الولاية الشمالية … وشهد شاهد من غير أهلها

الرحلات والزيات الميداية في مختلف مراحل التعليم لها فوائدة كثيرة ومتعددة. أذكر أنه في السابق كانت هناك رحلات تعريفية متبادلة بين المدارس تتبعها دائماً أنشطة رياضية، خاصة في كرة قدم ، بجانب أنشطة ثقافية تبرز وتصقل مواهب التلاميذ. أقل أنواع الرحلات كلفة كانت ضمن منهج الجغرافيا الذين كان يطول بالتلاميذ في أقاليم السودان المختلفة، حيث كانت زيارة القولد والإلتقاء بصديقنا الصديق، ثم بعد للجفيل وود سلفاب وعطبرة وغيرها من أسماء المناطق التي رسخت في أذهان طلاب وتلاميذ ذلك الزمن الجميل.
بعض الجامعات مدرج في برامجها الزيارات الميدانية بصورة إلزامية لتعرف أجيال المستقبل بأن بلدهم السودان متنوع الثقافات والعادات والتقاليد وينبغي أن يكون ذلك مصدر قوة. كثير من مثقي بلادي ومتعلميها خاصة الذين أجروا دراساتهم العليا في “بلاد برة” كما يسمونها أهلنا، تراهم يعرفون مدن وقرى وأرياف تلك البلاد التي درسوها فيه، ولكنهم للأسف لا يعرفون الكثير عن أقاليم بلادهم إلا تلك التي لهم فيها جذورها ويتبادلون معهم الزيارات.
للأسف شخصياً أجهل كثيراً عن أغلب أقاليم السودان رغن مقدرتي على تحديد مواقعها جغرافياً، لأنه لم تتح لي أي مناسبة لزيارتها والتعرف عليها وعلى أهلها وطبيعة العيش فيها. صراحةً كثيرون يظنون (وبعض الظن إثم)، أن الشمالية هي جنة الله في الأرض وأن أهل الشمالية “خامين” خيرات البلد كلها، وأن كل ميزانيات السودان موجهة نحو تلك الولاية. كثيرون يعتقدن أن مؤسسات الدولة بالشمالية من مدارس ومستشفيات ومؤسسات حكومية أخرى من أعلى طراز من البنايات والأثاثات.
هذا الظن وهذا الإعتقاد بأن أهل الشمالية مروقين (وكاتلين جداد السودان وخامين بيضو)، بحسب ما يقول المثل الشعبي، ناتج مما حظيت به الشمالية من تمثيل مقدر في الجهاز التنفيذي الأعلى للدولة وعبر كل الحقب، والإعتقاد السائد أن أولئك المسؤولين وجهوا كل الميزانيات نحو تنمية ورفاهية مناطق أهلهم هناك.
أتيحت لي الإسبوع الماضي السفر حتى تنقاسي السوق بطريق شريان الشمال لتقديم واجب العزاء في والد زملاء وأصدقاء لي بالجامعة. ذهلت بما رأيت من فقر مدقع وبؤس شديد ووضع مذري للخدمات ما كنت أتصوره إطلاقاً، وعلى طول بدأت المقارنة مع قرى ومدن ولاية الجزيرة التي لا يمكن مقارنتها مع رصيفاتها بالشمالية، وينسب ذلك التطور والطفرة في الخدمات للمسؤولين من أبناء المنطقة الذين أتيحت لهم فرص تنمية مناطقهم ولم يفوتوها. منذ مغادرتنا منطقة المزارع شمال غرب أم درمان لم أر ما كنت أتوقعه. على طول الطريق قرى بائسة تكاد تنعدم فيها الحياة ومبانيها لا تتناسب مع الطفرة المعمارية التي شهدتها معظم أقاليم السودان، ويمكن تصنيف تلك المباني بالأثرية.
الأرض قاحلة جدباء إلا من بعض الخضرة في أماكن زراعة النخيل، حتى زراعة النخيل الذي اشتهرت به المنطقة لم يخرج عن الطور التقليدي ولم تشهد زراعة النخيل أي تطور في تقنيات الزراعة أو استحداث سلالات جديدة، وتساءلت هل زراعة النجيل الذي ينتج مرة في العام مجدية إقتصادياً في ظل ما تواجهه زراعة النخيل من أمراض محتملة أو أمطار غير متوقعة تؤدي إلى ضياع المحصول وفشل الموسم الزراعي، وحتى في حالة نجاحه هناك مسألة تدني الأسعار وتكلفة الترحيل إلى مناطق الإستهلاك.
أن الأوان لاستبدال زراعة النخيل والتمسك بورثة مهنة الأجداد والتفكير في محاصيل نقدية أكثر عائدة وربما تنتج أكثر من مرة في السنة. نشتكي في النيل الأبيض عندما نشرب من البحر مباشرة. أهلنا في الشمالية يشربون كدراً وطينا. عندما عرضت علي الموية للشراب ظننت في بداية الأمر أن ما يقدم لي عبارة عن عصير قنقوليز(تبلدي) مركز من شدة حمرة الماء، ولما استفسرت قالوا لي هذه محسنة ومعاجلة ويمكن شابها ولكني والحق لله أشرب من ذلك الماء رغم محاولة أصدقائي بأنها صحية وكويسة. أكدوا لي المياه في شهر ثمانية أيام الطمي والفيضانات “خبوب” عديييييل. الله في عونكم ]ا أهلنا في الشمالية فأنتم صابرون لدرجة حتى مياه الشرب النقية ما لاقين تستمتعوا بيها.
طريق الزلط ما شاء الله عليه من أحسن الطرق القومية التي شاهدتها، مما لفت نظري كثرة أعمدة الكهرباء على طول الطريق وفي كل قرية، بل أن بعض البيون يحيط بها الأعمدة من عدة جوانب، إضافة إلى الأعمدة المرمية أيضاً، ولما سألنا قالوا لنا هذه خدمات السد. سخرنا أثناء الرحلة من زملائنا ال”فالقين” دماغنا كل مرة ماشين البلد وجايين من البلد، وشفقنا على أهلنا في قرى الشمالية التي مررنا بها وثمنها صبرهم على الحال الذي هم فيه. تنقاسي السوق التي زرنا أحسن حالاً غيرها من حيث المباني والعمران وشوارع الزلط حتى في داخل “المدينة”، بجانب “الرقشة” الظاهرة على معظم أهلها. سعدنا في رحلة بالإستماع إلى اللهجة الشايقية من مستقبلينا ومضيفينا( جرة وكسرة الحروف) وسعدنا أكثر بتذوق قراصة الشايقية بالويكي.
يا ناس المركز نظرة بسيطة لأهلكم في الشمالية الذين يمكن وصفهم بالمهمشين نتيجة للأوضاع التي يعيشونها وسكوتهم عن أوضاعهم لا يعني رضاهم عن ذلك. هذه الزيارة جعلتني أضيف الشمالية إلى مناطق دارفور وكردفان والنيل الأزرق وعدد من أقليم السودان التي يعتقد أهلها أنهم مظلومون. وشهادتي عن المنطقة الشمالية شهادة شاهد شاف كل حاجة وأهم من ذلك شهادة شاهد من غير أهلها. عايزين بخيرات بلدنا الفيها نتساوى .. نحلم … نقرا … نتداوى.

د/ بشير محمد آدم ? جامعة الخرطوم

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أخونا الفاضل الدكتور بشير:
    حياك الله وأبقاك يارجل.
    أنا من أبناء الشمالية المهمشة، والتى كما تفضلت، يعتقد الكثيرون من أبناء وطنى أنها جنة الله فى الأرض، فلا هي بجنة ولا عرفت أبسط أسباب الحياة.
    ليتك توغلت قليلا إلى الشمال حيث قرى المحس التى هجرها أهلها تماما وإستقروا بالخرطوم وضحواحيها، هربا من جحيم حياة لا تطاق.
    هل تتخيل أنه بعد مغادرتك مدينة دنقلا شمالا وحتىالحدود المصرية بالضفة الغربية لا يوجد إلا مستشفى ريفى واحد فى قرية “الترعة” وهو نفسه لا يوجد به إلا طبيب عموى واحد، وفى كثير من الأحيان يبقى بلا طبيب.
    فى قريتى بنينا المدرسة الإبتدائية بالمجهود الذاتى وكذلك المستوصف الصغير من تبرعات الخيرين بالمملكة العربية السعودية. حتى رواتب المعلمين ندعمها كذلك من السعودية من آن لآخر. والآن نعمل على إدخال الكهرباء فى قرى المحس عن طريق فرض الرسوم على البيوت، والتى تشكى أغلبها البلى والخواء وهجر الساكنين.
    الشمالية ياسيدى ليست فقط ولاية مهمشة ، بل هي بجدارة أسوأ الولايات المهمشة .
    وياليت القائمين على أمر البلاد والعباد تركوها فى حالها، بل هم يسعون ليل نهار إلى إفراغها مما تبقى من أهلها بدعاوى وحجج لم تعد تنطلى عليهم.
    يعنى يادكتور والله التهميش نفسه صار مطلبا عزيز المنال فى الشمالية.
    لك الله ياوطن.
    لك الله ياأرض الشمال، أرض الحضارات والتاريخ والمجد التليد.
    وشكرا لك على كلمتك المنصفة بحق الشمالية وياليت قومى يعلمون.
    أخوك شهاب الدين م علي/ أمريكا

  2. حرموا المحس وهم على مرمى حجرين من خزان مروي (الذي غذى العالم بالكهرباء) من الكهرباء لأنهم قالوا وما زالوا يقوولن لا لسد كجبار وألف مليون لا لاقامة سد دال في نفس المنطقة المراد محوها من خارطة السودان.
    نعم الشمالية من أقصى جنوبها الى اخر نقطة في شمالها صحراء قاحلة واصدق كلام عن هذا الحال ما قاله الاخ الجنوبي المنتمي لمنطقة أبيي في الجلسة الختامية لما يعرف بالحوار الوطني، أن ناس الشمال أولى بالتمرد – وشهد شاهد آخر من غير أهله.

  3. د.بشير آدم..
    تحياتي..
    كل الشمالية تنقاسي ولو حظك العاثر وجه بوصلتك لأقاصي الشمال لرأيت العجب..من بؤس وفقر وإهمال واضح رغم جل رؤساء أو وزراء الدولة من الشمالية..لا أحبذ تنمية منطقة معينة دون أخرى طالما ولاك الله وبلاك بالحكم من المفترض تقسيم ثروة البلاد لكل بقاع السودان..قالوا ناس جبال النوبة والنيل الأزرق مهمشين على الأقل عندهم طقس ماطر بدل هجير الشمس الحارقة بالشمال..يلا..نقول أيه ونخلي أيه يا دوك..

  4. تحياتي لك د بشير
    لو خدمتك الظروف واتجهت شمالا بعد مناطق الشايقية وبالتحديد مناطق المحس والسكوت لرايت العجب العجاب مناطق الشايقية بالنسبة لها جنة الله في الارض المناطق المذكورة صارت طاردة وقري كاملة هجرت من اهلها لصعوبة الحياة في تلك المناطق وبالذات بعد انحسار النيل وتوقف المشاريع الزراعية وهجرة الابناء لدول المهجر وانا في راي الشخصي ان مناطق المحس والسكوت هي التي من المفترض حمل السلاح ضد حكومة الكيزان لانها همشتهم شر تهميش

  5. جزاء الله خيراً الاستاذ بشير محمدادم، هذه هي الشمالية وكنت اتمنى أن تذهب شمالاً الى دنقلا وشمالها، لترى ما لا تتوقعه، صراحة لولا اهل الشمالية المغتربين والذين يساعدون اهلهم وكل تحويلاتهم للمركز بالخرطوم تستفيد منها العاصمة لافلست الحكومة وميزانيتها. ورغم ذلك الشمالية مهمشة وتنقاسي التي تحدث عنها افضل بكثير من قرى الشمالية شمال دنقلا وجنوبها ايضاً. لولا مساعدة المغتربين لاهاليهم هناك لانتكبوا وحتى مات الكثير منهم، لا صحة لا دواء والمريض يأتي للخرطوم لان مستشفياتها لا توجد بها اطباء اخصائيين بغض النظر عن الاستشاريين. كان الله في عون الشمالية وأهلها، حقيقة الكثيرين في الحكم كما ذكرت من الشمالية على عثمان طه ونافع وعوض الجاز وعبدالرحيم محمد حسين وبكري حسن صالح والمغفور لهم عبدالوهاب عثمان والزبير محمد صالح والقائمة تطول، ولكن دون فائدة. وحديثك ذكرني كلام قرنق وقال الشمالية مهمشة أكثر من الجنوب.
    وحقيقة الكلام يطول في هذا الشأن ولكن لا يسعفني الزمن والمساحة لذكر اكثر من ذلك، فقط قلت اعلق على مقالك حتى لو بالقليل. ولك الشكر مرة ثانية. والسلام عليكم.

  6. أخونا الفاضل الدكتور بشير:
    حياك الله وأبقاك يارجل.
    أنا من أبناء الشمالية المهمشة، والتى كما تفضلت، يعتقد الكثيرون من أبناء وطنى أنها جنة الله فى الأرض، فلا هي بجنة ولا عرفت أبسط أسباب الحياة.
    ليتك توغلت قليلا إلى الشمال حيث قرى المحس التى هجرها أهلها تماما وإستقروا بالخرطوم وضحواحيها، هربا من جحيم حياة لا تطاق.
    هل تتخيل أنه بعد مغادرتك مدينة دنقلا شمالا وحتىالحدود المصرية بالضفة الغربية لا يوجد إلا مستشفى ريفى واحد فى قرية “الترعة” وهو نفسه لا يوجد به إلا طبيب عموى واحد، وفى كثير من الأحيان يبقى بلا طبيب.
    فى قريتى بنينا المدرسة الإبتدائية بالمجهود الذاتى وكذلك المستوصف الصغير من تبرعات الخيرين بالمملكة العربية السعودية. حتى رواتب المعلمين ندعمها كذلك من السعودية من آن لآخر. والآن نعمل على إدخال الكهرباء فى قرى المحس عن طريق فرض الرسوم على البيوت، والتى تشكى أغلبها البلى والخواء وهجر الساكنين.
    الشمالية ياسيدى ليست فقط ولاية مهمشة ، بل هي بجدارة أسوأ الولايات المهمشة .
    وياليت القائمين على أمر البلاد والعباد تركوها فى حالها، بل هم يسعون ليل نهار إلى إفراغها مما تبقى من أهلها بدعاوى وحجج لم تعد تنطلى عليهم.
    يعنى يادكتور والله التهميش نفسه صار مطلبا عزيز المنال فى الشمالية.
    لك الله ياوطن.
    لك الله ياأرض الشمال، أرض الحضارات والتاريخ والمجد التليد.
    وشكرا لك على كلمتك المنصفة بحق الشمالية وياليت قومى يعلمون.
    أخوك شهاب الدين م علي/ أمريكا

  7. حرموا المحس وهم على مرمى حجرين من خزان مروي (الذي غذى العالم بالكهرباء) من الكهرباء لأنهم قالوا وما زالوا يقوولن لا لسد كجبار وألف مليون لا لاقامة سد دال في نفس المنطقة المراد محوها من خارطة السودان.
    نعم الشمالية من أقصى جنوبها الى اخر نقطة في شمالها صحراء قاحلة واصدق كلام عن هذا الحال ما قاله الاخ الجنوبي المنتمي لمنطقة أبيي في الجلسة الختامية لما يعرف بالحوار الوطني، أن ناس الشمال أولى بالتمرد – وشهد شاهد آخر من غير أهله.

  8. د.بشير آدم..
    تحياتي..
    كل الشمالية تنقاسي ولو حظك العاثر وجه بوصلتك لأقاصي الشمال لرأيت العجب..من بؤس وفقر وإهمال واضح رغم جل رؤساء أو وزراء الدولة من الشمالية..لا أحبذ تنمية منطقة معينة دون أخرى طالما ولاك الله وبلاك بالحكم من المفترض تقسيم ثروة البلاد لكل بقاع السودان..قالوا ناس جبال النوبة والنيل الأزرق مهمشين على الأقل عندهم طقس ماطر بدل هجير الشمس الحارقة بالشمال..يلا..نقول أيه ونخلي أيه يا دوك..

  9. تحياتي لك د بشير
    لو خدمتك الظروف واتجهت شمالا بعد مناطق الشايقية وبالتحديد مناطق المحس والسكوت لرايت العجب العجاب مناطق الشايقية بالنسبة لها جنة الله في الارض المناطق المذكورة صارت طاردة وقري كاملة هجرت من اهلها لصعوبة الحياة في تلك المناطق وبالذات بعد انحسار النيل وتوقف المشاريع الزراعية وهجرة الابناء لدول المهجر وانا في راي الشخصي ان مناطق المحس والسكوت هي التي من المفترض حمل السلاح ضد حكومة الكيزان لانها همشتهم شر تهميش

  10. جزاء الله خيراً الاستاذ بشير محمدادم، هذه هي الشمالية وكنت اتمنى أن تذهب شمالاً الى دنقلا وشمالها، لترى ما لا تتوقعه، صراحة لولا اهل الشمالية المغتربين والذين يساعدون اهلهم وكل تحويلاتهم للمركز بالخرطوم تستفيد منها العاصمة لافلست الحكومة وميزانيتها. ورغم ذلك الشمالية مهمشة وتنقاسي التي تحدث عنها افضل بكثير من قرى الشمالية شمال دنقلا وجنوبها ايضاً. لولا مساعدة المغتربين لاهاليهم هناك لانتكبوا وحتى مات الكثير منهم، لا صحة لا دواء والمريض يأتي للخرطوم لان مستشفياتها لا توجد بها اطباء اخصائيين بغض النظر عن الاستشاريين. كان الله في عون الشمالية وأهلها، حقيقة الكثيرين في الحكم كما ذكرت من الشمالية على عثمان طه ونافع وعوض الجاز وعبدالرحيم محمد حسين وبكري حسن صالح والمغفور لهم عبدالوهاب عثمان والزبير محمد صالح والقائمة تطول، ولكن دون فائدة. وحديثك ذكرني كلام قرنق وقال الشمالية مهمشة أكثر من الجنوب.
    وحقيقة الكلام يطول في هذا الشأن ولكن لا يسعفني الزمن والمساحة لذكر اكثر من ذلك، فقط قلت اعلق على مقالك حتى لو بالقليل. ولك الشكر مرة ثانية. والسلام عليكم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..