البرلمان الهجين

كل المشاهد والمؤشرات وطبيعة الحراك الذي يجري الان علي المسرح السياسي السوداني وبالاخص علي مستوي جبهة الحوار الوطني تؤكد بانه لا سبيل لارضاء هؤلاء الشركاء الجدد سوي ان يوسع البرلمان من مساحاته وباحاته داخل (القبة) ليفسح المجال لقادمين جدد جاؤا عبر بوابة المشاركة في الحوار ومخرجاته ولكن بالطبع ليس عبر التمثيل النيابي الجغرافي او القطاعي النسبي ليصبح برلمانا (هجينا) او خاطف لونين تشكله مجموعة التفويض الشعبي ومجموعة التعيين الرئاسي مما يعني ان الدولة علي اعتاب ظاهرة برلمانية (شاذة) لم تحدث في تاريخ البرلمانات السودانية كما ان الحكومة ذاتها ستاخذ طابعا اخر هجينا بحكم ان التعديلات الدستورية المرتقبة ستفرض واقعا جديدا لحكومة طابعها المحاصصة اكثر من كونها حكومة (تكنوقراط) .
البعض ينظر لهذه الفكرة وكانما قضية الحوار بكاملها اختزلت في فكرة المحاصصة فقط وقد يكون في هذا التوجه انتقاصا من ارادة الاصلاح للدولة بل ربما تتضاعف الاعباء والضغوط الاقتصادية والمالية نتيجة لتمدد رقعة الدستوريين والاجهزة التشريعية وحتي مجلس الولايات الذي كادت آجاله ان تنقضي فهو لازال منكفئا علي ذاته يبحث عن هويته وعن دوره في منظومة الدولة لكنه ايضا يستقبل اعضاء جدد وهنا يمكننا ان نتخيل حالة البرلمان حينما يستقبل النواب القدامي زملاؤهم الجدد ونقيس ذلك حينما يستقبل الطلاب القدامي (السناير) الطلاب الجدد (البرالمة) .
اياك ..اياك ان تتسول
كيف يستقيم الفهم والمنطق حينما يحكم السوق قبضته علي رقاب المواطنين وتابي ضروريات الانسان السوداني الا وان تتمرد عليه ويجد المواطن الضعيف ان ظروفه القاسية تزج به الي قارعة الطريق تحت وطأة القرارات والسياسات الاقتصادية ولكن الحكومة تقول له اياك ..اياك ان تتسول.
كان من الاجدي والانفع للحكومة ان تمارس فضيلة جلد الذات وسلخها لتاتي من البدائل والخيارات الاخري ما يمكن ان يكون علاجا لاغلاق كل منافذ التسول والتشرد والحد من اتساع رقعة المحبطين والبائيسن الباحثين عن لقمة عيشهم في ظل واقع تعاظمت فيه الضغوط وتازمت فيه الحالة الاقتصادية فبات هؤلاء الان ضمن منظومة “المتسولين الجدد” .
لكن يبدو ان حكومة ولاية الخرطوم لم تعجبها ظاهرة “الجيوش” المتسولة هذه في شوارعها وازقتها وداخل مؤسساتها ومرافقها العامة فاطلقت وزيرة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم الدكتورة امال البيلي دعوتها للحكومة لاعادة النظر في هذه الظاهرة من خلال تفعيل قانون مكافحة التسول عله يحدث تحولا موجبا في هذه الظاهرة , صحيح ان ظاهرة التسول بولاية الخرطوم اصبحت كمهنة تمارس علي وضح النهار وبلا مبالاة واصبحت لها مفاهيم واساليب جديدة وحيل ماكرة انتجتها ظروف الاسر الفقيرة التي لم تحتمل صدمة التبدلات الاقتصادية وقراراتها الموجعة , اما الاغرب في دعوة الحكومة لتفعيل هذا القانون لضبط ظاهرة التسول ان هذه الحكومة تخشي ان يحدث هؤلاء المتسولين تطورا خطيرا في مستويات الجريمة بالولاية من حيث الكم والكيف ولكنها ربما لا تخشي ان يموت هؤلاء المتسولين جوعا ومرضا وفقرا وهي التي جنت عليهم بقراراتها وسياساتها الاقتصادية فاحالتهم الي اكوام وارتال من الكتل البشرية المتسولة , فليت هذه الوزارة ان تفكر في الالية التي يمكن ان تهدم بها منابع التسول وتعالج كل مسبباته قبل ان تفكر في اليات الردع بقوة القانون .
صكوك “مولانا”
الي متي يظل الحزب الاتحادي “الاصل” تحت وضع الاستثناء ؟ ولماذا يستبق مولانا السيد محمد عثمان الميرغني المؤتمر العام لحزبه باجراء عملية ” فك وتركيب” داخل المنظومة القيادية ؟ فالمجموعة القريبة من الدائرة الميرغنية هي التي ظلت تتبادل صكوك التفويض الممنوحة من قبل “مولانا” تحت تاثير مزاجه الخاص او استجابة لضغوط “متوهمة” ربما تفرض عليه من قبل حليفه المؤتمر الوطني ذلك لان الانباء التي رشحت في صحافة الامس ان القيادة المقربة من مولانا تفرض سياجا منيعا علي عملية تبديل الحسن الميرغني بالسيد ابراهيم الميرغني وجرت تفاصيل هذه العملية امس في مدينة مصر الجديدة بالقاهرة في اجتماع خاص بين مولانا وابراهيم الميرغني الناطق الرسمي باسم الاتحادي الاصل , لكن يبدو ان من ارجح التفسيرات لهذه العملية اذا صدقت حقيقتها ان مولانا يتجه وبشكل جاد للاستجابة لمطالب خصوم الحسن الميرغني وضحاياه في الحزب او بالاحري “الدواعش” بحسب التوصيفات التي اطلقها عليهم الحسن الميرغني لكن العملية ذاتها ربما لا تخلو من ايادي المؤتمر الوطني خصوصا ان بعض الاصوات داخل الوطني كانت قد ابدت عدم رغبتها في الابقاء علي “الحسن” كمساعد رئاسي بالقصر .
اما التفسير الذي يمكن ان يشكل قلقا كبيرا للقاعدة الاتحادية ازاء عملية التبديل هذه هو ان ارادة مولانا لعقد المؤتمر العام لحزبه ستواجه بحالة من الاسترخاء او اعادة النظر في الفكرة من اصلها مما يعني الابقاء علي المنطومة القيادية بشكلها الحالي بلا اي سقوفات زمنية وهكذا يتوه الاتحاديين في سكة البحث عن مؤتمرهم العام الضائع ! .
مثلث العطش (وزيرو عطش)
في غرب كردفان الولاية التي جاءت بها شرعية التوازنات القبلية لازال المواطنين هناك يراهنون علي حكم الذات لبناء واقع جديد تتوفر فيه التنمية والخدمات بمستوياتها وحدودها الضرورية لكن ربما ان هذا الرهان لازال يحتاج الي ارادة اخري والي قوة مادية واقتصادية تحيل امكانيات الولاية ومواردها الطبيعية الي واقع خدمي وتنموي يمشي بين الناس ,غير ان معطيات الحال ومؤشرات الواقع هناك تكشف بجلاء ان قطاع كبير من مواطني الولاية وتحديدا في نصفها الشمالي وهي المنطقة المعروفة “بمثلث العطش ” فيه المواطنين يرهقهم الظمأ فالماء هناك عزيزة المنال وتجلبها التناكر من اقصي جنوب الولاية لتسقي العطشي في شمالها وحتي يتحقق ذلك فان عملية الحصول علي الماء تكلف قدرا كبيرا من الاموال والمدخرات التي جمعها المواطنين من عائدات الصمغ العربي والفول السوداني والمحصولات الموسمية الاخري , تلك هي القضية التي تحدث بها النائب البرلماني عاصم تابر عن دائرة “عيال بخيت” فليت حكومة الولاية بغرب كردفان تستجيب لنداءات الباحثين عن ماء تصلح للاستخدام الادمي والحيواني خصوصا انها اصبحت هما وقضية وهاجسا تستنزف ميزانيات الاسر الفقيرة وتهدد اقتصادياتها لكن يبقي السؤال الحائرة هل تبددت فكرة مشروع “زيرو عطش؟ .
ومن الواضح ان ولاية غرب كردفان ليس هي بمعزل عن الولايات الاخري فالازمة لها ما يماثلها في الولايات الاخري ولكنها بنسب وبمقادير تتفاوت من ولاية الي اخري وربما تتفق معظم الولايات في ان حكامها ينشغون دائما بالتعبئة السياسية اكثر من ملاحقة المشكلات الخدمية للمواطنين بالحلول العاجلة وربما هذه هي الفريضة الغائبة في حكومة “بركة” ,اما نوابنا في البرلمان فهم امام تحدي يهديهم الي ممارسة فاعلة وراشدة كتلك التي بادر بها نائب دائرة “عيال بخيت”.
[email][email protected][/email]