اقتراح بتشكيل منظمة “ندرس”

جعفر عباس

أكتب هذا المقال من لندن، التي وصلتها قبل نحو ثلاثة أسابيع، ووجدت نفسي خلال الفترة الماضية مضطرا لمتابعة الصحف البريطانية، ووجدت في هذا متعة شديدة: لا حوثي، لا سيسي، لا مالكي، ولا بغدادي، وإذا تعرضت تلك الصحف لقضايانا المزمنة، ففقط فيما يتعلق بالبريطانيين الذين ينضمون لتنظيم الدولة الاسلامية.

ولو كنت أعمل في صحيفة غير عربية، لنهجت نفس نهج الصحافة البريطانية: ما عنصر الخبر في مقتل كذا وعشرين جنديا عراقيا في موقع ما؟ ألم يكن هذا ما يحدث طوال ال 12 سنة الماضية؟ وعلام التساؤل مع الشاعر السوداني محمد الفيتوري: لماذا مشى قاتلا ثم عاد قتيلا؟ ما الجديد في موت كذا شخص في ريف حلب أو درعا بالبراميل المتفجرة؟ الخبر هو أن يتوقف بشار عن ممارسة الإبادة الجماعية لشعبه، ولو فعل ذلك فسيحمل الناس على التشكك في أنه من صلب حافظ الضبع!

أُمُ القضايا في أجهزة الإعلام الغربية، هي ورطة اليونان المالية، ورغم أن فهمي للأمور الاقتصادية “قاصر” إلى حد كبير، إلا أنني استنتجت من الطريقة التي فرضت بها دول الاتحاد الأوربي شروطا مذلة، لإقالة عثرة اليونان، إن الرأسمالية غير المقيدة بأي شرط، غول لا يرحم عدوا أو حبيبا، فاليونان جزء من الاتحاد الأوربي والعملة الأوربية الموحدة، وهو المشروع الذي يهدف لتوحيد الدول الأوربية في إطار دولة واحدة.

ولكن ساعة الزنقة اليونانية نسيت دول أوربا الكبرى (ألمانيا وفرنسا) حكاية الظفر الذي لا يطلع من اللحم، واشترطت أن تساعد اليونان مقابل قبولها الخضوع لـ”الوصاية”، وهكذا تشهد أوروبا معاهدة فرساي جديدة، تضع الضعيف تحت أقدام القوي، بشروط تجعله أكثر ضعفا، وما لم يقبل بذلك فالباب ”
“يفوت جملا”.

ولو كان يطاع لي أمر، لنصحت الحكومة اليونانية بقطع المفاوضات مع الاتحاد الأوربي وصندوق النقد الدولي، وإعلان الامتناع عن سداد الديون، بل المضي إلى أبعد من ذلك، بتشكيل “نادي الدول الرافضة للسداد”، وتُعرف اختصارا بـ”ندرس”، وقد رفضت الأرجنتين سداد ديونها الأجنبية في عامي 2002 و2014، وطلبت من الدائنين أن “يركبوا أعلى ما في خيولهم”، متعللة بأن الديون ربوية، وأن فوائد و”خدمة” تلك الديون أعلى من أصول الديون بأضعاف مضاعفة، وإزاء وقفة “الرجال” تلك (كانت في واقع الأمر وقفة “نساء” لأن من اتخذ قرار الامتناع عن سداد الديون كانت امرأة: الرئيسة كرستينا كريشنر)، فما كان من الدائنين إلا أن تخلوا عن صلفهم، وصاروا يتوسلون للأرجنتين: لا إشكال .. يمكن إعفائكم من نسبة قدرها كذا في المائة.. يفتح الله.. حسننا ادفعوا أصل الدين على عشر سنوات.. لن ندفع.. طيب على 30 سنة وسنعطيكم قروضا غير “شايلوكية” لتسيير اقتصادكم.

أذكر أن حكومة المارشال نميري في السودان، رفضت في ثمانينات القرن الماضي تمويلا من البنك الدولي ب100 مليون دولار، لإعادة تأهيل السكك الحديدية، ولما استغرب الناس الرفض، شرح وزير المال أن 64 مليون من ذلك المبلغ، كانت ستعود إلى خزينة البنك الدولي “نظير خدمات استشارية”.

بكل جدية: ماذا سيحدث لو شكلت الدول الغارقة في الديون ناديا، ورفضت مجتمعة سداد الديون؟ سيقول قائل إن تلك الدول ستحرم نفسها من تمويل مشاريع أساسية مستقبلية. ولكن هذا “كلام فاضي”، فمعظم الدول المدينة ظلت تعاني من البلل، وكما يقول المثل السوداني فإن على من ابتل أن “يعوم”، أي يمضي إلى آخر الشوط، وما سيحدث هو أن الدول الدائنة هي التي ستركع أمام المديونين وتتوسل، ليس فقط لاسترداد ولو جزء من أموالها، ولكن لأن المرابي يجد متعة في الإقراض، ولا يفقد الأمل في أن يتمكن في مرحلة ما، من لَي أذرع المدينين.

والشاهد، هو أن الدول الأوروبية ليس عندها ? بالمصري – “يمّه ارحميني”، فها هي تفرض الوصاية على اليونان وتطالب الحكومة اليونانية بخفض الرواتب وزيادة الضرائب وأسعار السلع الضرورية، وهذه سانحة لو أحسن اليونان استغلالها، فسيعيد أمجاد قدماء الإغريق الذين علموا البشرية الفلسفة. أعني أن يعلموا الشعوب المقهورة التمرد على صندوق النقد وبنوك الغرب، لتضرب الأخيرة رأسها بالجدار أو تشرب من أعالي البحار.

عربي 21

تعليق واحد

  1. يعنى يا ابا الجعافر المرأة الأرجنتينية دى والله ارجل من كل وزراء المالية الذين تبأوا هذا المنصب منذ عام ( 1989 ) . والحل لسداد الديون السودانية هو ان نفتش عن امرأة سودانية تقوم بنفس المهمة دى وتريحنا من ديون السودان وبالمناسبة دى كم يبلغ أصل هذه الديون وكم هى الأرباح المترتبة عليها ؟ نرجو من وزير المالية أن يصدر للشعب المديون كشفا بهذه القروض وتفاصيل عنها الخ .. وبمناسبة المرأة السودانية التى سوف تأدب الدائنين وتديهم درسا فى الأخلاق وفى المعاملات بين الدائن والمديون اقترح على الأستاذ الفاتح جبرة ترشيح هذه السيدة فهو خبير فى هذا النوع من النساء وله علاقات قوية بهم وخاصة الفنانة عوضية عضلات .

  2. “أكتب هذا المقال من لندن، التي وصلتها قبل نحو ثلاثة أسابيع، ووجدت نفسي خلال الفترة الماضية مضطرا لمتابعة الصحف البريطانية، ووجدت في هذا متعة شديدة”
    اخ اخ اخ من تمجيد وتعظيم الذات دهية تخمك ياعجوز يامتصابى

  3. يجب الا تنسى بان دول الاتحاد الاوروبى مستاءه من سوء الاداره و البذخ الذى تعيشه اليونان فى مقابل قلة دخلها فباختصار اليونان تعودت على المال السائب الذى ياتيها من الاتحاد الاوروبى ولم تحسن انتاجها او وضعها او نظم ادارتها والقصص عن الفساد لا تنتهى من معاشات تصرف منذ الخمسينات تبلغ 75% وبالتاكيد اصحابها فى عداد الموتى الى حوافز تمنح لمن يغسل يديه بالمطهر بالاضافه الى المعاشات الخرافيه التى يتقاضاها اعضاء البرلمان اليونانى التى تفوق نظيراتها فى الدول الغنيه
    هذا النوع من الفساد لا يرضى الدول الكبرى المانحه التى تلتزم حكوماتها بنظم مراقبه صارمه لا تتردد فى اقالة اى وزير او رئيس وزراء تحوم حوله شبهة الفساد وتفرض على نفسها سياسات تقشفيه من حين لاخر حتى تستطيع العيش حسب امكانياتها

    لذلك اليونان جنت على نفسها الى حد كبير فاما ان تقوم بتطبيق نفس نظم الاداره والشفافيه لتحسين ادارتها وتعيش حسب قدرتها او ان تتخلى عن الاتحاد الاوروبى وتستمر فى نهجها الاقرب الى دول العالم الثالث

    الدول الكبرى قادت سياسات شبه استعماريه للدول الصغيره منذ انتهاء الحرب العالميه الثانيه ربما بسبب الخوف ولكن مؤخرا اعطت الفرصه للعديد من الدول باسقاط جزء كبير من الديون واغلب الوقت تكون الشروط هى فى خدمة الدول الصغيره مثل تحسين نظم الاداره ورفع مستوى معيشة المواطن والدول الذكيه هى من تلتقط هذه الفرصه ومن ثم تقاوم اكثر فاكثر من موقف قوى بانها تصرف على مواطنيها وقد يكون ههذا ما فعلته الارجنتين ولكن ان تستمر فى طينها فليس لها من امل فى اى تفاوض وستدخل فى ورطة اليونان ولا تنس بان الدول الفاشله والتى لا تسعى لزيادة انتاجها هى التى تجرى وراء الديون وليس العكس

    يجب الا نرمى بالائمه على الغير دائما بل ان ننظر الى ما جنته يدانا اولا

    كل عام وانتم بخير

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..