عن الحرب والحب والعزلة

العدو ليس من يرفع سلاحه عليك فحسب بل أيضا مخاوفنا ونحن بحاجة متزايدة للمواساة والتطمين.
ميدل ايست أونلاين
بقلم: قاسم محمد مجيد
الحرب كريهة وقصيدة الحرب مفتوحة على اتساع الجرح والحياة
ليس عيبا أن يكون القلب مثل بيت مهجور تسكن فيه الأشباح وينهشه طائر القلق.
حين تجد نفسك وحيدا الا مع نفسك يتضخم الإحساس بالقيد وسرطانات الخوف تتشظى كريات سوداء من العزلة. ولأننا نشعر بالوحدة نسمع صمت الوادي ونداءات القصيدة ونسأل لم الحب تاركا “وراءه سلاما واسعا وجملة مفيدة ورسائل بلا جواب؟”.
في بلدي يحتفل الخراب بميلاد الشك والعودة للبدائية وقطار الحياة يمر بطيئا مغرقا الأرصفة بدخانه، ليس مهمة الشاعر إخبار الناس بما يفعلون رغم ان القصيدة توسع معرفتنا بالخيار الأخلاقي.
لكن الشعر يحتفظ بنكهة الرسائل البيضاء المستطيلة الشكل والبيانات الرسمية لذا حارب الشعراء بأسلحتهم الخاصة أي الكلمات، فيما قصائدهم تمنح قوة شهادة العيان!
والصورة الشعرية لن تفقد قبضتها على الخيال وخلف الحقول الساكنة حتى وان كان لا قمر مضبب ولا عندليب يغرد. ولكن كيف يتسنى للمرء ان يدرج طي النسيان تلك العاطفة العارمة!
استوقفني منشور كتبته الاعلامية القديرة امل كاظم، على شبكة التواصل الاجتماعي “الفيس بوك”:
“بداخلي الكثير من الآلام التي لا استطيع بثها في الأوراق .. تكاد تخنقني.
فأشعر وكأن قلبي سيتوقف أو أنه في طريقه إلى الانفجار، لا أستطيع وصف الحال.. فبداخلي أكبر بكثير من أي كلمات .. لذا فلتعلموا .. ان ابتسامتي لا تعني سعادتي .. لكنها تعني اني قد برعت في التمثيل حد الإتقان”.
هل هذا المنشور هو تعبير عن سببية واضحة أو هل قناعاتنا عن الرضى زائفة .. وهل هو أيضا الإحساس العالي بعمق الصدمة!
لكن يبدو أن لا صله بين في وقت ما والحاضر. نقطة التداخل في الزمن حيث تصبح الحرية ضرورة والصور عشوائية للحياة وللحرب وتنفتح على مصير اسود.
ولا صور كوميدية للحرب أو ساخرة ولا إعادة لاكتشاف الحب سوى التقاط الصور للغربان ومدافع دبابات وجثث ومساءات متشحة بالسواد. العدو ليس من يرفع سلاحه عليك حسب بل ايضا مخاوفنا ونحن بحاجة متزايدة للمواساة والتطمين، حيث الزمن يتراجع ولم تعد القصيدة نداءات نرمي من على ظهر سفينة متعبة أخر أمنيات بدت مستحيلة.
أرصد الشعراء الذين يكتبون قصيدة الحرب وهم بالمرصاد للموت والوقت المضيع بلا فائدة يعلنون ان الحرب كريهة وقصيدة الحرب مفتوحة على اتساع الجرح والحياة بلا شفقة!
كل شعراء الحرب يشتركون بنعي الحياة والرافدين نهرين من رماد وان الوطن على فراش الاحتضار بل بعضهم هجر الشعر كئيبا غير قادر ان يمنح قلمه نصا يطاول سماء المحنة، فلجا الى كتابة اليوميات لأن الماضي وحده يملك وجودا واضحا!
لم يكتب قصيدة الحرب غرباء او سواح أنهم هنا في اتون الحرب والجوع والخسارات الفادحة للحياة.
وفي الفيس بوك تتعاظم لغة التطرف وتنهال الشتائم وكأنه ميدان حرب فيتجلى الخوف شاهدا على عمق الأزمة في مجتمع تنهش به الأحزاب الإسلامية وشلة من الساسة الفاسدين بل أحيانا تشعر ان الفيس بوك مقهى يشبه ثقب الكهف اغلب رواده ضفادع لا تكف عن النقيق.
يقولون في الحرب الخوف قبيح دائما لذا غابت اللغة العقلانية وما عاد بوسعنا أن تزحف إلينا بضعة لحظات من الهدنة,
في الفيس بوك العالم الافتراضي تتعايش الحرب والحب والعزلة على سطح واحد وبين شساعة الحقيقة البشعة بان معظم ما يحدث ليس له معنى.