أزمة مثقفينا .. الكفر بالسياسة أم إعوجاج عود الوطنية!

أزمة مثقفينا .. الكفر بالسياسة أم إعوجاج عود الوطنية!
( البروفيسور عبد الله علي ابراهيم مثالا وليس حصراً )

محمد عبد الله برقاوي..

في العام قبل الماضي زارنا في مدينة العين بدولة الإمارات العربية المتحدة الأستاذ الدكتور المفكر عبد الله علي إبراهيم .. فنظم له مجلس إدارة نادي الجالية هنا محاضرة .. جذبني إسمه اليها مع من توافدوا من الذين يعلمون قدر الرجل وطول باعه في التحليل السياسي وسعة أفقه العلمي .. بيد أننا فوجئنا بأن عنوان المحاضرة كان هو..
( السحر عند أهلنا الرباطاب )
حيث جئنا وفي مخيلتنا وبلادنا يعتصرها ألم أزماتها المتلاحقة في ذلك المنعطف من تاريخها الذي وقف طويلا عند حائط الإنقاذ وقد سدّ بنرجسية الخوف من المساءلة كل الأفق في وجه المشاركة الحقيقية لبقية أهل السودان في تلمس الحلول لمعضلات البلاد المتكابلة فطفق النظام حينها يبيع لنفسه الزمن وهو يراوغ بوثبة ظلام دامس ساقته الأن لطلاء جلده التي شوهته أثار جرب الفشل المتقيح بشرعية زادات من عورته المفضوحة .. !
فجئنا نظن أن الرجل على الأقل سيطرح من المنظور الوطني الواسع رؤيته فيما يجري وليس بالضرورة من منطلق تلبس دور المعارض للنظام ونحن نعلم أنه قد خلع بردته المناوئة تلك ليرتدي سترة المهادنة مثلما حاد عن يسار الشارع دائراً حول نفسه نأئياً بها عن قولة الحق في سياسة النظام مثلما عزف عن قول الباطل بما يزعمه من حياد سلبي مكشوف بين الطرق على ماضية و الإختباء في رمادية حاضره !
لم أجعل الفرصة تمضي وقد مهدت لي الجهة المنظمة أن أجلس الى يسار الرجل في منصة المحاضرة .. ورغم مجاملته لي بمعاملتي كإبن أخ له بإعتبار معرفته اللصيقة بالوالد عليه الرحمة .. فداعبته مستغرباً أن نفقد ساعتين في حضور علمٍ مثله ولا يحدثنا عن الشأن الوطني .. فضحك وكأنه يطلب مني عدم تأليب المواجع عليه !
ولست أدري ماهي التحفظات التي تشد أو تمنع الدكتور المفكر والمثقف والمحلل السياسي الذي عارك النضال منذ ما يزيد من النصف قرن.. من أن يقول رأيه .. بينما نجد مثقفي ومفكري الحركة الإسلامية الأصيلون وليس المجاورين أمثال البروفيسور الطيب زين العابدين و البروفيسور حسن مكي والدكتور عبد الوهاب الأفندي و الدكتور غازي صلاح الدين وغيرهم قد رفعوا جرأة أرائهم في سلوك النظام المتخبط على أسنة الأقلام و جأروا بعقيرة الشكوى عبر مكبرات صوت وشاشات الإعلام .. وقد يكون قلبهم على التنظيم نعم قد جعلهم يخشون من رعونة النظام وليس بدافع البحث عن بديل ديمقراطي على بينة الإرادة الشعبية التي ساهموا بصورة أو أخرى في سلبها بدعمهم لإنقلاب عسكر الإنقاذ مع حرامية تنظيمهم .. ولكنهم في النهاية سجلوا على كل حال مواقفهم مزيلة بتوقيع الرفض لما هو بات لا يخفى خلف غربال المكابرة حيال ما يعانيه الوطن من ضياع !
ليس ذلك هجوماً شخصياً على رجل أحترمه و أقدر تهذيبه وبسمته الودودة .. لكني أردت عبره كتلميذ في محراب مثقفينا أن أتلمس سر مواقف بعضهم التي تعقد في وجه مجتمعنا الطيب حاجبي الدهشة .. من وقوف أولئلك المثقفين وهم كثر في خانة المتفرج الذي يهرب الى الإمام في الأزمنة التي تتطلب صراحة رايهم و ونجاعة رؤاهم متجهين الى الحديث عن ماضيهم الذاتي في كتابات متباعدة مثلما كان يحدثنا الدكتور عبد الله علي ابراهيم عن ذكريات طفولته في عطبرة وعن سرقة أسلاك النحاس ونصب فخاخ الطير بينما كانت البلاد في فترة كتابته تلك السلسلة تمور كالمرجل إثر ذلك الحجر الذي رمى به الرئيس البشير في بركة الواقع السياسي الآسنة والراكدة ليحرك ويصطاد هو وجماعته بصنارة المراوغة مايفيدهم منها من أسماك بينما يرمي الطحالب والطين في وجوه الحالمين بإعتدال ذيل الديكتاتورية ولو وضعوا عليه ثِقل قوالب الحوار كلها !
بالأمس طالعت للدكتور قطعة مكتوبة نثر حروفها دون تعقيدات اللغة التي عودنا عليها وهو يتحدث عن الفيتوري وكأنه ينبش قبر الرجل بعد رحيله بكل تعقيدات ماضيه الطويل .. وكان ألآحرى أن يغشي مأتم الراحل رفضاً المؤتمر الوطني وأرملته الإنقاذ المكلومة في إستحقاقها الذي مزقت شرعية زواجهما العرفي مقاطعة الشعب لها .. فشحذ الحدث حتى الأقلام التي كانت تنافح عن الإنقاذ في كل مراحل أعوجاجها الكثير قبل جزئيات عديلها شبه العدوم !
ثم عرّج الدكتور لتعرية رفات الراحل محمد وردي من غطائه الثوري ليقول في إشارة غميسة إنه بدأ طالباً لعضوية الحزب الشيوعي مرفوضاً من عبد الخالق لضمان حياد الفن بعيداً عن الأدلجة الفكرية أو الولاء السياسي الضيق على حساب ماعون الوطنية الواسع .. لينتهي وردي كما أبان الدكتور مطروداً من نهج اليسار على خلفية تودد الإنقاذ له أو ربما العكس كما المح البروفيسور عبد الله !
ليس هذا موضوعنا بالطبع و لكن الجنوح الى سرد التاريخ الماضي .. تجنباً لملامسة اللسان لمرارة الحاضر المتمثل في مواقف الدكتور عبد الله والكثيرين من مثقفينا و مفكرينا غير الإيجابية حيال أزمات الوطن والحكم معاً هو ما يعمق من جذور شجرة النظم القمعية التي ترتوي مما تظنه رضىً من أولئك النفر الذين لو هم قادوا الرأي العام بصدق المواقف وشجاعة الإقدام و إيجابية الطرح لما تطاول عمر تلك الأنظمة ولما إرتكنت الى فرضية صمتهم الذي فهمت هي إنه القبول بها بذاته وصفاته ..!
فهل هي أزمة فصام بين .. الخوف من بطش السياسة .. أوكفراً بها أم هو حالة يأس وقنوط من إمكانية إعتدال ظل الوطنية في نفوسهم بعد أن أعوّج عودها فيها كحالة تعالي مرضية فصلتهم عن عامة الناس في أبراج عاجية متوهمة .. وهذا ما نخشاه وناسف له حقيقة لا مجازاً.. هدانا الله وإياهم الى طريق الحق أياً كان الثمن !

تعليق واحد

  1. ما كتبته يدخل في باب الرغبات والأماني.أنت تتمنى وترغب أن يكون عبدالله علي ابراهيم مفكر.عقل عبد الله علي ابراهيم من العقول التي قد تغذت على الجيف. جيفة الشيوعية كانت أكبر وليمة قد شبع منها عبد الله علي ابراهيم.فماذا تنتظر من عقول قد تغذت على الجيف؟
    أما منهجه فالرجل منهجه منهج فلكلوري ناقص سواء في السحر عند أهلنا الرباطلب أم في دراسته عن الكبابيش. منهج عبد الله فلكلوري ناقص ويجيد عبد الله علي ابراهيم التفلسف على إطار المحلي فقط ومازال عبد الله علي ابراهيم في مرحلة خلق العبارة أما ريادة الفكرة فلا رجاء لعقل تغذى على الجيف من بلوغها.. ويجهل علم الإجتماع تماما لانه يعتمد الشيوعية منهج صالح لكل زمان ومكان مثل وهم الكيزان في أن الدين الإسلامي صالح لكل زمان ومكان فأوصلوا السودان الى طريق مسدود كما ترى الآن.
    باختصار شديد عبد الله علي ابراهيم مهزوم ومأزوم ويمثل قمة نخب فاشلة مازالت تسأل عن الهوية في زمان قد أصبحت الحرية فيه غاية الغايات وعبد الله ما زال يسأل من أنا وماذا أفعل؟ عبد الله مازال يشرب من وهم الهوية ليهضم ما في معدته ما أكله من الجيف.
    بعد أن شبع عبد الله من جيفة الشيوعية الآن يداء الأكل من جيفة الفكر الكيزاني. فبد الله لم يك مثقف ولا حاجة عبد الله واحد من آكلي الجيف لا غير.

  2. رد علي 1265276  [TAHER OMER] الذي يقول:

    【جيفة الشيوعية كانت أكبر وليمة قد شبع منها عبد الله علي ابراهيم.فماذا تنتظر من عقول قد تغذت على الجيف؟】
    1. اذا قبلنا _ سماحة _ اسلوبك في النقاش وسلمنا بان الفكر الشيوعي “جيفة” كما تزعم، فالاجابة علي سوالئك المتواضع (فماذا تنتظر من عقول قد تغذت على الجيف؟) هي: يؤمل وينتظر منهم ان يبلغوا _ علي مستوي الانجاز الفردي والاممي محليا وعالميا وانسانيا _ مبلغ الصينيين والروس، مثلا، في القرن العشرين.
    2. 【ويجهل علم الإجتماع تماما لانه يعتمد الشيوعية منهج صالح لكل زمان ومكان مثل وهم الكيزان في أن الدين الإسلامي صالح لكل زمان ومكان فأوصلوا السودان الى طريق مسدود كما ترى الآن】
    يا زول انت ضد الشيوعية والكيزان _ فما دخل الدين الاسلامي في كل هذا؟ ما ذنب بائع تمر اذا انتهت بضاعتة نبيذا محرما؟
    3. لا اظنك تستطيع ان تقنع عاقلا بالشك في مؤهلات ع ع ا كاكاديمي وباحث وكاتب، رغم اتفاقي معك في ضبابيته كمفكر وزئبقيته كسياسي.

    رد علي محمد عبد الله برقاوي:
    1.【فهل هي أزمة فصام بين .. الخوف من بطش السياسة】
    ربما. دونك ما تعرض له حديثا _ مثالا لا حصرا _ شيوخ في عمر ع ع ا مثل امين مكي مدني/فاروق ابو عيسي/الصادق المهدي
    2. 【.. أوكفراً بها】
    بالتاكيد. هذا هو المفتاح لفهم كل ما يتعسر للمرء العاقل فهمه من بعض نتاج ومواقف ع ع ا. يذكرني لسان حال كفره (وكفر كثر من ابناء جيله بامكانية السياسة الخلاقة في سودان ما بعد الاستقلال) بقول الشاعر العبقري:
    《ان حظي كدقيق فوق شوك نثروه》
    《ثم قالوا لحفاه يوم ريح اجمعوه》
    3. 【أم هو حالة يأس وقنوط من إمكانية إعتدال ظل الوطنية في نفوسهم بعد أن أعوّج عودها فيها كحالة تعالي مرضية فصلتهم عن عامة الناس في أبراج عاجية متوهمة】
    لا شك عندي في صدق وطنية ع ع ا، ولست خبير نفس لافتي ان كان مريضا نفسيا او لا.

  3. رد علي 1265276  [TAHER OMER] الذي يقول:

    【ومازال عبد الله علي ابراهيم في مرحلة خلق العبارة أما ريادة الفكرة فلا رجاء لعقل تغذى على الجيف من بلوغها】
    ليعود فيقول:
    【الأخ سوداني تخلص من روح القطيع لو سمحت ظروفك】
    الصواب هو القول “غريزة القطيع” او “عقلية القطيع” وليس روح القطيع. اتري الان انك لست مؤهلا لتعيير الاخريين بانهم جهلاء ما فتئوا يعتركون لتملك زمام العبارة اذا كنت انت نفسك عاجزا عن حفظ تعبير (جزء من عبارة!) مكون من كلمتين؟!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..