مقالات سياسية

لن تكتمل الثورة دون كنس آثار “الإنقاذ”

نورالدين عثمان

· نطالب بتمديد الفترة الانتقالية إلى 6 سنوات لتمكين الحكومة من إكمال “التفكيك”

· انقلاب الجبهة الإسلامية كان نتيجة طبيعية لعدم حل أجهزة نظام 25 مايو

· تحول الاستقطاب إلى محاولات لبعض الأحزاب للتحالف مع المكون العسكري

ترديد المواقف والقرارات الخاطئة، يحفز على طرح الأفكار الحديثة، ويرمم ما أفسده الدهر من أطروحات منطقية كانت ستنقل هذا البلد إلى مستويات عليا من الرفاه الاجتماعي والاقتصادي، ولكن للأسف طمست عمداً لصالح فئات معينة لها مصلحة في استمرار الوضع القديم وتجذر الجهل والأمية بين قطاعات الشعب المختلفة، لتسود أفكارهم العاطفية التي لا تحقق سوى أهدافهم السلطوية الضيقة، وإن كان تحقيقها على حساب تخلف البلد وتدهوره.

ما حدث في 1989 من انقلاب بقيادة الجبهة الإسلامية، واستغلال المؤسسة العسكرية لترسيخ حكمها وتمكين أفرادها، كان امتداداً طبيعياً لبقايا نظام 25 مايو الذي بقيت مؤسساته طيلة الفترة الانتقالية عقب ثورة (مارس – أبريل 1985 المجيدة)، التي نجحت في أسقاط حكم الدكتاتور العسكري جعفر نميري، وتمددت هذه المؤسسات التي صممت لحماية نظام الدكتاتور المايوي، بسبب تواطؤ الحكومة الانتقالية بقيادة سوار الذهب، ومن بعده استمر التواطؤ من رئيس الحكومة الصادق المهدي الذي حاز على أغلبية الأصوات حينها ولم ينحاز لمطالب الثورة، وظلت تلك الأجهزة الأمنية والمؤسسات الاقتصادية التي صنعتها الجبهة الإسلامية خلال تحالفها التاريخي مع نظام مايو حتى سقوطه، تعمل وتخطط سراً لحكم البلاد بالقوة، حتى تمكنت من حكومة الصادق المهدي الضعيفة وقتها، والتي ظلت لعبة في يدها، وحينها تأكد الجميع من أن أهداف ثورة 1985 لم ولن تتحقق، وفشلت ثورة “مارس – أبريل” بسبب هذا التواطؤ.

واليوم هناك قوى سياسية، تريد تكرار ذات المشهد عبر الإبقاء على مؤسسات النظام البائد الاقتصادية والأمنية، لتستمر خلال الفترة الانتقالية وما بعدها من فترات انتخابية مقبلة بعد تأسيس وتدشين الحقبة الديمقراطية الجديدة التي ستشكل السودان الذي حلم به الثوار، وبالنتيجة لن تتحقق مطالب الثورة، في حال الإبقاء على هذه المؤسسات العميقة المرتبطة بالنظام البائد، والتي عملت منذ اليوم الأول لسقوط “البشير” في المحافظة على النظام الذي طالب الشعب بسقوطه.

وبتخطيط ذكي تم عزل المؤسسات العسكرية من المدنية عبر اتفاق غير منطقي، خلق دولتين متشاكستين “عسكرية” و”مدنية” داخل دولة واحدة، كما توقعنا، حتى تحول الصراع إلى استقطاب حاد بين “المدنية” التي يمثلها مجلس الوزراء (باستثناء وزارتي الداخلية والدفاع)، ومن الجانب الآخر “العسكرية” التي يمثلها مجلس السيادة عبر وزارتي “الدفاع” و”الداخلية” والأجهزة الأمنية الأخرى، حتى تحول الاستقطاب إلى محاولات لبعض الأحزاب المحسوبة على “قحت” للتحالف مع المكون العسكري في الحكومة الانتقالية في خطوة غير صائبة، وتحسب في خانة الانتهازية ومحاولة للوصول للسلطة عبر إنتاج ذات النموذج الإنقاذي سيئ الذكر.

وتقسيم السلطات بالشكل الذي تم عبر اتفاق “قحت” واللجنة الأمنية للنظام البائد، والذي نزع سلطات مجلس الوزارة على الوزارات العسكرية، وبالتالي تجنيب هذه الوزارات إجراءات “التفكيك” الذي طالبت بها الثورة، سيقودنا دون شك إلى أعادة إنتاج أزمة ثورة مارس – أبريل 1985 المجيدة، وسنظل مكانك سر، وستعود بنا هذه الأزمة إلى المربع الأول الذي فقدت خلاله الأحزاب السياسية ثقة الشارع، حتى جددت ثورة ديسمبر المجيدة هذه الثقة في كل مكونات المعارضة، ولكن للأسف بدأ اليأس يدب في جزء كبير من الشارع وهو يشاهد هذا الاستقطاب السطحي الذي لا يمثل مبادئ وأهداف الثوار.

واليوم لنتمكن من قطع الطريق أمام الأصوات التي بدأت تنادي بانتخابات مبكرة، وتحميل الحكومة الانتقالية التي لم يتجاوز عمرها أشهر قليلة، مسؤولية كل الأزمات التي خلفها النظام البائد، يجب أن نطالب بتمديد الفترة الانتقالية باتفاق جديد، لتصبح ست سنوات بدلاً من الثلاث سنوات التي لن تمكن حكومة الثورة من “تفكيك” مؤسسات وأجهزة النظام البائد، ووضع أساس متين لدستور دائم يحكم ويدير كل هذا التنوع.

ولتعلم كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، أن انتهاء الفترة الانتقالية “القصيرة” دون تحقيق مطالب الثورة الأساسية في كنس آثار الإنقاذ، يعتبر اعتراف علني بفشل الثورة، وعودة الأحزاب للتشاكس حول مقاعد السلطة، وتمكين أفرادها، والرضوخ للمحاصصة، والبدء في إجراء انتخابات في وضع غير مهيأ وغير مستقر، وفي ظل عدم وجود دستور حقيقي متفق عليه من كل المكونات السودانية، سيمهد الوضع إلى سيطرة النظام البائد على السلطة عبر أجهزته الموجودة حتى اليوم، وبنهاية الفترة الانتقالية “القصيرة” سنعلن فشل الثورة المجيدة، وانتهاء العزاء بانتهاء مراسم تشيعها إلى مدافن الثورات التي سبقتها في 1964 و1985 لنروي للأجيال حكاية ثورة عظيمة ولكن لم تكتمل.

نورالدين عثمان
[email protected]
صحيفة الحداثة

تعليق واحد

  1. شكرا لك يا أستاذ نور الدين على هذا الطرح الجميل وفى رأيى أن القوى العسكرية هى جزء أصيل ومكون اساسى لمكونات هذه الثورة العظيمة ومساو تماما لقوى الثورة المدنية وبمكوناتها المتعددة بما فيها من كان يحمل السلاح .. وأى محاولة لترجيح كفة على أخرى او ذرع أسفين بين القوتين ماهو إلا عمل إجهاضى لهذه الثورة العظيمه ولو على المدى الغيد – كما تفضل الاستاذ نور الدين – وكانت سببا فى إجهاض تورتى 64 و85 .. صحيح هنالك قوى الآن تقوم بهذا العمل وبصورة ممنهجة لحصد تلك الثمار الخبيثه إن كان آنيا او على المدى الطويل وهؤلاء فى تقديرى مقدور عليهم والآن لو تكاملت قوى الثورة جميعا ولكن مابال من يحمل نفس المعول لهدم المعبد من المحسوبين على الثورة إن كان بحسن نية او تغليبا لحاجة فى أنفسهم .. !!
    لذلك ومن رأيى فعلا أن تتم معادلة جديدة تمشيا مع اقتراح الاستاذ نور الدين وأن تحكم هذه المعادلة بقانون قوة الثورة نفسها لاجتثاث هذا الوباء الذى تحكم فينا على مدى الثلاثين عاما ولايزال مسيطرا بل يتوعد ( بأن لا أحد يحكم بعدنا ..!! ) ( صرح قادتهم بهذا وعلى رؤوس الأشهاد ..!! ) وقد بدأوا وبالفعل فى عمل منظم لتنفيذ نواياهم ( استعراض قوة ) فى مدنى والأبيض والخرطوم وفى الدبة شمالا تمهيدا لما هو آت ..
    فهل تنتبه قوى الثورة وتأخذ الأمر مأخذ الجد وفى يدها قانون قوة الثورة أم نعش فى ممحكات قوانينهم التى وضعوها هم انفسهم لكيف نحاكم من سرق او من قتل منهم ..؟؟ وهل القانون ( قانونهم هم أنفسهم !! ) يسمح بعزل هذا الفاسد المعوق للمنشأة التى هو على رأسها أم لا .. ؟؟ فى إعتقادى هذه ( دروشه ) لاتليق بمن كلفته هذه الثورة العظيمة لإدارة امرها والتى ماجاءت إلا بعد تضحية غالية ودماء عزيزة لن يكررها الزمان .. فمن يقدر قيمتها فليتقدم أما ( الدراويش ) فشكر الله سعيكم وهذا هذا ليس زمانكم .. صحيح نعم كان شعارنا حرية سلام وعدالة ولكن كيف نعطى هذه القيم لمجرم وقد اعترف بكل الجرائم التى مارسها علينا او يوجد هنالك من الشواهد مايشير الى ارتكابه تلك الجرائم ..؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..