بيع أراضي الدولة : هل هو مطلبٌ أوحد لنجاح الاستثمار؟

1-2

انتشرت في السودان بنحوٍ عام، والخرطوم بصفةٍ خاصَّة، ظاهرة بيع أراضي الدولة بصورةٍ مُخيفة، وبلغت حدوداً ومُستويات غير مسبوقة، وبَدَتْ آثارها السلبية العديدة تظهر وتبدو أكثر وضوحاً على أكثر من صعيد (اقتصادي، اجتماعي، سياسي، بيئي ? وصحِّي وغيرها). وذلك كله بمُبرِّر الاستثمار غير الموضوعي أو المُجدي، وهو ما اعتدنا سماعه عقب كل عملية بيع لقطعة أرضٍ أو منطقةٍ بأكملها والشواهد كثيرة ولا تخفي على ذوي البصيرة والبَصَرْ! تلك الحجة (الاستثمار) المردودة على أصحابها والتي أتاحت للغير احتلال مواقع غالية (مالياً ومعنوياً) من بلادنا دون وجه حق أو مُبرِّر موضوعي (أياً كان هذا المُبرِّر) وأضحت أقرب للاستعمار! والتي بلا شك سنلعق مرارتها وسنظل نلعقها باضطراد في المستقبل القريب والبعيد على حدٍ سواء!!
هذا الموضوع ? بيع أراضي الدولة ? ظلَّ هاجساً يُؤرِّق مضاجع العديدين من أبناء البلد والمُواطنين، وقادني لتناوُله حالياً ? رُبَّما ? ما شاهدته بالأمس في منطقة البراري (التي نالت حظاً وافراً من بيع أجزاء واسعة من أراضيها) انتشار مجموعة من الملاعب الصغيرة المُسوَّرة بأسلاك شبكية ناعمة، والتي أُقيمَت على ميادين أصلاً كانت موجودة ويُمارِس فيها أبناء الأحياء كرة القدم عصراً وهو ما ألفناه منذ تفتُّح أعيننا على الحياة، وهو ما ذكره لنا أيضاً الآباء والأجداد كعادة نشأت منذ أيام الاستعمار الـ(إنجليزي) وليس الحديث! ورغم رُؤيتي لهذه الملاعب كثيراً ? ليس فقط في منطقة البراري وإنَّما في غالبية أحياء الخرطوم الولاية ? إلا أنَّني لم أكُن أدقِّق في اللافتات التعريفية الخاصَّة بها إلا بالأمس، حيث قرأت وبالـ(نَصْ): ملعب بري كوريا (ملعب خاص)، المُقاول شركة الأنظمة الزراعية الـ(مُتكاملة)! الـ(مُموِّل وزارة المالية ? ولاية الخرطوم)، تكلفة المشروع 1707967 أي مليون وسبعمائة وسبعة ألف وتسعمائة سبع وستون جُنيهاً سودانياً (بالجديد)، أو مليار وسبعمائة وسبعة مليون وتسعمائة سبع وستون ألف جُنيه سوداني بالـ(قديم)! تخيَّلوا فقط مبلغ بهذه الضخامة يُدفَع في أمر أصلاً كان موجود، ليُحْرَم الناس منه ويتسبَّب في إيذاء البشر دون عوائد فعلية للدولة! بل العكس، له العديد من الآثار السلبية التي تمس وترتبط بأكثر من صعيد!
لعلنا بحاجة إلى التساؤُل بهدوءٍ وتدبُّر.. ما هي الفوائد العائدة على الدولة والمواطن من عملية بيع الأرض بخاصة لغير السودانيين، مهما كانت جنسيته والذين يمنعون في بلادهم امتلاك غير المواطن كشك جرائد ناهيك من أراضي في مناطق استراتيجية أو في أي مكان! أما كان أجدى إذا تم تأجير تلك الأراضي لأولئك المستثمرين لفتراتٍ يجري تجديدها بعد تقييم التجربة أو إلغائه إذا ما ثبُت عدم جدواها؟ ثم من الذي خوَّل الحكومة بيع أراضي الدولة التي دفع نفرُ كريمُ من أبنائها أرواحهم فداءً في سبيل سودانٍ مستقل وواعدٍ وحُر ولا تزال مسيرة التضحية ماضية؟ هل تم استبيان رأي المواطن وأخذ رأيه و(مُوافقته) على بيع أراضٍ له فيها نصيب (حتَّى لو كان أدبي ومعنوي) مثل ما لأولي الأمر؟ أم تراها ? أي الحكومة ? لا ترى لنا حقاً كشعب في هذه الأرض ولا نعدو بوجهة نظرها سوى قطيعٍ من الأغنام؟ ألم يقرأ الذين باعوا هذه الأراضي أو يتَّعظوا مما جرى لفلسطين وغيرها من عمليات بيع الأراضي؟ ولنا في مصر الـ(حبيبة) مثال (بل أمثلة)، حيث ناضل أبنائها وقاموا بتأميم قناة السويس بل وممتلكات حيوية أُخرى كانت مملوكة لغير المصريين نزعوها منهم بشكلٍ لا يقبل الجدل أو النقاش استشعاراً بحساسية الموضوع وخطورته على الدولة والمُواطن في آنٍ واحد، وهو موقف لم يستهدف عرض العضلات أو الـ(فَتْوَنَةْ) الحُكومية، وإنَّما تثبيتاً لحقوق أُمَّة ودولة وحفظاً للكرامة، بينما نقوم ببيع أراضينا دون رقيبٍ أو حسيب!
ثمَّ نتساءل أيضاً ? رُبَّما في براءة وعفوية ? ألا يعرف المسئولون استثماراً آخر غير البيع أراضي الدولة دون اعتبار لمجموعة من العوامل الـ(مُؤثِّرة) والـ(هامَّة)! كم ملعبٍ كهذا أقامته المحلِّيات بتمويلٍ من وزارة المالية بولاية الخرطوم؟ وما هي عوائدها الـ(مالية) بالنسبة للدولة والـ(معنوية) والـ(حياتية) بالنسبة للمُواطن؟ ولو تحجَّج بالبعضُ بأنَّ هذه الملاعب ليست كلها بتمويلٍ من وزارة المالية وأنَّ بعضُها مملوكٌ لـ(بعض) الـ(خواص) تكونُ المُصيبة أكبر! فهذا يعني أنَّ الدولة راعت جانب البعض وأغفلت الآخرين وهُمْ كُثُر، وأعني بهم المُواطنين الذين كانوا يستفيدون من هذه المساحات على الأقل بيئياً وصحياً!
كثيرون يرون ? وبوضوحٍ لا جدال فيه ? حجم التدهور البيئي والصحِّي نتيجة لغياب المساحات والمُتنفَّسات والغطاء النباتي الذي كان يُحيط بالخرطوم، كحقول الخُضر التي كانت غرب فندق الهيلتون والبساتين التي كانت في البراري نفسها والجريف (غرب وشرق) وغيرها، والتي كان لها أثرٌ بيئي وصحي ? رغم أنف من يُكابر ويُغالي ? على المناخ العام بالولاية، بخلاف تغذيتها للأسواق بالخُضروات الصحية والطازجة والـ(رخيصة) والألبان والدواجن التي بلغتٍ أسعاراً خُرافية الآن! وكثيرون ? أيضاً – يرون انتشار الـ(مُمارسات) غير المحمودة في أوساط الشباب، الذين لم يعودوا قادرين على مُمارسة الرياضة بعدما اختفت المساحات والميادين، وأصبحت إما مباني مُتعالية تسكنها (صفوة ونُخبة جديدة) أو ملاعب (خاصَّة) مدفوعة الثمن مُتاحة فقط للـ(خواص)! فلجأ الشباب لاتجاهات أُخرى يُفرِّغون فيها طاقاتهم العالية، والشواهد أيضاً كثيرة والإحصاءات (سواء حكومية أو غيرها) لا تكذب وتحكي عن نفسها!
لقد شاهدنا جميعنا الجهود الحثيثة التي تقوم بها الدول العربية ? لا سيما دول الخليج ? لتطوير زراعاتها وتهيئة أحزمة شجرية، رغم الظروف المناخية غير المُواتية لتلك الدول والتي لا تسمح لها إلا بزراعاتٍ مُعيَّنة، ومع ذلك واصلت جهودها لتهيئة أحزمة شجرية ونباتية، نزولاً للاعتبارات البيئية والصحِّية التي ذكرنا بعضُها، بل وثمَّة زراعات اقتصادية قامت بها مجموعة من دول الخليج كالإمارات والسعودية وغيرها. نحنُ في السودان لم نستفد من تلك الإشراقات، رغم صلاحية أراضينا ? ليس فقط الجزيرة والنيل الأزرق والأبيض والشرق وغيرها ? وإنَّما هنا في الخرطوم. وعلى سبيل المثال لا الحصر، بدلاً من قيام المحلِّيات ومن خلفها الدولة بمُؤسَّساتها الاتحادية المختلفة بالاستحواذ على مساحات تمَّ تخصيصها أصلاً لاعتبارات مُحدَّدة ومدروسة مُسبقاً، لماذا لم تُفكِّر في الاستثمار بالتشجير لتعظيم الفوائد عليها (أي الدولة بمُؤسَّساتها) وعلينا نحنُ (المُواطنون) وتعظيم الفائدة من خدمات مُقاوليها الـ(مُتخصِّصين) في (أنظمة الزراعة المُتكاملة!)؟ ومن ذلك مثلاً توزيع شتلات جوافة ومانجو وليمون ويوسفي على المنازل وزرعها في الشوارع، ولن نقول جلب الشتلات من الخارج بل من الأصناف المحلِّية، مع مُلاحظة الفارق بين تكاليف توفير وتوزيع الشتلات وإقامة الملاعب التي تستهلك مياه لري أرضيتها وإضاءة نحن بحاجة لها بخلاف أعمال الصيانة الدورية لتلك الملاعب الـ(خاصَّة!)، بينما يُمكن للدولة تكليف أصحاب المنازل برعاية هذه الشتلات، مع جائزة سنوية عينية لصاحب أفضل رعاية وأنظروا للفوائد حينها، وأقلَّها تهيئة غطاء نباتي في كل الخرطوم وبالتالي تغيير المناخ وتلطيف الجو، والاكتفاء الذاتي من مُنتجات تلك الأشجار وإمكانية التصدير وجلب دخل حقيقي للدولة!

تعليق واحد

  1. توجد أرض كبيرة جدا شرق المدرعات – تصلح أن تكون مدينة سكنية وناطحات سحاب تسكن جميع أفراد أسر الشهداء / أو أن تكون أسواق وشقق تؤجر و تؤمن صرف عائدها على أسر الشهداء.
    الأرض قيل ممنحوحة لمنظمة الشهيد / المنظمة بدلا عن استثمارها باعتها / باعتها لمسثمر فى الاراضى السكنية و أجنبى يمنى / والمستثمر باعها بأسعار مضاعفة للمتر المربع / طيب اذ لابد من البيع لماذا لا تبيعها المنظمة بنفسها للأفراد وبالأسعار المبالغ فيها .
    لعب × لعب

  2. حرامي سنار والوالي احمد عباس,اتفرغ لبيع اراضي سنار ولم يترك متر لم يقم ببيعه,اخر شئ وصل ليهو انو يبيع مدرسه البنات فيها,في سابقه هي الاولي في العالم,تقسم جزء من مدرسه بنات وتعمل فيها مغالق,عشان السواقين والعتاله ينسوا هموم مهنتهم باستراق النظرات الي الوجوه الحسنه,وبرر الحرامي احمدعباس فعلته,اي بنبيع ماكل العالم ببيع,قا

  3. يا استاذنا العزيز لاجديد فى هذه السياسة واول من استنها السيد رئيس الجمهورية ببدايات الانقاذ او مرحلة التمكين للعسكر المفلسين سمها ماشئت حين جمد العمل بقانون الاراض لعام 1925 وعلى ضوءه بيعت قلاع وصوامع منها سوقا ارض سوق الخضار بقلب الخرطوم على سبيل المثال لا الحصر اقيم محله برج وارضه لا تخص الدولة لا من بعيد ولا من قريب واذا نظرت لمجموعة المنتفعين تجدها لا تخرج عن سماسرة شلة حرامية الانقاذ ومنذو ذلك الزمان الى حينه لم تتوقف وصوتنا بحة من كترت تكرار مابنى على باطل فهو باطل فهذه العصابة الحاكمة لا ولن يجد منها السودان خيرا بالمرة وزى ما بقول العسكر بيان بالعمل فها هى الانقاذ الكيزانية كل صباح تدينا درس عملى فى الفساد بجميع ضروبه ولن تنتهى تلك الدروس الا بزوالها ولسان حالنا يقول زمان شن قلنا قلنا الطير بياكلنا سلام.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..