مقالات وآراء

يا قائدا بلا معركة… آن أوان المعركة

صديق الزيلعي

اتهمني عدد من القراء بموالاة قحت، والدفاع عنها والتبرير لأخطائها. جاء ذلك من خلال تفاعل القراء مع مقالاتي في حواري مع صديقي أحمد عثمان عمر. لست في موقف من يدافع عن نفسه، لأنني اتخذ موقفا يتحكم فيه منطق العقل وليس روح العداء. لكن تبيان الحقيقة مهم لتطوير مناهج نقاشنا وجعلها عقلانية. أعيد اليوم نشر مقال كتبه عن قحت عندما كانت في السلطة. لم يكن المقال دعوة لإسقاط قحت وانما دعوة لتوضيح الأخطاء والركون لأهداف ثورة ديسمبر. نشرت المقال السابق بعنوان المكون المني ومجلس الوزراء وقحت يتحملون كامل المسئولية عن أفعال البرهان.

اليوم انشر مقال آخر من نفس تلك الفترة. ما أود التذكير به ان الكتابة السياسية ليست مثل هلال مريخ او ابيض واسود أو مع الجيش ضد الجنجويد وبالعكس، مما يلغي تماما أي موقف مستقل للكاتب، بعيدا عن الخنادق المتواجهة أو الخانات الصماء. وأكرر ما قلته مرارا اننا لن نخٌون قوى الثورة المدنية، بمختلف توجهاتها، فهذا هو السودان بتنوعه الفريد. التحدي الجوهري ان نحول ذلك التعدد لمصدر قوة ووحدة.

اكدت المعركة الثورية الحالية خيار شعبنا في دولة مدنية، تحكمها ديمقراطية تعددية ودولة المؤسسات وحكم القانون. كما أوضحت ثورة ديسمبر العظيمة، بلا غموض، وللعالم أجمع، رفض شعب السودان القاطع للحكم العسكري. وأثبت تجربة الحكومة الانتقالية الأولى والثانية ان التحالف مع العسكر لن ينتج سوى سيطرة العسكر بغطاء مدني. والآن وانقلاب 25 أكتوبر يترنح، في طريقه للسقوط، يصبح من الضروري دراسة التجربة السابقة، للخروج بدروس للفترة القادمة. أن تقييم أي مرحلة من مراحل النضال، بروح نقدية لا تجامل او تقفز فوق الأخطاء، هي ضرورية ثورية مهمة. في هذا المقال، وما ستعقبه من مقالات، سأناقش دور كل القوى في فشل المرحلة الانتقالية، حتى الآن، والبناء على ما نستنتجه من دروس للمستقبل. المقطع الشعري، الذي اخترته كعنوان لهذا المقال، هو للشاعر الفيتوري من قصيدته دبشليم، يمثل لنا، وينطبق تماما، على المجلس المركزي للحرية والتغيير. فقد وجد نفسه، في غفلة من الآخرين، ولتعاملهم بحسن النية السودانية، ليصبحوا قادة الثورة، ويساهموا في افشالها. والآن التحدي هو نقد ممارساتهم، وتوضيح حقيقة ما جرى، لشعبنا، بلا محسنات لفظية أو محاولتهم القفز للأمام بإطلاق شعارات ثورية.
لقد اكدت أكثر من جهة وأكثر من فرد، ومنذ وقت مبكر، وعبر عدة بيانات وتصريحات، وجود تجاوزات في تجربة العمل المشترك، وسيطرة وهيمنة اقلية، نجحت بعدة سبل، بإحكام سيطرتها، وعزل اغلبية قوي التحالف. الأمر الذي أدى لخروج البعض، ومطالبة الآخرون بتصحيح المسار. وتم التغلب على تلك الدعوات الإصلاحية، بالوعود التي لم يتحقق منها شيء.
سأطرح في هذا المقال بعض رؤوس المواضيع التي يجب على القوى التي هيمنت على قحت، ان توضيح حقيقة ما جرى، وبكامل الوضوح، أمام شعبنا، لأنه صانع الثورة، ويجب ان يعرف ما حدث لثورته.
• كيف صيغت الوثيقة الدستورية؟ ومن الذي أيد قضية الشراكة مع العسكر ومن الذي عارضها؟ وحقيقة ما دار في الغرف المغلقة خلال تلك الفترة الحاسمة؟ لقد ذكر ساطع الحاج في لقاء صحفي ان مهمتهم كانت صياغة ما يتم التوصيل اليه من اتفاق سياسي؟

ما دور الوسيط الممثل للمنظمة الافريقية؟ لماذا كان قادة قحت يخدعون الاعتصام بانها ستكون مدنية كاملة (وجدي والدقير وغيرهم)؟

• ما هي الجهات التي وافقت على ان اصلاح المنظومة العسكرية والأمنية هو مسئولية المكون العسكري الحصرية، ولا دخل للمدنيين بها؟

• كيف نجح المكون العسكري، في مجلس السيادة، في السيطرة على السياسة الخارجية والاقتصادية وقضايا السلام ومباحثات جوبا؟

• من المسؤول عن تعطيل اصلاح المنظومة العدلية؟

• لماذا أيد المجلس المركزي انشاء مجلس الشركاء، الذي ضم بعض قادته؟

• تعطل قانون النقابات لسنوات والتلكؤ في اجازته، مما اعطي عناصر النظام البائد وسط النقابات، هامشا من الحركة وتجميع الصفوف؟
• بعد انتخابات تجمع المهنيين وتقديم لستة بممثلين جدد، رفض إبراهيم الشيخ ذلك وقال بالحرف الواحد: (دا بخرب الرصة)، ثم الاستمرار في الانحياز للطرف المهزوم والتمسك بتمثيله في قحت.

• الموقف من الجبهة الثورية في الأيام الأولى للثورة، ثم مفاوضات اديس ابابا وما نتج عنها، وموقف المجلس المركزي من ذلك؟
• موقف المجلس المركزي من مفاوضات جوبا، والاتفاق الذي تم على ايدي العسكر؟
• الموقف من هيمنة العسكر على الاقتصاد الوطني (82 %) ونذكر جيدا زيارة إبراهيم الشيخ (كوزير للصناعة) للصناعات العسكرية والاشادة بها؟

• تعامل حزب الامة بمنهج (البلد بلدنا ونحنا اسيادها) وقدم مطالب بالهيكلة وعندما لم يستجاب له خرج من قحت، وعندما اعطي تمثيلا أكبر في قحت ووزارة المحاصصات، رجع وكأن شيئا لم يكن، وضاعت الدعوة لإصلاح قحت.

• لماذا الموافقة على المحاصصات والقبول بالوزارة الحزبية والتكالب على مناصبها؟
• محاولة السيطرة على الخدمة المدنية بالتعيينات المبنية على المحاصصات وليس على مبدأ استقلال الخدمة المدنية.
الوضوح حول هذه القضايا، التي لا تشكل كل ما تم خلال المرحلة السابقة، وانما نماذج، حتى نبدأ بها عملية التقييم الجادة. التقييم سيفيد في التعلم من دروس التجربة، وهذه الدروس ستساعدنا عند صياغة المواثيق الجديدة، وتشكيل الحكومة المدنية القادمة.

هذا النقاش لا يشكل دعوة لتخوين أي أحزاب، كما انه لا يشكل دعوة لعزلها عن المساهمة في الحراك الثوري، ولكنه يشكل خطوة لا بد منها، كبداية مهمة، في قادم أيام ثورتنا.

 

‫4 تعليقات

  1. دا كلام العقل البودي لقدام
    واصل وأنسي متطرفي اليسار ديك
    أطفال سياسة وشعاراتية ساكت

  2. هذه المشكلة التي نواجهها في السودان , بمجرد انتقادك مثلا للكيزان في أمر واضح تتهم بأنك قحاتي أو شيوعي و بمجرد انتقادك لقحت في أمر واضح للعيان تتهم بأنك كوز أو كوز مندس و بمجرد تساؤلك عن فشل الجيش تتهم بأنك جنجويدي أو قحاتي و العكس اذا انتقدت الدعم السريع .

    1. وأذا قلت محايد اتهمك طرف بانك قحاطي خبيث وعميل سفارات والطرف الآخر يتهمك بانك كوز مندس وامنجي غواصة !!
      شغل ملوص .. ركب تكسب !!

  3. سوف تضطر كثيرا…لتقديم صحيفة اعمالك كل مرة…وقد ينظر اليها البعض من جراء عاهة الحول السياسي باعتبارها صحيفة ( سوابق ) ..لذا قد تحتاج لكثير من الوقت للدفاع عن او التبرير لاتجاهاتك الفكرية والسياسية ….حتى لو من داخل الحوش السياسي ..قناعتي ان الذين لايجيدون القراءة الكلية والتمحيص للمواقف السياسية للكاتب باجملها ..ويستخلصون منها موقف عقلاني متماسك من خلال الرجوع لكافة مقالاته واسهاماته …غير جديرين بالرد عليهم هذا من ناحية …اما من ناحية اخرى …من المؤكد ان الصياغة المعيبة والمختلة والتي فارقت مبادئ واعراف و مناهج التشريع القانوني الرصين… التي اتسمت بها… عن قصد مبيت …او جهل فاضح…ما يسمي بالوثيقة الدستورية… هي كانت الثغرة الكبرى…التي انتجت كل الاخفاقات التي وردت في مقالك اعلاه..اذ وضعت كل فقرة فيها ..وصيغت كل مفردة منها …بقصد استخدامها..(فرامل يد ) لكبح جماح الثورة …ولعل اوضح مثال لذلك الفقرات التي كانت تبين طريقة تكوين واختصاصات مجلس كل من.. النيابة …و القضاء الاعلى …الامر الذي وضع سلطة تعيين النائب العام ..ورئيس القضاء ..بيد البرهان …ولعل الغريب المفجع ..ان سلطة اقالة رئيس القضاء وقتها / نعمات حماد …قد تولاها حميدتي… بوضع اليد …شفت كيف..؟؟
    ولعل الاغرب منه والاكثر فجاعة وفكاهه …ان يجلس نبيل اديب رئيسا .. ومعه باش كتبة اللجنة القانونية للحرية والتغيير ….امام حميدتي …. ليبين لهم ويحدثهم ..ويشرحوا له معايير اختيار رئيس القضاء التي اتفقوا عليها …والتي وضعها مسبقا …كل من حميدتي والبرهان …عندما كانوا في رحم واحد ..
    هذا بالاضافة الى كثير جدا من الفخاخ والثغرات الاخرى التي اشتملت عليها الوثيقة .. بالذات بعد ترقيعها باتفاقية جوبا .. اذ تهكم على صياغتها الكثير من غير اهل الاختصاص وقد نجح اعداء الثورة كثيرا في هذا المضمار …وما الحرب الراهنة الا ثمرة هذه الجهود
    هذا وبحكم ان الحزب الشيوعي كان وقتها …حاضرا وناشطا اثناء الاعداد للوثيقة التي اسست للشراكة مع العسكر …قبل ان يتبرأ منها بعد ان (..وقعت فأس الوثيقة على رأس الثورة..) ..كنا نتمنى على كل من كان على رأس المشهد القانوني..وبالذات اليساريين منهم …الذين كانت لاتنقصهم الخبرة القانونية والحنكة السياسية… وحتى لا تقع عليهم المسئولية القانونية والاخلاقية عن هذه الخليقة المسماة بالوثيقة الدستورية…المشاركة بفاعلية وكثافة نوعية لارساء وانتاج عمل دستوري لصالح الثورة…يتسم بالضبط والرصانة القانونية… كان على الاقل سوف يكون مدعاة لانتصارهم واعتزازهم المهني …فضلا عن الكسب السياسي للثورة …لكن تعامل بعضهم مع هذا الامر كانهم ..معازيم… ..على حسب فهمي لافادة كمال الجزولي …برفقة نبيل اديب ..وذلك عند ذهابهم وقتها لمقر لجنة الصياغة ..التي تولى شأنها وشنارها / ساطع الحاج …والسيدة سنهوري واخرين …لانعلمهم …الله يعلمهم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..