيما مضى، تاريخ الصحراء المالية التي شهد تراثها الثقافي المتجذر في عادات وتقاليد القبائل الصحراوية، منذ بداية التسعينات، صدمات مرتدة للأخبار الراهنة عن الحرب، خاصة بتمبكتو التي تشكل مركزا لتجميع المخطوطات العتيقة، والتي كانت لها دوما علاقة وطيدة بالمغرب.
بالإضافة إلى الخطر الذي يتهدد تلك الكتب المخطوطة حين تقع بين أيدي متطرفين دينيين، الذين هم أعداء لدودون للكتابات الصوفية التي يرونها متسامحة ومتساهلة أكثر من اللزوم، فهناك كنوز من المخطوطات حملها اللاجئون ضمن أمتعتهم، وحلولهم بالحدود الموريتانية دون أي مورد ودون ملجأ، يجعلهم مضطرين للتخلي عنها وبيعها لمن يقدم أكثر، فقط من أجل توفير قوتهم.
إن بيع المخطوطات العتيقة ليس وليد اليوم، ولكنه تفاقم وأخذ حجما كبيرا عقب الأزمة التي تعرفها مالي، حيث احتدّت المطاردة التي كانت موجودة في السابق، إذ كان يتم استغلال تلك المخطوطات لتموين الخزانات لهواة المجموعات أو ينتهي بها الأمر بقاعات المزاد العلني الدولية.
فكم من المؤلفات المخطوطة القيِّمة اختفت لتظهر من جديد بجنيف، لندن أو بالولايات المتحدة الأمريكية. لطلك يتوجب البحث وإيجاد حلول أكثر ملاءمة للحد من ظاهرة المطاردة تلك. في خزائن المخطوطات تلك، والتي غالبا ما نجدها خزانات تنتمي إلى عائلات أو زوايا، نجد مصاحف بزخارف ترجع لعدة قرون، محفوظة بشكل جيد بفضل مساحيق نباتية تستعمل ضد الحشرات آكلة الورق، كما نجد أيضا أبحاثا واجتهادات فقهية في الشرع، التأويل والتفسير، وكتب النحو، والشعر، والتاريخ، وعلم الفلك، إلخ.
متاهات جدلية
حسب المؤلف الذي عايش عن قرب، بالصحراء المغربية على الخصوص، بعض المحافظين القائمين على تلك الخزانات العائلية والحريصين على الحفاظ على هذا الموروث، فإنه تجدر مساعدة ومؤازرة العائلات التي تمتلك تلك الكنوز للحفاظ عليها، و ترميمها، وإعادة تسفيرها ونقلها.
تجدر الإشارة إلى أن لقاء عقد العام الماضي في الدار البيضاء نظمه المعهد الفرنسي بالتعاون مع دار النشر ?لا كروازي دي شومان? تحت عنوان ?ملتقى الطرق? بحضور مجموعة من الشخصيات التي تنتمي إلى عالم الأدب، والفن والثقافة، لتقديم مجموعة ?مملكة الأفكار? التي يشرف عليها إدريس ك. جعيدان ذو التكوين الأكاديمي في الفلسفة والعلوم السياسية، ومؤلف روايات وكاتب مقالات.
يتعلق الأمر بمجموعة جديدة من حوار الأفكار التي تتجسد كبطاقة بيضاء لمؤلفين يتناولون مواضيع تشغل عقلهم وقلبهم بشكل خاص. وقد نُشرت مسبقا في إطار هذه المجموعة ثلاثة مؤلفات، ويتعلق الأمر بـ?كلام مفتوح? لإدريس ك. جعيدان، ?متاهات جدلية? لإدريس كسيكس، و?كيف يغير الشباب حياتنا? لجليل بناني، طبيب ومحلل نفساني.
شكل هذا اللقاء أيضا مناسبة لتقديم آخر إصدار للمجموعة ?لا تأكل هذا الكتاب: مالي، موريتانيا، المغرب? رهانات المخطوطات بالصحراء? لمؤلفه رومان سيمنال، عالم الإثنيات وباحث بمعهد الأبحاث من أجل التنمية (IRD)، الذي يعيش بين المغرب وفرنسا. هذا الكتاب يضمّ حوارات مع المؤلف أجراها معه السيد مرتضى كلامي المدير الشريك لمجموعة ?مملكة الأفكار?. غاية هذه الحوارات تروم إبراز تلك الثروة الثقافية التي لا تقدر بثمن، والتي تشكلها المخطوطات القديمة بالصحراء.
على هامش اللقاء، قال سيمنال أن مؤلفه الذي عرضناه هنا، يشكل امتدادا للخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس ملك المغرب لدى زيارته لباماكو حيث أشار إلى ضرورة حماية الموروث الديني لإسلام متسامح يؤسس له المذهب المالكي الذي تشترك فيه المملكة المغربية مع موريتانيا ومالي.