منعم يعود

في ذلك اليوم اختلطت المشاعر ما بين الخوف من المجهول و اللهفة للخوض في مغامرة مثيرة فبالنسبة لزينب جنوب السودان عبارة عن غابات و ادغال قد تكون مخيفة نوعا ما لكنها تشجعت و قبلت ان تسافر مع زوجها الملازم منعم الى مدينة واو بجنوب السودان فمنعم ضابط بقوات الشعب المسلحة و تم نقله الى مدينة واو و كانت الحرب مستعرة بين الحكومة السودانية و الحركة الشعبية لتحرير السودان لكن داخل مدينة واو التي كانت تسيطر عليها الحكومة كانت الاوضاع هادئة نسبيا لكن واو مدينة متقلبة المزاج كالبحر فمكوناتها الاجتماعية يعيشون في وئام تام لكن قابل للانفجار و تصل فيها الاحتقان العرقي الى عراك دموي تنتهي بصلح و يعود الوضع الى اولها انها مدينة غريبة الاطوار.
انجبت زينب بكرها بمدينة واو و اطلقوا عليه اسم زاهر و لقد وقفت روضة الجنوبية الى جانب زينب وقفة الاخت و كانت لزينب اكثر من جارتها فلم تحس زينب بالغربة ابدا.
في صباح احد الايام بعد شرب شاي الصباح ذهب منعم الى العمل كالعادة بينما تركت زينب ابنها مع جارتها روضة و ذهبت الى سوق عبداللطيف لجلب الخضار و قبل ان تعود زينب الى المنزل قام المتمردين بهجوم عنيف على مدينة واو من عدة محاور و كانت النيران تتساقط على المدينة بكثافة و دوى الاسلحة الكبيرة تهز المدينة كالزلزال العنيف…و كان الجميع يهرعون في هلع و خوف رهيب.
فعادت زينب مسرعة الى منزل روضة للاطمئنان على ابنها لكن لم يكن احد بالمنزل و كان الحي شبه خالي من السكان فلقد غادر الجميع بحثا عن ملاذات امنة في القرى النائية فانفطر قلبها خوفا على سلامة ابنها.
في تلك الاثناء كان منعم في الصفوف الامامية للدفاع عن المدينة و بعد انسحاب المتمردين تقدم منعم مع مجموعة من الجنود لتفتيش ارض المعركة بحثا عن الجرحى و فجاة قاموا باسر اثنين من المتمردين و عندما اراد احد الجنود قتلهم قال منعم لا تقتلهم فقط انزع منهم الاسلحة و سوف نقودهم الى القيادة للتحقيق و من ثم يخضعوا للمحاكمة العادلة و هكذا اقتادوا الاسرى نحو المدينة لكن قبل الوصول الى المدينة و قعوا في كمين للمتمردين و تعرض منعم لجرح بالغ بالرصاص في الفخذ و تقدم المهاجمين نحوهم و عندما ارادوا قتلهم رفض احد اسري المتمردين امكانية قتل منعم و رفاقه و تحدث الى المتمردين الذين نصبوا الكمين و قال ان هذا الضابط سبق ان انقذنا من القتل فلو لم يكن هو من امر جنوده بعدم قتلنا خارج المحاكمة لما كنا احياء الى هذه اللحظة فتركوا منعم و رفاقه و ذهبوا لحالهم الى الادغال.
بينما كانت زينب حزينة لعدم معرفتها بمصير ابنها عرفت ان زوجها منعم قد اصيب في فخذه بطلق ناري و ان حالته الصحية حرجة جدا و يجب نقله فورا الى الخرطوم لعناية طبية افضل و نصحها زملاء منعم ان تكون في رفقة زوجها لان الامر طارئ فقالت و ماذا عن ابني؟ فاجاب احد زملاء منعم انهم سوف يتولون امر البحث عن زاهر و انهم سوف يعثرون عليه انشالله.
و هكذا غادرت طائرة الانتنوف و على متنها الجرحى و بينهم منعم يرافقه زينب زوجته.
و تعافي منعم لكن لم يسمعوا خبر جديد فيما يخص ابنهم الذي تركوه خلفهم مرت الايام و الشهور و السنين و انجبوا بنين و بنات و زاهر غائب لكنه لم يغب ابدا عن مخيلتهما و كانت تراودهم الامنيات ان يوم ما سوف يلتقون مجددا بابنهم البكر.
في يوم بهيج اتجه انظار العالم الى ضاحية نيفاشا حيث تم توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة السودانية و الحركة الشعبية لتحرير السودان و كان منعم ينظر الى ذلك الحدث كفرصة ذهبية للعودة الى مدينة واو للبحث عن ابنه.
استغل منعم القطار من مدينة الخرطوم و بعد ايام وصل الى مدينة واو كانت المدينة تعيش لحظات احتفالية جميلة و الناس كانت في غاية الفرح بتوقيع اتفاقية السلام و ذهب منعم الى منزل روضة الجنوبية و سالت عن روضة فقيل له ان روضة تعيش في قرية نائية اسمها اوديشي يستغرق بضع ساعات للوصول الى هنالك و اعطوه الوصف الكامل لمنزل روضة في قرية اوديشي.
و في اليوم التالي مبكرا استغل منعم دراجة نارية قام باستئجارها خصيصا لهذه الرحلة و بعد فترة وجيزة وصل الى منطقة اوديشي و اخذ يسال الناس عن منزل روضة الى ان وصل الى منزل روضة عندها استقبلته روضة بكل فرح و قامت بزبح خروف اكراما له.
عندما وصل منعم الى منزل روضة زاهر ابنه لم يكن في المنزل فقد كان يسرح بالابقار في البرية و لم يعد الا في اوقات المغرب و فور وصوله عرف ان ذلك الضيف هو والده ففرح جدا و تبادلا التحية بالعناق و الدموع و اقام معهم منعم عدة ايام قبل ان يقرر العودة الى واو برفقة ابنه….قال منعم لابنه زاهر اننا سوف نغادر الى مدينة واو يوم غد ثم بعد ذلك سنذهب الى الخرطوم ….فكر زاهر مليا ثم نظر الى والده وقال له لا مانع في ذلك يا والدي لكن لدي شرط واحد فقال له والده و ما هو ذلك الشرط؟ فقال اريد ان اتزوج ميري … فهي من هذه المنطقة و لن اغادر دونها …فقال والده لا مانع لدي و تم اقامة مراسم الفرح.
ثم غادر منعم و ابنه زاهر و زوجته ميري الى الخرطوم و عاش العروسين في منتهي سعادة بالخرطوم و كما كانت زينب سعيدة جدا بعودة ابنه زاهر الذي جلب معه عروس من جنوب السودان و لم يكتفي بذلك فقد كان يتحدث بلغة اللوه المنتشرة باقليم بحر الغزال الذي ينحدر منها زوجته.
[email][email protected][/email]