مقالات سياسية

الإسلام دين ودولة

 الطيب النقر

بسم الله الرحمن الرحيم

لا يخالجنا شك في أن ديمقراطية الغرب قد نظرت وأطالت النظر في مضامين الحكم في الإسلام وكيفية معاملة الرعايا، فليست هذه الديمقراطية رغم نكباتها قد أتيحت للغرب عفواً، فليست أوربا هي التي اتسع عقلها وهضمت معاني الحرية والوطنية والعدل والمساواة، واشتدت عزيمتها لبسط هذه المعاني في أنحاء المعمورة، هذا محض افتراء، لقد اصطنع الإسلام هذه الأداة ليرحم بعضنا بعضا ويقدر بعضنا بعضا، وفي الحق أن هذه الأداة ليست حكراً على من يؤمنون بهذا الدين، فليس لهم أن يتصرفوا وحدهم فيها، أو يقومون وحدهم من دونها، إذن من السخف أن نعتقد أن فضيلة العدل قد خُلقت وتمت خلقتها من أجل المسلمين وحدهم فضلاً عن غيرهم، فنحن نعتقد أن الله قد أوجده في الأرض ونشره للناس كافة، فلماذا يقتحم الغرب هذا الشرف ويدعيه لنفسه؟ وما ينبغي أن نظل في هذه الحيرة المتصلة بسبب جماعة تتدعي أنها تخفض لنا جناح رحمتها وتتضامن معنا في حمل أثقال الحياة والنهوض بأعبائها، وهي التي أصابت غنىً موفوراً، وعيشاً غضاً، وثراءً عريضاً من مواردنا، فكل هذه الحقائق لا تدل على شيء ولا تنتهي إلى شيء سوى أن البون شاسع بين عدل الإسلام وحيف الغرب، وأن منظومة الإسلام الأخلاقية التي صاغها الغرب صياغة حديثة لم يمس جوهرها البسطاء ولم تخلب ديباجتها نفوسهم عندما يملأ الطغاة أفواههم بها، ولعل الحقيقة التي يجب أن نعمل على حمايتها وحياطتها والنهوض بها أن الإسلام هو من منح الشعوب أدق ما يستطيع من العناية، وأعظم ما يملك من الإنصاف، رغم ترصد الفرق لتفريق شمله، وتمزيق حبله.

ولنا أن نلقي إلى الدكتور حيدر إبراهيم نظرة دهشة واجمة على غرابة زعمه، فلو كان الإسلام دين ودعوة وليس دين ودولة لما كان له حظ من ثبات واستقرار، ولما قدم به العهد، وطال به الزمان، ولكانت رسالته غامضة غير بينة المدى، ولا واضحة الحدود، ولكانت خانقة مهلكة ليس إلى احتمالها من سبيل، ولما استطاع هديه أن يغير بطبيعة الحال من غرائزنا شيئاً، ولما تمكن أن يلين قلوبنا أو يهذب نفسونا، وأبشع من هذا كله، وأنكى من هذا كله، أن يظل الباطل على سيرته الأولى فلا يجوز على قول العميد إنكاره، ولا يباح نقده، ولا يصح أن يلام فيه الذين يقترفونه، ولكن من نعم الله علينا أن الإسلام دين ودولة، والشيء المحقق أن الدولة هي التي منحته القوة والإيد وحب الجهاد والاستشهاد، والإسلام الآن يجد الألم الممض، والعناء الثقيل، لأنه يعرف للغرب خبثه، وإفكه ونكثه، ولا يستطيع أن يروي السيوف العطاش، ولا أن يقمع جحافل الأوباش، فأمته خائفة مضطربة لا ترضى عن شيء، ولا تطمئن إلى شيء، وهي في خزاية لا سبيل إلى إصلاحها، ومما لا مرية فيه أنها ليست شديدة الحرص على الرفع من أمر قديمها، فمن أعسر الأشياء وأبعدها عن متناول فكرها أن تتقمص رداء الأنفة وتستوفي شروط الكرامة كلها أو بعضها، فهي الآن ترفض خبر الجهاد ولا تصغي إليه، وترضخ بأن ينازعها الغير على ما في يديها، كل الذي يعنيها أن تنهمك في اللذات وتتهالك عليها، هذا هو الواقع الذي ترزح تحت نيره أمة الإسلام.

لكن كل هذا لا ينفي أن الإسلام دين ودولة، والدولة أثيرة عند الدين الخاتم، محببة إلى نفسه، ولا يستطيع كل من أنكر هذا الود أو جحده أن يقطع ما بينه وبينها من أسباب، والدليل على ذلك أن الإسلام لو ظل يؤثر العافية ويتعمد الملاينة مع أمم الأرض خشية أن يحيط به الخطر، أو يسعى إليه المكروه، لانقصف سهمه، وانثلم رمحه، واستسرّت آثاره، ولكنه لم يبلغ ما بلغ بالرجاء الكثير والأمل الواسع، ولكن بالجهد والبذل والتضحية، ولم يظفر بكسب حينها إلاّ حرص على أن يبلغ كسباً أكثر منه، ولم يكد يفرغ من جهاد إلاّ وتهيأ لجهاد أعنف منه، هذه هي الأصول التي ضمنت بقاء الإسلام، الجهاد والرباط الدائم، الجهاد الذي قال عنه الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ناصحاً قومه:” لا يدع أحد منكم الجهاد في سبيل الله، فإنه لا يدعه قوم إلاّ ضربهم الله بالذل”. لقد شخّص الصديق رضي الله عنه سر هذه الغواشي والنكبات التي تجتاحنا من المحيط إلى الخليج، فانتظام أمور الدولة وعلو سلطانها مرهوناً بالدأب على هذه الفضيلة التي تدفع المكاشح على ترك المنازعة، والجنوح إلى الموادعة، الجهاد الذي يخرج الغرب عن طوره ويدفعه إلى الحنق الدواي، والغضب العنيف، ولكن الأمة تتقاعس عن مزاولة هذه الفريضة حينما تنظر إلى وجه سيدها الضخم الجهم فتعرف ما تضمر لها الأيام من شر إذا سعت أن تنتصر لكبرياء جريح في فلسطين المحتلة، فهي سيئة الظن بربها، ولا تراقبه مراقبة دقيقة متصلة مثل ما تراقب الغرب الذي تخشى بطشه وصولته، كما أن جرائمها الشنيعة، وآثامها القبيحة، تنتهي بها إلى يأس مظلم، وقنوط شديد، ولعل حال الأمة وواقعها المذري لن ينسينا أن نذكر ماضيها التليد، فقبل مجيء الإسلام بقرون كان للعرب حكومات هم الذين أنشأوها، وحضارات هم الذين شيدوها، وكما ذكر الأستاذ خالد محمد خالد نقلاً عن كتاب تاريخ الإسلام السياسي للدكتور حسن إبراهيم حسن:” كان في الجزء الجنوبي الغربي من الجزيرة العربية مملكة سبأ وحمير وقد بلغت هذه البلاد قبل الميلاد بألفي سنة درجة من الحضارة تدل عليها أطلال المباني الضخمة، والنقوش الكثيرة، وهناك شواهد كثيرة لهذه الشهرة والعظمة والأبهة التي وصلت إليها مملكة سبأ، كذلك كان هناك من العرب مملكة الحيرة ومملكة الغسانيين، وكان في جزيرة العرب نفسها ملوك من قبيلة كندة، وكان موطنهم بلاد حضر موت الواقعة في الجنوب الشرقي، وكان هناك مملكة” معين” وقد سبقت مملكة سبأ في الظهور وكانت على جانب عظيم من البأس والقوة، وتلتها في الظهور مملكة سبأ التي اشتهرت بالثروة والقوة بين ممالك العالم في ذلك الحين، وبلغ من قوتها أن ردت جيوش” أوغسطس قيصر” عن أسوار مأرب ودحرتها…..وكذلك كانت هناك مملكتا الحيرة وغسان، قامتا على حدود بادية الشام، وكانت الإمبراطورية الفارسية تستعين بمملكة الحيرة على حرب الروم، كما كان الرومان يستعينون بأمراء غسان على الفرس، وقد استمرت مملكة الحيرة من القرن الثالث الميلادي حتى ظهور الإسلام، وكان لأهلها أثر كبير في الحضارة العربية، وتعاقب على ملكها خمسة وعشرون ملكاً”.

إذن لم يكن العرب حديثي عهد بالأنظمة والدول، وأكبر الظن أن الإسلام قد انتفع بانتسابهم إليها، وأنهم قد مضوا فيها قبل كل شيء وبعد كل شيء ملتمسين نصرة هذا الدين وتمدده وانتشاره، فلم تكن الإمارة هي التي تشغل خاطرهم ولا المجد ولا الترف، كلا ليست هذه الأشياء قد أرادوا إليها أو فكروا فيها، كانت غايتهم فقط أن يبصروا رقعة الإسلام واسعة متينة وأن تمتزج هذه الشعوب التي انضوت تحت لوائه امتزاجاً صلداً حتى يغدو مقوماً لشخصيتها، وأن تمس تعاليمه الخالدة حياتهم مساً رفيقاً فهي التي تتيح لهم التغيير الذين ينشده حماة الدين والذي من أجله ضحوا بالغالي والنفيس، هذه هي الدولة التي يعرفون لوازمها، ويقيمون فرائضها، ولا تزيدهم العقبات والمصاعب إلا قوة واندفاعاً من أجل رفعتها وسموها.

من هنا نعلم أن العرب قد عرفوا الممالك والحكومات بينما كانت أوروبا تغط في سباتها العميق وأن البيئة التي” نزل عليها الإسلام كانت ذات ماض عريق وتجربة عريقة، وممارسة طويلة الأمد مع الحكم والحكومات، ونحن نعلم أن الإسلام جاء ليحدث تغييراً وتصعيداً، تغييراً للباطل، وتصعيداً وتعلية لكل ما هو ضروري وحق، ولم يكن العرب في عصور الجاهلية الموغلة في البعد، بقادرين على ما يعجز عنه أسلافهم في ظل الإسلام بكل قوته وعظمته ورشده، وحتى مكة فيما بعد والتي لم تكن فيها حكومة، نجدها قد قامت بتوزيع مسؤوليات الحكومة على قبائلها وبيوتاتها وأفذاذ رجالها، فكانت قوى المجتمع هي التي تحكم وتقود في تنظيم جديد وسديد، والمدينة كانت قبل ذهاب الإسلام إليها تتهيأ لتتويج ملك عليها، وإذا قام الملك قامت حوله الحكومة على نحو ما. وهكذا لم يكن الإسلام يعمل في خواء، ولا يبدأ من فراغ حين يدعو أتباعه لتأسيس حكومة، بل وحين يبدأ بالفعل في تأسيس دولة وقف على رأسها إمام المتقين وخاتم المرسلين وخير خلق الله أجمعين”.

الطيب النقر
[email protected]

‫4 تعليقات

  1. والشيء المحقق أن الدولة هي التي منحته القوة والإيد وحب الجهاد والاستشهاد ؟؟؟؟ الشيء المحقق والحق في هذه الدنيا هو الله وحده لا شريك له ، ,أين يد الله في نشر دينه وتثبيته وهو الذي اذا قال كن فيكون.

    ما انزل الله كتابة ليكون دولة او علم وانما يكون دعوة للحق وهداية للناس، وعندما خلط المسيحين الدعوة بالدولة وخلقوا سلطة الكنيسة واصبح الحكم باسم الله كانت محاكم التفتيش والقتل والاستغلال باسم الله خارج نطاق سلطة القانون وتفشت الامراض البدنية والنفسية والاجتماعية وانهارت المجتماعات واستشرت الامراض، وذلك حين كان القانون ما تقوله الكنسية لهذا انتفضت الشعوب المسيحية على سلطة الكنسية وتم تحجيمها في حجمها الطبيعي ودورها في الدعوة فقط..

    تجارب المسلمين الفاشلة والفاسدة في عدة حقب من التاريخي البعيد والقريب ، فالننظر الى تجربة الدولة العثمانية وطالبان والكيزان في السودان بعين فاحصة ستجد فيها كل العبر دع عنك الدولة الاموية والعباسية وماسيها.

  2. اي ممالك تلك التي كانت عند العرب؟
    كل الجزيرة العربية ما عدا اليمن لم يكن بها ملوك. وملوك اليمن توجهم التوراة اما بقية الجزيرة فلم تكن فيها حتى مشيخات كانت مجموعات قبلية قائمة على العصبية وكما نعلم ان القبيلة هي تتطور تلقائي للعائلة بعد تمددها

  3. كاتب متحذلق
    طيب يا فالح سكوتك على نظام الكيزان هل كانت قناعه منك على اننا كنا نعيش (دولة ودين) ولا عايز تجينا بنظريه جديده ما اتجربت فينا قبل كده ؟
    يا اخى على لسانوا داخل صحن مجلسهم الوطنى قال احد اعضائه (حصلوا الشباب معظمهم الحدو!!) والرجل كان صادقاً وكلنا بنعرف ان الصدق فى عهد الكيزان كانت سلعه معدومه مثله مثل الشرف والنخوه والرجوله والايمان بالله ورسله وكتبه وملائكته ولا اظن الكاتب سيمارينا فى ذلك !!.

  4. الإسلام دين و دولة ما في ذلك شك : سبايا أوطاس :
    روى مسلم……. عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا نساء من سبي أوطاس ولهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج، فسألنا النبي ﷺ فنزلت هذه الآية: { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [النساء: 24] .
    قال: فاستحللنا بها فروجهن.
    وهكذا رواه الترمذي، والنسائي من حديث عثمان البتي به.
    وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث ….. عن أبي سعيد: أن أصحاب رسول الله ﷺ أصابوا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج من أهل الشرك، فكان أناس من أصحاب رسول الله ﷺ كفوا وتأثموا من غشيانهن، فنزلت هذه الآية في ذلك: { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم }
    وهذا لفظ أحمد بن حنبل، فزاد في هذا الإسناد أبا علقمة الهاشمي وهو ثقة، وكان هذا هو المحفوظ، والله أعلم.
    وقد استدل جماعة من السلف بهذه الآية الكريمة على أن بيع الأمة طلاقها.
    روى ذلك عن ابن مسعود، وأبي بن كعب، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري وخالفهم الجمهور مستدلين بحديث بريرة حيث بيعت، ثم خيرت في فسخ نكاحها أو إبقائه، فلو كان بيعها طلاقها لها لما خيرت.
    (البداية و النهاية لابن كثير)
    هل ستعيدونه دولة هكذا فنستمتع بسبايا كسبايا اوطاس ؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..