كـشـه

تداعيات
ــــــــــــــــــ
“يا شاويش علي ”
قفز ” الشاويش علي ” برغم سنواته التي قاربت الخمسين ، قفز وكأنه يعلن عن شبابه ، قفز من على كومر البوليس واتجه نحو الضابط ، فرفع تحية بإخلاص أدمن التعود أمام الضابط ” سالم ” .
” نحن حندخل على الحلة جوه ، أنت أنزل هنا كش لينا ” كلتومايه ” لمن نجي راجعين نلقاها هي وعدتها بره ، ما تتهاون معاها أبدا ، مفهوم ” .
” مفهوم جنابك “، قالها ” الشاويش علي ” رافعا يده بالتحية ، متأكد تماما من مهمته ، واتجه نحو الاتجاه الذي يقوده إلي ” انداية ” كلتوماية ” بينما تحرك كومر البوليس متوغلا أكثر بهديره المعروف .
قبل أن يصل ” الشاويش علي ” الى بيت ” كلتوماية ” كان خبر ” الكشة ” قد تسرب إلي الحلة ، وذلك أن الأطفال لم يتوانوا في صنع زفة صغيرة تركض خلف ذلك الكومر المشهور معلنة عن ذلك الحدث الهام ، وحين شعر أفراد قوة البوليس التي تنظر باستمتاع إلي ذلك الموكب الطفولي من عل ، وحين شعروا بالزهو وبجلال المهمة ، كان ” الشاويش علي ” قد اقتحم بيت ” كلتوماية ” بغتة, فتح ذلك الباب الحديدي القديم ودخل مشهرا سلطته بينما كانت ” كلتوماية ” و ” حوة بت الصعيد ” و ” عفاف الغناية ” يدخن البرنجي ويشربن القهوة بذلك الاستمتاع المعروف عادة في العصريات .
” يا حليمة . كبي لينا – من قزازة الزفت ده ”
كان عصرا نديا أعطته الغيوم من رذاذها الخفيف دفقات من النشوة ، كانت ” حليمة ” تنضح بالبشر وتدور حول الجميع منسابة مع الغناء وترانيم عود ” أبشر ” الترزي ذو الوترين فقط ، بحميمية وعذوبة متناهية تتعالي أصوات الكل ليتداخل معها ” رجب ” بائع ” الطايوق ” معلنا عن نشوته العارمة .
” ده منو دا ؟ ”
وهنا تأتي الإجابة منغمة بانسجام تلقائي من جميع الباحثين عن معنى
النشوة .
“ده العسكري ”
” عايز شنو ؟ ” , يقف رجب على البنبر ويشير بيديه ”
” عايز يزدري ” ، إجابة جماعية قاطعة ”
” علي منو ؟” يقفز ” رجب ” الى الأمام
” على علي ” كورال من العذوبة ”
” علي منو ؟ ” ,رجب يتهز بالتساؤل
” الما يجينا إلا ساعة الانيشا ” , يردد الجميع ويذوب صوت ” رجب ” مع تلك النشوة الجماعية ”
” يا حليمة . كبي لينا – من قزازة الزفت ده ”
حين كان ” ود السنجك ” يستعد ليتداخل مع تلك الأغنية الجماعية مرددا نفس التساؤلات التي رددها ” رجب ” لتكتمل الأغنية في دائرتها الازلية وموضوعها الدائري والمكرر ، داهم كومر البوليس المكان ، اعتنى أفراد تلك القوة بالرواد الكرام واعتنى اخرون ” بحليمة ” حيث حملت كل الأواني التي لها علاقة بالعملية ، على ظهر الكومر المشهور تكومت تلك الفرقة الغنائية ، فقد عود ” ابشر ” الترزي أحد الوترين ، ” ود السنجك ” اكتفى فقط بوضع ” سفة ” بين لسانه ،”رجب” مصر على حواره مع البوليس دون جدوى ،” عمر فارغة ” يضحك برغم كل شئ ،” سلمان ” يبحث عن فردة حذائه ويمنعه البوليس من النزول وصعدت ” حليمة ” مع أوانيها الفارغة والممتلئة بدون مشقة على ظهر الكومر ـ حين هم الكومر بالتحرك, نظر ” رجب ” إلي أحد أفراد البوليس بكل تلك الرغبة في الخلاص قائلا : -” شنو يا أخوانا انتو مصرين على المسألة دي ؟ ” , ضاع تساؤل رجب محاطا بذلك الصمت القاسي والرسمي .
في بيت ” كنتوشة ” كان ” النور الكج ” قد بدأ في إعلان الإثارة اليومي ،” عتوت ” معروض لصاحب الحظ الذي يفوز به بواسطة ” الكرتلة ” ،عادة ما يذبح صاحب الحظ ذلك ” العتوت ” مشاركا الجميع في حظه و” كنتوشة ” وابنتها ” سميرة ” كفيلتان بتجهيز الوليمة ، يدور ” النور الكج ” بالكرتلة ” على الرواد المتناثرين هنا وهناك عارضا برنامج الإثارة على الجميع ، ولا ينسى مطلقا أن يتقبل الكاسات كهدايا تنهال عليه ويحفظ كل فرد رمزه في الكرتلة بعد أن يدفع ثمن هذا الرمز الذي اختاره .
في ذلك العصر أضاع كومر البوليس على ذلك الجمع المنفلت من بيت كمنتوشة متعة فتح الكرتلة لإعلان صاحب العتوت المحظوظ داهم البوليس منزل كنتوشة وصعد الجميع على ظهر الكومر بينما ظل ذلك العتوت مربوطا أمام الراكوبة واستطاع بمجهود بسيط أن يجذب طرف ملاءة قديمة كانت تحاول أن تعطي ذلك اللحاف المهترئ والمتسخ ،كان العتوت يمضغ طرف الملاءة مستمتعا بنجاته من ذلك الموت المرتبط بحظوظ أولئك البشر .
حين خرج ” رحمة الله ” من بيت ” مريوم” يحمل كيس الثلج في يد وفي الأخرى جردل البلاستك المعبأ بالعسلية وقف كومر البوليس أمام بيت ” مريوم” , حاول ” رحمة الله ” أن يهرب راكضا بعد أن وضع الجردل سريعا علي الأرض ولكن صوت الضابط ” سالم” جعله يتراجع عن ذلك فعاد ” رحمة الله ” طائعا وصعد علي ظهر الكومر بينما كان أولئك الذين تشرفوا من قبل بصعود ذلك السجن المتنقل يضحكون بانفلات . رجب الذي يحاول دائما أن يضرب الهم بالفافة نظر ألي كيس الثلج الذي يحمله ” رحمة الله ” وعلق قائلا ” بالثلج وكده ” وضحك الجميع ماعدا أولئك الذين يتضخم في دواخلهم معني الفضيحة .
حاولت ستونا أن ترشي البوليس دون جدوي فصعدت علي ظهر الكومر لاحقة بالأواني ولكنها أصرت أن ترتدي ثوبها المضغوط وان تكحل عينيها وجلست وسط زميلاتها بتأفف شديد .
(( يا سهاري تعالوا شوفو ألبي
الحبيبة ما قست علي ))
يدندن ” عباس ركس” باستمتاع وهو يترنح في شارع السلخانة كان عائداً من قيلولته الاستشنائية التي امتدت حتى نهاية العصر حين مر به كومر البوليس محتشدا بأولئك السكارى وصانعات الخمر وقف الكومر أمامه فما كان من ” عباس ركس ” آلا أن رحب بتلك الوقفة ذات القصد المعروف قائلا شكرا يا شاب ” دفرة لي قدام ” ,استغرب ” ركس ” لتلك الضحكات التي استقبلت سؤاله وحين صعد علي ظهر الكومر بمساعدة أحد أفراد البوليس الذي كان يكتم ضحكته هنا انتبه عباس ركس ” بوليس عديل كده ” .
غابت شمس ذلك اليوم لتترك الغيوم حريتها وبعد أن تلونت سماء ذلك اليوم بلون الشفق ، كان وقتها كومر البوليس عائد من تلك الجولة التي بسببها احتشد الفوج المتنوع من البشر علي ظهره ،استسلم الجميع الي الأمر الواقع وفكر البعض في عواقب الأمر ،اختلطت أحاديث السكارى ،” عباس ركس ” عاد بلا مبالاة الي الترنم ,” ستونا ” تثرثر تحاول إظهار عزتها،” سميرة ” ابنة ” كنتوشة ” الخوف يظهر في عينيها ، باستغراق شديد يحاول ” ابشر ” الترزي أن يربط الوتر المقطوع في عوده ,” رحمة الله ” يعاني وسط هؤلاء السكارى من وعيه ويحس بحجم الفضيحة ويفكر في الشلة التي تنتظرة ,”رجب ” اعتدي علي كيس الثلج ,”حليمة,” صامتة وتضع يدها علي خدها ,أفراد البوليس يحيطون بالجميع إحاطة السور بالمعصم, ,”حليمة,” تحس بالملل لأنها تحملت عبء كل تلك الجولة وهي علي ظهر الكومر ,”النور الكج “,بنظز الي الكارثة التي في يده ويفكر في مصيرذلك العتوت ,الكومر يهدر بصوته الذي يزن في أذن الجميع مكثفا معني الجريمة , يسير بين زقاقات الحلة في رحلة عودته ويصيح الأطفال راكضين خلفه:(( الكشه الكشه الكشه)) .
صيحات الشامتين تصاحب ركاب الكومر بتلك التجمعات الصغيرة لا يملك أولئك الباحثون عن الأخبار و الحوادث ألا تلك الرغبة في التعرف علي شخصيات ركاب ذلك الكومر ،حين وصل الكومر الي نفس ذلك المكان الذي فيه الشاويش علي ليؤدي مهمة القبض علي كلتوماية, وجد الضابط سالم المكان خاليا تماما من الشاويش وكلتوماية واوانيها حسب الاتفاق ،أمر الضابط سالم السائق بالتحرك في اتجاه بيت كلتوماية أملا في أن يكون الشاويش علي قد أدى مهمته وهو ألان ينتظر أمام البيت ،اعترض طريق الكومر خور عريض مما جعل الضابط سالم يأمر السائق بالوقوف لينزل هو كي يتأكد من وجود الشاويش علي أحس بأن هناك خللا في مكان ما ,نظر الي يمينه لم يجد أي أثر ,تحرك الي بيت كلتوماية سمع أنغام دلوكة حين وصل الي الباب الحديدي القديم ,كان صوت الدلوكة قد اختلط مع غناء عذب ،فتح البابن ،رأي أول ما رأي كاب الشاويش علي ملقي على أحد البنابر وكانت عفاف الغناية تضرب علي الدلوكة وتغني حوة بت الصعيد وكلتوماية يصفقن بمتعة ويشاركن في الغناء بينما الشاويش علي يضع الكأس علي رأسه الأصلع ويتمايل طربا ، وقف الضابط سالم مدة ينظر ألي الاحتفال الصغير الذي تحول فيه الشاويش علي الي راقص محترف يعرف كيف يتحكم في الكأس الذي يتوسط رأسه الأصلع ،استعذب الضابط صوت عفاف الغناية الشجي .
(( حبيبي تعال نتلم
ما دام الريد اختلط بالدم
يا حبيبي )) .
نظر الضابط الي الكاب الملقي على المنبر، الشاويش علي يرقص بمتعة متناهية دون أن تسقط الكأس من علي رأسه، لم يملك ألا أن يبتسم ويقفل الباب ويرجع الي حيث يقف الكومر محتشدا بضجة وثرثرة أولئك السكارى صعد الضابط سالم وجلس علي المقعد الأمامي أمر السائق بالتحرك .
****
[email][email protected][/email]
ابداع وامتاع, لا جف يراعك
ياحليللللللللللل زمن المريسه والمـــــــــزه والناس الطيبه . كانت ايام لها ايقاع . تكاد
الجريمه ان تكون معدومه بالمره .. جاءت الجماعه الطين وطينت البلد طين .. لا نملك ونحن نقرأ لك الا
نشكر الله الذى قيض لنا هذا اليحيا الذى اعده مفخرة كنيل بلادى مع فارق العطاء
صور لواقع ناس بسيطه كانت تضرب الهم بالفرح كانت تهرب من الواقع الى الامام يعيشون اليوم وغدا يوم اخر..مزيد من الابداع يا يحى وربنا يديك العافيه .
ممتع ، ارجـو ان تبداء في كتابة القصة الطويلة.
النحات بنجرات قليلة يحيل سكون الصخرة الى ضجيج بايولوجي. يحي بقلمه الساحر احال سلسلة من سلاسل احداث يوم عادي الى حكاية من حكايات الليلة الثانية بعد الالف. شكرا.ايها الحكاء الكبير.
زمن الانادي لمن لم يعيشوا تلك الايام كانت الانداية موجودة في كل مدن السودان فيها يقضي بعض الناس اوقات جميلة يشربون ويرقصون ويأكلون وبانضباط تام تقفل الانادي قبل المغرب لا توجد جرائم او سرقات او اعتداءات او تحرشات كما يحدث الان
اذكر كان اول رواد الانادي في امدرمان هم الجزارين و الخضرجية لانهم يكملون عملهم قبل منتصف النهار ويحملون معهم أطيب انواع اللحوم يحتسون المريسة والعسلية والعرقي ولكل الانادي ظريف او مجموعة ظرفاء كبائع الكرتله وبائعي الاطعمة وغيرهم
يرتاد الانداية كل شرائح المجتمع من عمال وموظفين وعساكر وادباء وشعراء ومغنيين لم تكن هناك سرقات او اعتداءات واذا حدثت اي تفلتات يتم احتواؤها سريعا وتجد رجال الشرطة يطوفون لحفظ الأمن والتأكد من عدم تجاوز الزمن المحدد لفتح الانادي
أظن القصة كتبت بعد بداية محاربة ومطاردة الخمر والخمارين بعد قوانين سبتمبر وما يسمي بالشريعة والتي ارتكبت باسمها من الجرائم ما يشيب له الولدان تم تشريد الآلاف من اعمالهم باسم الصالح العام تم قتل الآلاف في الحروب الاهليه انتشرت جرائم التعدي علي المال العام وجرائم الشرف والاغتصاب وانتهاك الحرمات والتنكيل والتعذيب والنفي ظهرت جرائم التحرش بالأطفال والنزوح والتشريد وتشويه النسيج الاجتماعي وتحول المجتمع من مجتمع متكافل الي متنافر ومسحت شخصية المواطن السوداني
انت مبدع بالجد ،،، ربنا يحفظك ويطول في عمرك يايحي
كتاباتك تاخذنا الى زمن جميل… زمن النفوس الطيبة والقلوب التي لا تعرف سوى الطيبة
زمن نفوس راضية بالقليل ودواخل لم تفقه كنه الكراهية ولا مدلولات التعنصر والتعصب
الحلة بكل تفاصيلها ..باذقتها وشطآنها الرملية والشفع الجارين خلف كرة الشراب
الا ليتها تعود تلكم الايام الجميلة ..الا ليتها تعود للنفوس صفاءها وبريقها وطيبتها المفقودة
ماذا حدث لنا؟؟ وماهي الاشياء التي جعلت الانسان السوداني يتغير ذلكم التغيير المرير المروع
لماذا انحسرت كل الاشياء الجميلة
” بالثلج وكده “
يا سلاااااااااام والله عشنا معاك فى القصة الحقيقة والمتعة القديمة والايام الجميلة ..
عارف يا يحيى كلامك زمن الدنيا بخير والبلد لسه فيها امل والناس طيبة رغم وجود كل شى
حدائق العرضة الرفيرا الجندول ياخى يا يحيى تعبتنا والله ….
والله يا يحيى كلامك الفوق ده ريحينى راحة عارف لية لانو الناس سكرت زمان غلط مفروض تسكر اسع لانو الوضع محتاج هروب ولو مصنوع …
تحياتى وكل الود
مغترب هارب
اه يا زمن وقف شويه يا لها من ايام رائعات لم يكن فيها غل ولا نفاق ولا حسد شكرا لك يا يحي الجميل صاحب التداعيات الرائعه شكرا لضابط البوليس الروعه الذي جعل الشاويش يكمل بقية النشوة مع العقد النضيد (حبيبي تعال —تعال—نتلم ما دام الريد اختلط بالدم —-انا ذنبي ايه ؟شيلوني الهم)
يا يحي لا تتوقف عن رسم الحياة التي لا تنفك تفقد معناها وسط هذا الضجيج المفتعل فبالكاد يسمح لنا الضجر بملامسة حروفك النابضة
كن بخير
والله يا يحي ممكن اتصلبت فيك واقول قريت معاك الابتدائى ابدع والله لابعد ابداع!
لا يمكن نمر دون قراءة مواضيعك
نفس الحاصل الان
لماذا يحاكم الاخرين ناس بالثلج فى الشارع وناس بالثابته ابتسامه وقفل الباب