الجن الحبشي

عوض محمد الحسن

أصابتني الدهشة (وشئ من الغضب) حين قرأت في صحف الأسبوع الماضي خبرا مفاده أن شرطة مكافحة التهريب بولاية كسلا تمكنت من إحباط محاولة تهريب كميات كبيرة من “الجن الحبشي” إلى داخل السودان. لماذا يُهرّب الجن إلى السودان؟ ألا يعلم المهربون أن السودان قد حقق الإكتفاء الذاتي من الجن منذ عام 1989، وشرع في تصدير الفائض منه إلى الخارج منذ بداية التسعينيات؟

وللجن السوداني سمات بارزة تميزه عن غيره أهمها ما يُسميه علماء النفس الفرنجة “إيذاء الذات”، ويُسمّيه عامتهم “إطلاق الرصاص على قدمك”، ويُسمّيه العرب “جدع أنفك نكاية في وجهك”، ونُسمّيه بالعامية السودانية “طبز (فقأ) العين بالأصبع (أو بالأصبعين حسب اقتراب القمر من الاكتمال)”. و”إيذاء الذات” مرض نفسي يدفع المصاب إلى خبط رأسه بالجدران الصلبة، أوخدش وجهه وعنقه بأظافره، أو جرح أطرافه بالشفرات الحادة، أو الأتيان بكل ما من شأنه إلحاق الأذى بنفسه وبمن حوله حتي ولو قاد ذلك لهلاكه وهلاك من حوله. وقد كان أول مظاهر هذا المرض فصل عشرات الآلاف من السودانيين المؤهلين من أساتذة الجامعات والمهندسين والأطباء والبيطريين والزراعيين والدبلوماسيين,وضباط الجيش والشرطة والإداريين والفنيين والعمال والعلماء وغيرهم ممن أنفقت البلاد ملايين الدولارات على تعليمهم وتدريبهم وتأهيلهم داخل السودان وخارجه، ومكّنتهم من صقل خبراتهم في خدمة مواطنيهم حتى اصبحوا ثروة لا تُشرى بثمن. وحين ضُيِّق عليهم الخناق بسد منافذ الرزق في بلادهم، فرّوا إلى خارجها، وفي حلوقهم غصص، يبتغون لقمة العيش وشئ من الحرية، فتلقفتهم بلدان العرب والعجم وآوتهم، فساهموا في إعمارها وتعليم نشئها وإدارة مكائنها وتسيير صناديقها الإنمائية التي لجأت اليها بلادهم لاحقا تبتغي المدد، وحصل بعضهم على جنسياتها وفي نفوسهم حسرة. ثم دعكت بلادهم الملح في جروحهم النازفة أبدا حين دعتهم للعودة والمشاركة في بناء وطن طُردوا منه ومُنعوا من خدمته. ومن مظاهر هذا المرض أيضا قيام المريض بإشعال النار في جنبات داره، حتى إذا بدأت في أكل الأخضر واليابس، ولول مُتّهما الآخرين بإشعالها.

ومن السمات الأخرى للجن السوداني الوسواس القهري، وهو مرض نفسي يجعل المُصاب به يؤمن بأن الجميع يتآمرون ضده ويُحيكون له الدسائس، يرى الأعداء في كل ركن، ويشك في كل من حوله، ويُلقي عليهم باللائمة في كل ما يُصيبه، حتى يبلغ به الحال مبلغا يحعله يشك في خاصته وأهله وأصدقائه، فيتمترس خلف وساوسه خائفا يترقب من أين تأتيه الضربة. ويقترن الوسواس القسري في أحيان كثيرة بجنون العظمة الذي يجعل المُصاب به يتوهم لنفسه مكانة متفرِّدة (أنا نابليون، كما يقول مجانين فرنسا) يجب أن تُفسح لها القيادة والر يادة. ومثل نابليون، يُريد المريض امبراطورية مترامية الأطراف يقودها، تُغطي العالم العربي وأفريقيا مثلا، أو الأمة الإسلامية، أوالعالم الثالث، إن لم يكن العالم بأسره.

كذلك من سمات الجن السوداني فصام الشخصية (الشيزوفرينيا)، وهو مرض نفسي يجعل للمريض شخصيتان (أو أكثر)، مختلفتان متشاكستان متناقضتان، تنسخ الواحدة منهما ما تقوله أو تقوم به الأخرى. تتحدث واحدة عن طهر اليد، وتغمس الأخرى ذراعيها حتى الإبطين في مال السحت؛ تُنادي واحدة بالصدق في تبتل، وتكذب الأخرى وتتحرى الكذب دون وجل؛ تلتحف واحدة بزهد السلف الصالح وخير الآخرة، وترفل الأخرى في نعيم الدنيا وبهرجها؛ تتغنى واحدة بالوفاء، وتشرع الأخرى خنجر الغدر؛ تجنح واحدة للسلم وتُنادي به بينما تدُقّ الأخرى طبول الحرب وتُعد لها؛ تُظهر واحدة الرحمة واللين تجاه الآخرين، بينما تُبطن الأخرى عُنفا وحشيا وقسوة لا يحدها وازع. ويقترن فصام الشخصية في أحيان كثيرة بمرض نفسي آخر هو الإنكار المَرَضي المُزمن الذي يجعل المريض يُنكر أفعاله وأقواله فور صدورها، ويكرر ذلك كل يوم دون أن يطرف له جفن.

حين كانت مدينة عطبرة القلب النابض لسكك حديد السودان (التي قُبرت)، طالب عامل بسيط بجعله مديرا لسكك حديد السودان إبّان مجدها، فقالوا له، يُسايرونه، لكنك لا تتحدث اللغة الإنجليزية. أطرق برهة ثم قال: “طيب، أيتحدث مدير السكة الحديد في لندن اللغة العربيةّ؟!” وفي رواية أخرى، عاد مريض كان نزيل مستشفى الأمراض العصبية لسنوات إلى داره ذات صباح باكر وطرق الباب. ولما فتح أهله الباب وجدوه عاريا كما ولدته أمُّه. ولما سألوه عمّا حدث قال لهم دون تلجلج: “طِبْتَ (شفيت) وخرّجوني!”

لماذا، إذن، يُهرِّبون لنا الجن الحبشي عبر حدودنا ونحن، والحمد لله، لنا ما يكفينا ويزيد من الجن المحلى؟!

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الجن نوع من أنواع الخمور هذا هو المقصود . لأن البن الحبشي لا يحتاج الي تهريب لأنه موجود في السودان بطرق شرعية اذا افترضنا أن هناك خطأً مطبعياً جنن البن أي أصبح جن بدل بن .

  2. أسوأ ما في المقال صورة الزول أبوطاقية وشكله الذي يفقع المرارة ، يا أستاذ عوض يجب أن تقاضي ادارة الراكوبة لوضعها هذه الصورة أعلى مقالك لأنها سوف تجعل مجانين السودان يحطمون حواسيبهم ، من جانبي سوف أركل كمبيوتري بحذائي بعد انتهائي من هذا التعليق

  3. يا ناسى الجن الوقع فى الناس شنو؟ اصلك ما سمعت بالبن الحبشى بقيتو عاوزين جنازة تشبعو فيها لطم!وزى ما بقولو الجن بداوى كعب الاندراوة.

  4. مقالك جميل بس كان توضح في الاخر انو الجن الحبشي نوع من انواع الخمور مثل الوسكي والكنياك والبيره

  5. أحسنتَ وأصبت فإن السودان يمتلك من أنواع الجن وأصنافه مايكفيه ويزيد والشئ الوحيد الفائض فى ميزانية كل عام هوالجنس السودانى سيما نوع إيذاء الذات . وأضف الى ذالك جن الهوس والبوبار
    وجن ضجيج طاحونه دون أن ترى طحينا. وتعلية خزان الرصيرص من غير كهرباء ولاماء وإفتتاح مصنع سكر ولاسكر فى الأسواق
    الله يعين السودان وشعبه ويعافيه ويشفيه من أنواع جنونه

  6. الجن حبشي … البن حبشي… الفول حبشي.. ست الشاي حبشية..الشطة حبشية..الزغني حبشي ..و التسريحة حبشية.. الرقيص حبشي .. الغنى حبشي.. الإتفاقيات بين السودانين حبشية..السياحة حبشية.. الطيارة حبشية..الكهرباء حبشية.. السمسم حبشي .. الفشقة حبشية.. معسكر الفريق حبشي ..السيراميك حبشي ..و ايام زمان تعال يا زمان حبشية.. و دا الجن البشربوا ماالجن أب قرون دا!!!الحبش حبشنا برانا و الماعاجبه يركب التونسية..

  7. الصوره دى جبتوها من وين والله حقوا تدوها اوكامبو يضعها فى ارشيف المحكمه الجنائيه الدوليه. وتاني مافضلكم الاتجيبوهوا بي هدوم نوموا اكان قاعد ينوم .

  8. يا خ القاليك هو مافي منو ؟ في القضارف القنينة بي 50 الف بس وفي قلابات بي 30 الف الا كان الحبش استولو على القلابات … مو خابر

  9. ياريت ترجع آيام البارات و أيام الشراب علنى لأنها كانت آيام خير و بركة، رجاء لا تفهمونى غلط و تحسبونى أدعو الى الرزيلة لكن بجد كانت أحوالنا أفضل تلك الآيام لأننا كنا و اضحين مع الله و خلقه ولم نكن نقول شىء و نعمل ضده و اليوم تدعى الحكومة الطهر و العفاف و هى منجم عفونة وفساد و فسق فأذاقنا الله الويل بما كسبت أيدينا فساد مستشرى و فقر و جوع و غلاء طاحن و قلة البركة.

  10. الجن الحبشي,Aids, وكل ما آتي من الحبشة وسائل تخدير
    وترفيه للمواطن إبتدعتها حكومة الضلال عنوتآ لتخدير
    وغض الطرف عما يجري, لو لا الحبش الثورة كان قامت
    من زمااااااااااااااان, لكن أين هم الثوار والثائرين
    والكفاح, كلهم مخدرين ومدمرين بالمستورد الحبشي.

  11. عوض محمد الحسن…أرجوك أن تكتب على طول وتشرح مشاكنا بهذا الأسلوب شكرا لك …من أروع ما قرأت..

  12. يا سلام يسلم عقلك من كل البلاوي يا عوض محمد الحسن والله جسدت الكلام ووضعت الحروف علي الكلمات التي تصف الجن المؤتمرنجي الذي أفعاله متطابقة تمامالكل الأوصاف التي سردتهاوبنفس الطريقه نريد ابن سودان بار ونحن من خلفه يطيح بهذا الكابوس الذي كادالآن يحولنا الي كفار وصدقوني لو الخلاص منهم تأخر عام واحد وهو 2013 سىحدث ذلك

  13. تعالو هنا في بلد عربي خليك من الجن السوداني واللة تلقي بالكوم ************ماهو اصلا دخلوه السودان عشان الهو الشباب بية ماشايف الثورة مكان طفشت ما نعرفت

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..