البجرى نسيبتو

البجرى نسيبتو

صالح الشفيع النيل
[email protected]

أولاً نهنىء الشعب التونسى على انتصاره الكبير على قوى البغى والعدوان والتجسس والمخابرات في بلاده…..وقد برهن هذا الشعب أن الفرعون التونسى ذى الأوتاد ، الذى طغى في البلاد فأكثر فيها الفساد ما هو الا نمر من ورق خفيف في وزن الريشة ، حيث أطلق ساقيه للريح عند أول كشكشه في أول سابقة عربية مذلة لم يشهد لها العرب الأبطال مثيلاً……فالعرب جميعهم مقاتلون شرسون ولكن على الورق ووسائط الأعلام فقط رغم الألقاب المخيفة التى يتوشحون بها ويخيفون بها عباد الله المغلوبين على أمرهم من شاكلة ملك الملوك والفارس العربى المقدام والرئيس المؤمن والقائد الملهم ….الخ ناهيك عن أصحاب الذات السيادية ( على وزن الذات الألهية ) واصحاب العظمة ( والعظمة لله سبحانه وتعالى وحده ) والفخامة والسمو….
ان ثورة تونس الخضراء وفرار الرئيس زين العابدين بن على غير المسبوق ، ربما ليس بالضرورة أن يشكل مثالاً يحتذى بحذافيره أو تجربة يتم انتاجها بذات المواصفات في دول عربية أخرى ، ذلك لأن كل دولة تتمتع ببيئة خاصة وظروف موضوعية مختلفة تؤهلها أو لا تؤهلها للثورة ضد الطغاة فى الزمان والمكان المناسبين….ولاننسى أن تفكك الأتحاد السوفيتى ( العظيم ) انطلقت شرارته من رومانيا ، ومن مدينة تماشوارا تحديداً وليس بوخارست العاصمة ….ولكن ما يهم فى الأنتفاضة التونسية هنا أنها أبطلت السحر وفككت الطلسم وهدمت الصنم وأجهضت الأسطورة…..الأسطورة التى ترتجف لها فرائص الشعوب العربية وهى أسطورة ( كتلوك ولا جوك )…..أسطورة التهديد والوعيد بالقتل والتشريد ان لم تحسن الشعوب الأدب….ويتولى بناء وهيكلة وتغذية هذه الأسطورة جيوش المنتفعين من الأنظمة الشمولية من الخدم والحشم والحاشية وماسحى الجوخ وحارقى البخور ومن لف لفهم من المخبرين وحذا حذوهم من الجواسيس بحيث يؤمنون لأنفسهم حياة الرخاء والدعة بينما يكابد غيرهم شظف العيش وبؤس الوجود نفسه وان كانوا من أهل الكفاءة والمقدرة العلمية المميزة..
ان كسر القيود السايكلوجية النفسية المكبلة لأرادة البشر هو بالضبط ما فعلته الثورة التونسية في زمن الركود والجمود العربى هذا…..حتى أن التونسيون أنفسهم لم يعودوا قادرين على استيعاب هذا الأمر حتى الآن ، ولكنهم يتباهون به ( ومن حقهم ) مثلهم في ذلك مثل لاعب الكرة الذى يدخل قوناً بالصدفة في شباك خصومه ، ثم عندما تسأله الصحافة عن كيفية تسجيله هذه الاصابة الهائلة ، يبادر ويسهب في شرح عبقريته المميزة التى مكنته من خداع الدفاع وفق خطته الموضوعة سلفاً لمثل هذا الموقف مما مكنه من التسجيل بهذه الكيفية البهلوانية…ولكن ومع ذلك ، تكمن أهمية الرسالة التونسية في أنها تذكير حاسم للطغاة بشكل عام ، الذين حكموا السنين الطوال ثم استمزجوا فكرة منح وتوريث الحكم لأهلهم وذويهم بلا مواربة أو خجل ، ( مع أن الملك لله يؤتيه من يشاء وينزعه عمن يشاء )…. نقول أنها تذكير حاسم ( ولعل الذكرى تنفع المؤمنين ) بأن لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومعاكس له في الأتجاه ، وان الضغط المفرط يولد الأنفجار العظيم والنار من مستصغر الشرر…
وفى السودان نقرأ ونسمع هذه الأيام أفكاراً من قبيل ضرورة تطبيق المثال التونسى على السودان…..أى الباس الثورة التونسية جلابية سودانية لمقارعة النظام الحاكم في البلاد ، أو بتعبير آخر الاستفادة من الفعل الثوري التونسي واسقاطه على بلادنا ….ونرى أنه اضافة الى ما ذكرنا من الخصوصية اليئية والسياسية والثقافية….الخ في البلدان المختلفة التى تساهم في ادارة التوجهات الثورية لشعوبها ، نلفت النظر الى أننا في السودان لدينا ذخيرة ثورية تاريخية تزيد عن نصف قرن من الزمان ممثلة في ثورتى اكتوبر 1964 وأبريل 1984 العظيمتين وما بينهما من الأنتفاضات التى اندلعت ضد الأنظمة الشمولية…ونحن ، في رأئى المتواضع…نحن الذين علمنا الشعوب العربية والأفريقية معنى أن تعيش وتنتصر..والقضية بالنسبة للسودانيين لم تكن قط قضية ثورة ضد الجوع كما ينظر اليها الكثير من أبناء جلدتنا الأغنياء من العرب ( العاربة ) الذين دائماً ما يقيمون أفعالنا حسب الفقر الذى نعيشه….وانما يثور السودانيون ضد الجوع والقهر والظلم….ويثورون لترسيخ معانى الحرية والديموقراطية والمساواة وسيادة القانون… ولا أبالغ ان قلت أن كثيراً من القيم الانسانية السامية انتقلت من بلادنا هذه الى دول الجوار الأفريقى والدول ماوراء النيل والبحر المالح…. بل أن هناك الكثير من التعابير المستحدثة في العالم مثل ( منظمات المجتمع المدنى وغيرها ) لم تعرف وتطبق في المنطقة العربية الأفريقية الاَ من خلال السودان والشعب السودانى…..ورحم الله البروف عبدالله الطيب الذى كان سيخرّج لنا ما نجهل من أمورعزتنا وكرمتنا….
ولا شك أننا نعجب بثورة التونسيين بلا أدنى تحفظ ، ونتمنى لهم كل خير ونعزيهم في شهدائهم الأبرار ، ولكننا لن نطبق مثالهم ولا ينطبق مثالهم علينا…. ذلك لأننا نحن الأساتذة والرواد وهم التلاميذ….ولدينا أدواتنا الشعبية الخاصة رغم ما طوره الشموليون من أدوات القمع المستحدثة كالفصل والتشريد والأفقاروالتسييس…. وعندما يستبين الجد من اللعب…….البجرى نسيبتو…

تعليق واحد

  1. الشعب السوداني البطل معلم الشعوب في كيفية الثورة علي الطغاة اكتوبر وابريل تتحدثان عن تاريخ خطه الثوار الابطال.الثورة قادمة وان تاخرت مواعيدها.

  2. I leave no one will bother when this people will leave wether It is today or tomrow but, the most wise they have to pack their things and leave the boad before thy could be forced shure this time the ball is not at their side

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..