مقالات سياسية

بطالة وعطالة

السودان واحد من الدول التي ظلت تعاني من تفاقم مستمر لمشكلة العطالة خلال السنوات الماضية، ولا يمكن للحكومة أن تنجح أبداً في محاربتها أو خفضها إن لم تضع الأمر ضمن سياساتها وأهدافها الاستراتيجية الملحة، فتوفير فرص العمل لأكثر من ربع سكان الدولة الشباب يتطلب العمل بتناغم بين جهات كثيرة اقتصادية وتعليمية وسياسية، فليس من المعقول أن تكون السياسة الاقتصادية للدولة لا تدعم التعليم بالمرة ولا تهتم بجودته ونوعيته ولا بتطوير الموارد، ورغم ذلك تتوقع الحكومة أن تنخفض العطالة، والذي لا يمكن إنكاره انها وخلال 28 سنة لم تسعَ سعياً حقيقياً لخفض العطالة إلا من خلال الشعارات بدليل ما نراه اليوم من مأساة اسمها العطالة وما زالت الحكومة تنكر أسبابها الحقيقية فأصبحت هي نفسها تدعم االمشكلة.

في أغسطس الماضي وفي ملتقى الشراكات الثاني بجامعة السودان برأت سمية أبو كشوة، وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي، ثورة التعليم العالي من ارتفاع معدل البطالة وسط الخريجين وقالت إن الجامعات لكسب المعرفة وليست لتعلم الحرفة أو التقانات، وقد ذكرت من قبل أن الوزارة بصدد إنشاء جامعات جديدة.

بالأمس شن أحمد بابكر نهار وزير العمل والإصلاح الإداري وبمناسبة يوم الخدمة هجوماً لاذعاً على ثورة التعليم العالي، وطالب بإيقاف إنشاء جامعات جديدة، لأنها تخرج (عطالة وبطالة) يكونون عبئاً على الأسر. وشدد على ضرورة تجويد الأداء بالجامعات الموجودة والاكتفاء بها. وقال إن إدارة مكتب تشغيل الخريجين مكتظ بموظفين دون جدوى، مطالباً بإنشاء العديد من مراكز التدريب المهني، ومنوهاً إلى أن المخرج لن يكون بالشعارات، وأن محاربة البطالة والتشغيل ليس بالغش ولا الكذب وهذه الحقيقة الصعبة والمرة يجب أن نعترف بها، ولكن الذي لم يذكره السيد نهار هو أن اكتظاظ المكاتب بموظفين دون جدوى سياسة التمكين، كما لم يذكر أن سياسات التعليم العام أيضا تخرج عطالة وبطالة فقد تم تدمير مدارس التعليم المهني والتقني وحتى التعليم الأكاديمي يرفد الجامعات بطلاب يفتقرون إلى كل المهارات التي تؤهلهم لدراسة الجامعة.

لا شك إن نوعية التعليم الذي تقدمه الدولة تسهم بقدر كبير في تخفيف حدة العطالة وخاصة الجامعات، صحيح أن الجامعات لكسب المعرفة ولكن المعرفة نفسها يجب أن تخدم المواطن وتساعده في الحصول على العمل ولذلك التّعليم الجامعي هو أيضاً وسيلة للإبتكار والإبداع، فالجامعات التي توفّر مجالًا للبحث العلمي تكون فيها الفرص أكبر أمام الطّلاب للإبداع والإبتكار والحصول على العمل.

يبدو أن السيد أحمد بابكر نهار (قنع من خيرا فيها) فهو يجلس في كرسي الوزارة منذ عدة سنوات ولم يسطع فعل شيء فيما يتعلق بالتوظيف لأن سياسات الدولة لا تمضي في الطريق الصحيح فإذا كانت وزيرة التعليم العالي نفسها تبرئ ثورة التعليم العالي من انتشار العطالة رغم إنها تعلم جيداً إنها أحد الأسباب المهمة ومثلها كثيرون في الحكومة ينكرون ما يثبته الواقع؟.

العطالة في السودان أصبحت مصيبة خاصة إذا علمنا إنها أصبحت تشمل وزراء وأصحاب مناصب رفيعة تتمسك بهم الحكومة ترضية كلهم يندرجون تحت مسمى (العطالة المقنعة) وهي أخطر من العطالة الظاهرة لأنها تهدر الموارد بلا فائدة.
التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..