في طرف المداين: الرحلات الخلوية.. كسر الرتابة والضجر

أم درمان – محمد عبد الباقي
قبل نحو اثني عشر عاماً خرج (علي عبد الله) في أول رحلة ترفيهية إلى منطقة وادي أبو ضلوع الذي يقع غرب أم بدة رفقة عدد من أصدقائه ومعارفه؛ ورغم أن خروجه في ذلك اليوم لم يكن عن قناعة، لأنه لم يكن يعلم أن الخلاء مُمتع للحد الذي يجعل الشخص يدمن التنزه بين التلال والكثبان والأشجار الباسقة في الفلاة البعيدة. ومنذ ذلك التاريخ ظل علي، حسب روايته، يواظب على الخروج مع أصدقائه نهاية كل شهر في رحلة تمتد لاثنتي عشرة ساعة يعود بعدها متجدد النشاط ورائق المزاج في انتظار الرحلة التالية.
سودنة الرحلات
ولأن الرحلات الترفيهية الخلوية ظلت المتنفس الأهم للكثير من الشباب والشيوخ في الفترة الحالية بسبب عدم وجود أماكن جاذبة في المدينة، كما يخبرنا حماد إمام الذي لم يقطع بأهمية هذه الرحلات فحسب، بل أكد أنها تتيح فرصة مهمة للشخص للجلوس مع نفسه بعيداً عن مشاغل الحياة اليومية. وأضاف حماد أن الرحلات الترفيهية في الخلاء دأب العرب من بعض الدول المجاورة على ممارستها من أجل اصطياد الحيوانات البرية، لكن السودانيين سودنوها فأصبحوا بدل الذهاب للصيد يحملون معهم الخراف والفواكه وغيرها، وعدد قليل جداً من يجرب الصيد.
من جانبه، يرى حسين الأمين أن الرحلات الخلوية معروفة في الجزيرة العربية، وأنها تمارس في كل الدول العربية مثل السعودية والإمارات العربية وغيرها من الدول، ولكنها أيضاً معروفة في مناطق كثيرة في السودان خاصة وسطه وشماله. ويضيف الأمين أن بعض المواطنين الذين قدموا من الريف للعيش في المدن يقومون بهذه الرحلات بين الحين والآخر من أجل الترفيه على أنفسهم وكسر الرتابة والملل والضجر الذي يجلبه العمل، خاصة الذين يعملون في مهن تستهلك منهم أوقاتاً طويلة.
واعتبر حسين أن ثقافة الرحلات الخلوية جيدة، وتمنى لو أن كل المقتدرين يخرجون بأسرهم إلى الخلاء لمدة يوم أو يومين من أجل الاستمتاع بجمال الطبيعة وسحرها الذي لا يمكن أن يستمتع به الشخص دون أن يبتعد عن ضوضاء المدينة وصخبها.
كسر معصم الضجر
وهروباً من ضوضاء المدينة وضغوط العمل، ظل أحمد يوسف ومعه من أصدقائه حسن وطه عبدالله وآخرين يشدون الرحال إلى غرب أم درمان لقضاء يوم خال من دخان عوادم السيارات كما وضح في تفاصيل الرحلة التي كان زادها ثلاثة خرفان وكمية كبيرة من الخبز والخضروات ونحو ثلاثة ألواح ثلج.
وأبان أحمد يوسف أن الرحلات الترفيهية مع الإخوة والأصدقاء تنعش النفس وتبعث السرور في القلب، لأن الشخص بعد مكابدة العمل لفترات طويلة يحتاج إلى ساعة صفاء ونقاء، وهذه لا تتأتى إلا إذا قام الشخص برحلة ترفيهية إلى منطقة يحبها مع أناس يعزهم كإخوته وأصدقائه.
وألمح أحمد إلى أنه لا يجد المتعة الحقيقية إلا في الرحلات الخلوية نسبة للهدوء الذي يلف المناطق النائية بسبب بعدها عن الضوضاء والصخب الناتج عن حركة السيارات واكتظاظ الناس. وختم بأنهم تعودوا على أن يجلبوا معهم أكلهم وشربهم حتى لا يضطروا للصيد الذي يتسبب في انقراض الحيوانات البرية من المنطقة التي تتميز بالكثير من الطيور والحيوانات النادرة.
العودة إلى الجذور
أقر الطاهر عبد الإله بأن سكان المدن لا يقومون برحلات ترفيهية خارج المدينة، لأنهم دائماً يفضلون الذهاب إلى المنتجعات والحدائق والمطاعم الفاخرة مع أطفالهم ونسائهم أو مع أصدقائهم، لأنهم لم يروا جمال المناطق الريفية من قبل خاصة أن السائد لدى سكان المدينة أن الريف هو منطقة متخلفة وتنعدم فيها الخدمات، وبالتالي لا يمكن أن يذهب شخص راشد عاقل لأخذ قسط من الراحة في مكان تنعدم فيه الخدمات الضرورية، والحديث لعبد الإله الذي قال: “مثل هؤلاء لا يعلمون أن الريف لا يحتاج لكهرباء ولا لمياه مثلجة لأن ما به من نقاء وهدوء يغني عن كل شيء آخر. ولكن أنا وأمثالي من أبناء الأقاليم الذين أجبرتنا الظروف على السكن في العاصمة نكثر من زيارة المناطق الريفية التي في كثير من الأحيان نقضي بها عدة أيام، خاصة إذا كانت الأجواء مناسبة، كما في الخريف أو في بداية الشتاء، وهي تمثل بالنسبة لنا عودة إلى الجذور”.
اليوم التالي