مقالات سياسية

تدمير الثقافة السودانية

الاهتمام بالثقافة في أية دولة أمر مهم جداً ويحتاج إلى رؤية عميقة وبعد نظر، والثقافة مثلها مثل التعليم والصحة وغيرها لا تفيد معها البرامج والمبادرات الوقتية، فالثقافة أيضاً تؤثر على الصحة العامة للمجتمع، خاصة إذا كانت الدولة تتعدد فيها الأعراق مثل السودان، وهو واحد من أثرى الدول في العالم بالقبائل والشعوب وعليه فهو أيضاً الأثرى بالثقافات المتنوعة، وعندما نتحدث عن النهوض بالثقافة في السودان فإننا نتحدث عن موضوع كبير بحجم الاقتصاد، واحدة من أزمات السودان الحالية هو إصرار الحكومة على اختصار هذا القطاع العظيم في مهرجانات وأشياء شكلية تخفي خلفها أزمة حقيقية خلقت ما يسمى بصراع الثقافات، وهذا ما ساهم في هشاشة الدولة و جعل السودان يعاني من الوصول للقومية السودانية، وأية دولة عانت من تحقيق هدف القومية عليها بمراجعة مشاكلها الثقافية وأن تبحث عن الحل في المجال الثقافي قبل غيره، وما يجدر ذكره فإن التطور الثقافي مرتبط مع التطور الاقتصادي والدولة إذا أرادت أن تصل إلى القومية عليها أن تبرز الثقافات وتحميها. الحكومة تعتقد أن الاهتمام بالثقافة يتم عبر المهرجانات الثقافية التي تُقدم فيها أغاني التراث وتقام فيها المعارض الشعبية ويعاد ذكر التاريخ ويخاطبها السادة المسؤولون ورؤساء اللجان التي كونت خصيصاً لهذا الغرض ثم ينتهي كل شيء بانتهاء مراسم الاحتفال، فجاءت بالكثير من البرامج الوهمية مثل (مهرجانات الثقافة) و(عاصمة الثقافة) وهي برامج تقام كل عام وتصرف عليها ما تصرف من الحق العام بلا فائدة، ودائماً. ما يتم نقدها لأسباب كثيرة لسنا بمجالها، ولا أعتفد إن احداً قد نسى ما أثير حول سنار عاصمة الثقافة الإسلامية ومهرجان البركل، ورغم ما يقدم للحكومة من أفكار مفيدة إلا إنها مستمرة في إرضاء نفسها وإهمال كل ما يخدم الثقافة حقيقية، حتى حين تفكر في أن تقوم بعمل للنهوض بالعمل الثقافي فإنها تفكر بعقل الجمعيات والمنظمات والمجموعات الشعبية، مع إن واجبها هو أن تضع وتنفذ السياسات التي تعمل على استيعاب الثقافات وصهرها وتطويرها وتحويلها إلى ثقافة قومية من خلال التناغم مع سياسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها.. قبل أيام كشف وزير الثقافة الأستاذ الطيب حسن بدوي عن اتجاه لمبادرة تقودها وزارة الثقافة للنهوض بالعمل الثقافي بالسودان سيتم الإعلان عنها في مقبل الأيام لمزيد من دعم العمل الثقافي بالولايات، وعادة النهوض بالعمل الثقافي لا يحتاج إلى مبادرة تعلنها الدولة وإنما واجب يجب أن تقوم به باستمرار والمبادرة هي عمل غير مستمر. عموماً سياسات الحكومة الكلية ساهمت في تدمير الثقافة في السودان فالثراء الثقافي الذي يتمتع به السودان جدير بأن يجعله وطناً قامة، والحكومة بحاجة إلى أن تعيد النظر في فهمها ونظرتها إلى الثقافة وأن تتعامل معها كضرورة من ضروريات بناء الدولة القومية المستقرة، فالثقافة والاقتصاد والصحة والتعليم كلها أشياء مهمة بنفس القدر لتحقيق استقرار الدولة الكامل، وهذا ما عجزت عن فهمه 30 سنة رغم الشرح والتكرار، ولن تفهمه بعد اليوم ومطلوب منها أن تترك السودان لشعبه لينهض ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً لأن الثقافة لا تنهض منفردة.
التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..