أخبار السودان

الصحافة وحريتها .. والعبث

سلمى التجاني

إن أردنا الحديث عن حرية الصحافة، في يومها العالمي، الذي كان في الثالث من هذا الشهر، ولا يكون حدثينا ضربٌ من العبث، فعلينا التفريق في هذه المناسبة بين سودانَيْن اثنين، سودان النظام وسوداننا. وبين هذين الوضعين لا توجد مشتركات إلا أننا جميعاً نحمل الجنسية.

(1)

فالنظام قد احتفل باليوم العالمي لحرية
الصحافة عبر اثنتين من واجهاته الصحفية، فقد منح نفسه جائزة حرية الصحافة من الإتحاد العربي الأفريقي للإعلام الرقمي، وهو جسمٌ ترأس مجلس أمنائه مها الشيخ القيادية بالحزب الحاكم وأمينة أمانة الإعلام بالحركة الإسلامية.
ثم احتفت المنظمة السودانية للحريات الصحفية التي يترأسها د. النجيب آدم قمر الدين أحد أبرز الصحافيين الإسلاميين بهذه المناسبة، وأبدى النجيب رضاه التام عن حرية الصحافة بالسودان، وحتى المعاناة التي اعترف بها وصفها بالمقبولة. ولم ينس أن يدعو دول العالم لتحسين أوضاع الحريات الصحفية.
أيبدو ما يتحدث عنه النظام من حرياتٍ صحفية أمرٌ خيالي لا وجود له إلا في ذهن النظام ومعاونيه ؟ الأمر أكثر تعقيداً من ذلك، فخبير الأمم المتحدة المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان بالسودان، وفي بيانه في ختام زيارته للسودان في الاسبوع الأخير من أبريل الماضي، تحاشى الحديث عن واقع الحريات الصحفية بالسودان، واستعاض بعبارة ( حرية التعبير ) بدلاً عن ( حرية الصحافة )، والفرق شاسع بينهما، فحرية التعبير فضفاضة تدخل فيها حرية اعتناق الآراء واستقاء ونشر الأخبار والأفكار عبر الوسائل المختلفة بلا شروط. بينما حرية الصحافة معنية بممارسة مهنة الصحافة بشروطٍ وقواعد تشمل الصحافيين والمؤسسات الصحفية، القانونية منها والأكاديمية والأخلاقية، وُضعت هذه الشروط المتعارف عليها عالمياً بهدف حماية مهنة الصحافة والإرتقاء بها وصولاً لتقديم خدمة مهنية مسئولة .
تجاوز خبير الأمم المتحدة الحديث عن حرية الصحافية لأنه، وقبل مجيئه بأيام كان هناك عددٌ من الصحافيين والصحافيات في معتقلات النظام بلا محاكمة .

(2)

يقبع خلف هذا الواقع الوردي لحرية الصحافة عالمٌ آخر، تتم فيه مصادرة الصحف بعد طباعتها، إمعاناً في إنهاك مواردها الاقتصادية الشحيحة أصلاً ، ويُحاكم فيه الصحافيين بقوانين لا علاقة لها بقانون الصحافة ، ويتم استدعائهم من قبل جهاز الأمن( في الهينة والقاسية ) .
وهنا تظهر رسالة يبعثها جهاز الأمن عبر خدمة الرسائل النصية ، يوجه فيها رؤساء الصحف بمنع النشر عن أزمة الوقود ، بالرغم من تعطل حياة الناس وهم يصطفون أمام طلمبات البنزين ، كالذي يغطي قرص الشمس بأصبعٍ واحد . وفي ظل هذه الأزمة ، وبينما يتهيأ الناس لسماع ما يحيي فيهم الأمل عن قرب إنفراج الأوضاع الإقتصادية، ويتطلعون لمعرفة مصير أبنائهم الذين يموتون في حرب اليمن لأجل إنعاش خزينة الدولة ، يتحدث البشير أمس أمام قوات نظامية عن إعلان الحرب على شجر المسكيت في مشهد لا يشبه إلا سودان اليوم .
كذلك، وفي الواقع الحقيقي للصحافة السودانية، يلمِّح وزير الإعلام قبل أيام من اليوم العالمي لحرية الصحافة، لجاهزية مسودة قانون الصحافة الجديد للعام 2017 م ، بتعديلاتٍ على قانون 2009م تعيد الصحافة للقرن السادس عشر عندما كانت تسود نظرية السلطة الإعلامية، حيث يرى الحاكم بأن لديه حق التحكم فيما يُنشر للشعب . أدخلت مسودة القانون الجديد تعديلات ذات سماتٍ عقابية مشددة على الصحف والصحافيين .
منحت المسودة لمجلس الصحافة سلطة إيقاف الصحفي عن العمل للمدة التي يراها مناسبة، ربما للأبد، وسلطة سحب تراخيص الصحف لفترة لم تحددها، كما رفعت مدة تعليق الصحف من ثلاثة ايام إلى أسبوعين .
كذلك مدَّدت المسودة فضاء سلطات مجلس الصحافة لتشمل النشر الألكتروني، ففرضت على الناشرين الحصول على تراخيص مسبقة بشروطٍ وعقوبات تشابه تلك المفروضة على الصحافة الورقية .

(3)

ويبدو أن ظاهرة الواقعَين المتعارضين،
واللسانين، تطال الأمم المتحدة نفسها، فبينما يغرد أمينها العام في اليوم العالمي لحرية الصحافة، على حساب المنظمة بتويتر، عن ضرورة سن القوانين التي تحمي الصحافة وتقدم مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين للمحاكمة، أكل القط لسان مبعوثه المستقل اريستد ننونسي عندما كان بالخرطوم، للدرجة التي لم يأت فيها على ذكر حرية الصحافة والانتهاكات التي تقع على الصحف والصحفيين.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..