مقالات وآراء

دولة النهر والبحر : حل وهمي لمشكلة حقيقية

ادم بركة دفع الله

تواجه القضية السودانية تحديات متراكمة تاريخيا ، أبرزها قضية التنوع والهوية وإدارتها . لطالما عانى السودان من صراعات متكررة ناجمة عن الصراع على السلطة والموارد والهوية ، وتجاهل الحقوق الثقافية والسياسية لمختلف المكونات السودانية. في هذا السياق ، برزت فكرة الفصل وتقسيم البلد كحل مقترح من قبل العقلية المركزية المتحكمة في المؤسسة العسكرية مايسمى (بالجيش السوداني) ، إلا أن هذا الحل يثير تساؤلات جوهرية حول جدواه وقدرته على تحقيق الاستقرار والسلام وتأمين وحدة السودان.

بعد اتفاقية السلام الشامل عام 2005م ، برزت قضية إدارة التنوع في السودان بشكل حاد. رغم تأكيده لاول مرة على تنوع السودان ، إلا أن بعض الأطراف السياسية خاصة الحركة الاسلاموية ظلت تعتقد أن التنوع الأساسي هو بين الشمال والجنوب ، وعملت على تسميم العلاقات بين قطري البلد بخطابات الكراهية واثارة النعرات العنصرية ضد الجنوبيين بإطلاق عنان الإعلام وابواق العنصريين أمثال الطيب مصطفى سئ الذكر ، لدفعهم الي الانفصال باعتبار انه بفصل الجنوب تحل مشكلة التنوع حسب اعتقادهم وينفردوا ببقى الشمال متحكمين فيه وتتخلص من عبء الجنوب التاريخي . ومع ذلك ، استمرت الصراعات في شمال السودان، حيث طالبت المكونات المختلفة بحقوقها في المشاركة في السلطة وتنمية مناطقها وانهاء التهميش (نفس القضايا التي رفعها الجنوبيين) .

وبعد سقوط النظام السابق ووصول حكومة الثورة لم يجد حلاً جذرياً لهذه القضية. فالعقلية المركزية المهيمنة ظلت تفرض رؤيتها ، ورافصة كل الحلول التي طرحها السودانيين عبر عملية سياسية وتسوية شاملة بما فيها إصلاح المؤسسة العسكرية ، وبرفضها الحلول السلمية واصرت هذه العقلية المختطفة للدولة السودانية على العنف لفرض الرؤية الأحادية مما أدى إلى تفاقم الأزمة واندلاع الحرب في أبريل 2023م.

وفي محاولة يائسة للخروج من الأزمة، طرحت فكرة “دولة النهر والبحر” كحل بديل ، معتقدة أنها ستخلصها من الأقاليم التي تعالت أصواتها.

إلا أن هذه الفكرة تفتقر إلى الأسس الواقعية. فالجغرافيا والسكان في المنطقة المقترحة للدولة الجديدة متنوعة للغاية ، وحصر هويتها عربية إسلامية تناقض مع واقعها . فقبائل البحر، على سبيل المثال ، تنتمي إلى قوميات متعددة ولها ثقافات ولغات خاصة بها ونضالت منذ عهد بعيد من أجل انهاء التهميش والمساواة ضد العقلية التي تنادي بهذه الدولة المزعومة . كما أن منطقة النهر تضم أقدم سكان السودان ، وهم النوبيون ، الذين يطالبون بحقوقهم الثقافية اللغوية وظهرت ذلك في آخر اتفاقية السلام مايسمى اتفاقية جوبا مسار الشمال نصت على الاعتراف باللغة النوبية كلغة رسمية . وبالتالي ، فإن هذا المشروع يزرع بذور الصراع بدلاً من حلها ، ويؤدي إلى مزيد من الانقسامات الاضطرابات في داخلها .

بدلاً من اللجوء إلى حلول انفصالية ، يجب على دعاة الانفصال وبالتحديد اهلنا في الوطن واصدقائنا من نهر النيل والبعض من الشمالية ان لا يخدعهم اؤلئك الشرذمة القلة المنتفعة من اختطاف البلد باسمكم وإعادة النظر في رؤيتهم للبلاد والاعتراف بتنوعها الثقافي والعرقي. يجب بناء دولة قائمة على المواطنة المتساوية ، واحترام حقوق جميع المكونات ، وتوزيع عادل للثروة والسلطة. إن تحقيق السلام والاستقرار في السودان يتطلب حواراً وطنياً شاملاً ، يهدف إلى بناء توافق وطني حول مستقبل البلاد.
وهو افضل طريق لنا جميعا بدل التكلفة العالية التي ندفعها كسودانييين.

 

[email protected]

‫5 تعليقات

  1. المواطنة المتساوية تعنى الغاء الحكم بالشريعة الاسلامية . فالشريعة تقسم الناس الى قرشيين ( ذهبت قريش بالمكارم كلها واللؤم تحت عمائم الانصار ) والى احرار وعبيد ونساء ومؤمنين وكفار واهل ذمة وموالى وعجم . وفق الاية الكريمة (الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى ) . ولن يقبل لصوص الاخوان المسلمين التخلى عن عدة الشغل فهى التى تمكنهم من السيطرة على القطيع .

  2. تحليل سطحي وساذج يا زول نحن في الشمال قرفنا من مفردات العقلية المركزية والعقلية المسيطرة وكلمات لاتحمل اي مدلول او معنى.
    المسألة ليست معقدة ولا مركبة اولا لمم يكن السودان دولى بهذا الحجم لولا الإنجليز السودان بلاد متعددة لم يجمعها الا المستعمر. فدارفور وجبال النوبة لم تكن ولن تكون جزءا من السودان نحن الشمال سنظل ندعو لفصل بلادنا عن سودان الإنجليز ومن الأفضل أن يحل الدارفوريون مشاكلهم بعيدا عنا.

  3. يبدو انك لا تعرف الكثير عن تاريخ وحاضر شعب وسط وشرق وشمال السودان ،فما قلته انهم مختلفين قبليا وعرقيا ووو ولذلك ستنشا أيضا الصراعات بينهم اذا انفصلوا نتيجة لهذه الاختلافات . فلا فى التاريخ وإلى يومنا هذا لم ينشأ صراع على أسس الهوية والقبلية والجهوية والعرق واللون ، فقد اثبت شعب هذه المناطق وحدته و تعايشه السلمى لاكثر من سبعة الف سنة على الرغم من اختلاف قبائلهم و انتماءاتهم السياسية وسحناتهم ولغاتهم واعراقهم وغيرها من الاختلافات،بل حتى شح الموارد لم يكن فى هذه المناطق سببا فى يوم من الايام للنزاعات والفتن والحروب بينهم، فقد فضل الكثير جدا من شعب وسط وشرق وشمال السودان الهجرة والاغتراب، لاحظ انتظارهم على وجه كل كوكب الارض، بدلا عن النزاع و الصراع على مواردهم الشريحة. عليه فمن غير المتوقع أن تنشأ النزاعات والصراعات بين شعب وسط وشرق وشمال السودان الذى تعايش وتصاهر و زابت الفروقات التى تتحدث عنها خلال الالاف من السنين . فتجانس هذا الشعب إضافة لتوافر مقومات الدولة الأخرى هو ما شجع الدعوة، اتفقنا أو اختلفنا معها، لقيام دولة البحر والنهر. ويرى دعاة الانفصال بأن انفصال هذه الأقاليم الثلاثة سوف يلغي على نحو جذرى الابتزاز السياسي والاقتصادى و الاجتماعى للجلابة ودولة ٥٦ والصراع المزعوم على الهوية والنوع وغيرها من شعارات الفتنة ( معظمها كانت شعارات قرنق أو شعارات السودان الجديد وقد رحلها ياسر عرمان لتسبيب الحروب
    التالية ). هذه الشعارات التى قادت لحرب قرنق والحروب التالية ستقود مستقبلا للحروب مثل ادعاءات سيطرة المركز والشريط النيلي والمواطنة المتساوية
    والمظالم التاريخية المزعومة وغيرها من شعارات انبات واكثار الكراهية، وكلها غير مثبتة بمعايير اثبات الوقائع التاريخية المتعارف عليهاعالميا. لقد تحمل شعب وسط وشرق وشمال السودان عبىء الابتزاز
    الكراهية بخاصة من معظم اهل دارفور لاهل المركز و مترادفات الأسماء الأخرى كالشريط النيلي ودولة ٥٦ ودولة الجلابة وغيرها من مصطلحات وادوات الابتزاز وزرع الكراهية والعنصرية. ويرى دعاة دولة البحر والنهر ان تبنى هذه الشعارات باعتبارها حقائق مثبتة ونشوء الكراهية والفتن والنزاعات والحروب على اساسها، ليس له حل غير انفصال دولة البحر والنهر . وهناك حكمة تقول شيل ده من ده يرتاح ده عن ده . اشكر كاتب المقال على تناوله الهادى لهذا الموضوع الذى فعلا يقتضى الدراسات العلمية المعمقة على الاقل لاقناع الذين يدعون للانفصال سواء كانوا من الوسط والشرق والشمال أو من دارفور بوحدة الدولة وجدواها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية والثقافية وغيرها . شكرى

  4. الاستاذ ادم بركة ،، السلام عليكم..
    الصحيح حل وهمي لمشكلة وهمية لقد صدع روؤسنا النخب ومدعي الثقافة والفكر والادب والتحليل السياسي ومن لم تغير فيهم العملية التعليمية مثقال زرة خريجي حنتوب ووادي سيدنا والجميلة ومستحيلة والجامعات الكثيرة بعدد الحصي ومن سار في ركبهم من الأقاليم البعيدة جاءو واتخذوا من الخرطوم مسكنا لهم وتركوا ديارهم البعيدة وانقطعت صلتهم بها وبثقافتها وحواريها ومجاريها صدعوا
    روؤسنا بمصطلحات بايخة وهمية مثل الهوية والتهمبش والثقافة وهم يرتدون البدل الافرنجية ويسكنون الأحياء الراقية كل همهم ومبتغاهم استغلال هذه المصطحات واستغلال اهاليهم البسطاء في الفيافي البعيدة والتحدث باسمهم من اجل اغتنام منصب او مال او مكانة اجتماعية في المجتمع الحضري المدني ،،، اغربوا عن وجوهنا انكم تدفعون بالبلد الي المجهول فمن يريد أن يفرض هويته وثقافته علي الآخرين لن يستطيع ولو فصلت له القوانين علي مقاسه فقط او تم منحه حق ادارة البلد لوحده ،، فاليسعي هو لإظهار هويته وثقافته وعرضها علي الطرف الآخر ومع مرور الزمن تظهر بصمته في الهوية العامة للبلد ،،
    للأسف بلد مثقفيها اذا صحت التسمية اقل وعيا من عامة الشعب هم من تسببوا في التفرقة والحقد المجتمعي وانتشار خطاب الكراهية مؤخرا وبكثافة وكما يقولون الحياة مدرسة قد تفيدك وتجعل منك انسان متسامح مع نفسك ومع الآخرين اكثر من قاعات الدراسة…

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..