هل ستصبح تحويلات الوافدين في مرمى دوائر الضرائب لدول الخليج؟

دبي ? الأناضول: يعود الحديث مرة أخرى عن احتمال فرض دول مجلس التعاون الخليجي ضريبة على التحويلات المالية يرسلها العاملون الأجانب إلى بلادهم سنوياً، والمقدرة بمليارات الدولارات، وسط جدل بين خبراء ومراقبين ما بين مؤيد ومعارض لتلك الضريبة.
يجيء ذلك في الوقت الذي قال فيه تقرير لصندوق النقد الدولي صدر الشهر الماضي ان فرض دول الخليج ضرائب على التحويلات الخارجية للأجانب، الذين يمثلون أكثر من 90 في المئة من إجمالي عدد العاملين في القطاع الخاص، ينطوي على كثير من السلبيات.
وتعتمد دول الخليج العربية على عائدات النفط في تمويل موازناتها، وتعتبر واحدة من أكبر مصادر التحويلات المالية الخارجية في العالم، بسبب اعتماد اقتصاداتها بدرجة كبيرة للغاية على العمالة الأجنبية. وقد تجاوزت هذه التحويلات 100 مليار دولار في العام الماضي، وفقاً لأرقام البنوك المركزية الخليجية، والتي تزيد عن تلك التي يعتمدها صندوق النقد الدولي. وتأتي السعودية (ثاني أكبر دولة بعد أمريكا في حجم تحويلات الأجانب) في المرتبة الأولى بين دول الخليج (43 مليار دولار، تليها الإمارات (33 مليار دولار، والكويت (15 مليار دولا) وقطر (11 مليار دولار).
وحسب تقديرات حديثة صندوق النقد الدولي يبلغ حجم التحويلات السنوية للأجانب من الدول الخليجية بنحو 84.4 مليار دولار، مبينا أن فرض ضريبة بنسبة 5% على تلك التحويلات، سينتج عنه إيرادات تصل إلى 4.2 مليار دولار، أي 0.3 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي الخليجي.

المؤيدون: لا تأثير سلبي

قال ناصر السعيدي، رئيس الشؤون الاقتصادية في مركز دبي المالي العالمي سابقاً، ان الدول الخليجية قد تلجأ إلى فرض ضريبة على تحويلات الأجانب، وذلك لزيادة عوائدها غير النفطية ومواجهة انخفاض أسعار النفط، نافياً أن يكون لذلك تأثير سلبي على جاذبية المنطقة الاستثمارية.
وأضاف في اتصال عبر الهاتف ان السبب الذي يدفع دول الخليج إلى التفكير في وضع ضريبة على تحويلات الأجانب، هو البحث عن مردود مالي آخر مع استمرار هبوط أسعار النفط والغاز. ولفت السعيدي، الذي شغل سابقاً منصب وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني، إلى «أن هناك نقاشات بين الحين والآخر هنا أو هناك ولكن حتى الآن لم يعلن أي بلد خليجي اعتزامه تطبيق تلك الضريبة».
وقال فضل البوعينين، الخبير الاقتصادي السعودي، ان تحويلات الوافدين الأجانب ما زالت تعتبر إحدى أهم التدفقات المالية الخارجة من منطقة الخليج، وأنها أصبحت تشكل عبئاً مالياً على اقتصادات المنطقة التي تراجعت مداخيلها من تصدير النفط والغاز بين 50 و60 في المئة بسبب هبوط الأسعار العالمية.
وتابع البوعينين في مقابلة عبر الهاتف من الرياض «في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، تصبح فرضية إقرار ضرائب على التحويلات حقاً مشروعاً رغم تخوف الكثيرين منها».
وأضاف «أي قرار مرتبط بفرض ضريبة على التحويلات في الخليج يحمل جانبين، الأول إيجابي باعتباره سيرفد خزينة الدولة بإيرادات جديدة، والآخر سلبي يؤدي لظهور سوق موازية (سوداء) للتحويلات».
وأوضح الخبير الاقتصادي السعودي ان هناك بدائل أخرى أمام دول الخليج بدلاً من اللجوء لفرض الضريبة، هو التعامل مع التحويلات وفق الأسعار العالمية للصرف، حيث أن النظام المعمول به يحرم الدولة من هوامش ربحية كبيرة تدخل خزينة شركات الصرافة والبنوك، تفوق قيمة الضريبة نفسها.
وانتقد البوعينين تحذيرات صندوق النقد الدولي من سلبية تطبيق ضريبة تحويلات الأجانب على الاقتصاد الخليجي، لا سيما وأن الصندوق نفسه رحب في السابق من فرض ضريبة المضافة المزمع تطبيقها مطلع 2018 لتنويع الإيرادات غير النفطية.
وكان صندوق النقد الدولي حذر أيضاً في تقريره الأخير من أن فرض ضريبة على تحويلات الأجانب ستترتب عليه كلفة إدارية وتشغيلية، قد تخفض من الإيرادات، فضلاً عن مخاطر تتعلق بسمعة الدولة بين العمال، وتراجع تنافسية القطاع الخاص، إضافة إلى الحاجة لفرض قيود على قطاع الصرافة، وتعدد سعر التحويل.

المعارضون: فقدان الجاذبية الاستثمارية

في المقابل يري الخبير الاقتصادي محمد العون، أن فرض ضريبة على تحويلات الأجانب في الخليج قد يؤدي إلى فقدان المنطقة جاذبيتها للعمالة الماهرة على المدى القصير، وسيقضي على اعتبار المستثمرين لها «جنة ضرائب.»
ووقعت دول مجلس التعاون الخليجي الست اتفاقيات إزدواج ضريبي مع عدد من الدول المصدرة للعمالة تتضمن عدم فرض ضرائب على دخل العمالة المحلية والأجنبية.
وأضاف العون، في اتصال هاتفي من قطر، أن العوائد الناتجة عن فرض الضريبة تعتبر ضئيلة مقارنة بحجم الإصلاحات المالية غير المسبوقة التي تقوم بها دول المنطقة في العامين الماضيين، لدعم ميزانياتها.
ولفت إلى أن توفير فرص لاستثمار أموال المستثمرين الأجانب عموماً والوافدين منهم بصفة خاصة، أفضل من فرض رسوم أو ضرائب على تحويلاتهم. وقال طارق قاقيش، الخبير الاقتصادي ومدير الأصول في شركة «المال كابيتال» ومقرها الإمارات، أن دول الخليج مطالبة بتعزيز إيراداتها الضريبية، بهدف تلبية متطلبات الإنفاق المتزايدة في حال استمرار هبوط أسعار النفط لفترة طويلة.
وأضاف أنه يتوجب على دول الخليج تشجيع العاملين الأجانب على إنفاق مدخراتهم النقدية أو إعادة استثمار التحويلات أو جزء منها داخل بلدان المنطقة، من خلال السماح للوافد باستثمار أمواله في الصناديق الاستثمارية أو صناديق التأمين أو العقارات.
ويعيش أكثر من 17 مليون أجنبي في دول مجلس التعاون الخليجي الست، ويرتفع العدد الكلي إلى 23 مليوناً أو أكثر، بعد إضافة أفراد أسر العمالة الوافدة، أي ما يعادل قرابة نصف سكانها البالغ عددهم 48.8 مليوناً، حسب أرقام المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..