أخبار السودان

تفاقم مشكلة الاقتصاد.. هل تعمق الأزمة..؟

في ظل تدهور سعر صرف العملة وإشتداد الضائقة المعيشية

محجوب محمد صالح: الميزانية مبنية على افتراضات من الصعب تحقيقها على أرض الواقع
معتز موسى: مساع حكومية لإصلاح اقتصادي جادة وعميقة يؤكد أننا “نسير في الاتجاه الصحيح”.
مجدي عبدالقيوم: التعويل على العامل الاقتصادي في تفجير الأوضاع قراءة غير موفقة

محمد الأقرع

بدأ البعض يربط مستقبل الاحتجاجات في السودان وتحقيقها لهدفها المرحلي المعلن بـ(إسقاط النظام) من خلال التعويل على تفافم الوضع الاقتصادي أكثر وإشتداد الضائقة المعيشية التي بدورها ستدفع تلك الفئات التي مازالت تقف على الرصيف في انتظار انفراجة أو استقرار للنزول الى الشارع ودعم جموع الشباب المحتجيين منذ منتصف ديسمبر الماضي، وجاء هذا الرهان بناءًا على مؤشرات تؤكد تدهور الوضع فالسوق يومياً يشهد ارتفاعاً في سعر صرف العملات الأجنية مقابلة العملة المحلية مما يؤدي مباشرة الى زيادة في أسعار السلع ونسبة التضخم وغيرها من الإشكالات المتصلة، كذلك مازالت السوق السودانية تشهد أزمة سيولة حادة وفعلياً لم تفلح حتى الآن طباعة وضخ فئات عملة جديدة في جلاءها، ولعل هذه الحالة كما هي ذات تأثيرات سلبية على المواطن هي كذلك ذات نتائج كارثية جداً على الدولة التي ستكون مجابهة بتحديات حقيقية منها مثلاً تحمل زيادات جديدة في دعم السلع (الوقود، الخبز، الدواء) أو اللجوء الى الحل الأقرب وهو رفع الدعم الذي قد يزيد السخط كما توقع البعض بالتالي تزداد وتيرة الإحتجاج وتسقط الحكومة، عموماً على ضوء هذا الوضع والتوقع تتولد على ضوءه عدد من التساؤلات بداية من منطقية التصعيد الجماهيري استناداً على تفاقم الأزمة الاقتصادية لان هنالك من يقول أن السودان بأن التعويل على الضائقة الاقتصادية في إحداث تغيير سياسي في السودان سيناريو مكرور وعملياً كانت أوضاع الناس أسوأ في فترة التسعينات ولم ينجز هذا الهدف ؟، أيضا هنالك تسأل عن مدى قدرة الحكومة على مستوى الإجراءات الاقتصادية والخطاب السياسي على تجاوز الأزمة ..؟، فضلاً على دور المجتمع الدولي لإنقاذ الموقف خاصة وأن عدد من الدول بما فيها اوربية كانت قد أكد بأنها ستدعم الحكومة ولن تسمح بسقوطها..

تحدي الحكومة:

يرى مراقبون أن المشكلة الاقتصادية في السودان بدأت تطل بوجهها مباشرة بعد إنفضال دولة الجنوب التي ذهبت معها إيرادات البترول وفشلت الإجراءات الحكومية في مدارك الأمر والوصول الى حالة إستقرار، ويشيرون الى فشل خطط تعويم الجنية والإستعان والإستدانة من الجهاز المصرفي أو الدائنين الدولية وكذلك لم تفلح ودائع الدول الصديقة ولا تعويض الفاقد عبر تصدير الذهب كما انها لم تستطيع السيطرة على السوق ولم وخلق إستجابة للحوافز المغتربين التي إعلنت عنها الحكومة ليقوموا بتوريد تحويلاتهم عبر النوافذ الرسمية، هذا الفشل الذي إنعكس على معاش الناس دون شك كانت أحد الدوافع المهمة التي الى بروز الاحتجاجات التي لم تخمدها مؤخراً الإجراءات التي افضت الى زيادة كمية العملة المطبوعة وطرح فئات جديدة فالأزمة الاقتصادية على ما يبدو مازالت حاضرة . وفي أخر حوار مع بروفسير حسن مكي أوضح بعض ملامح الوضع والمالآت التي يمكن ان تفضي اليها قائلاً : ( كنا نستبشر بالشاب “معتز” لكن والقياس للإداء الاقتصادي بالدولار حينما أستلم رئيس الوزراء كان الدولار في حدود (35) جنية الآن في أفق الـ(70) وهذا نتائجه خطيرة جداً والدولة لا تعرف ذلك، هذا الوضع يعني أن (معتز) من تسلمه إنخفضت مرتبات العاملين في الدولة بنسبة (50%) بمعنى إذا كنت تصرف ثلاثة الف جنية كانت تعادل حوالي مئة دولار الآن ذات المرتب يساوي (40) دولار) واضاف : (الحكومة هذه غير قادرة على الاستمرار، الوضع الاقتصادي وحده مهدد لها، الحكومة الآن مطلوب منها أن توفر (70) قطعة خبز بسعر واحد دولار هذا صعب عليها كذلك مطلوب منها أن توفر (3) جالون بنزين بدولار، حتى السعودية لا تستطيع) .
بالمقابل مازال خطاب الحكومة متفائلاً ومؤكداً على تجاوز الأزمة رغم إقراره بحدتها فقد قال رئيس الوزراء وزير المالية معتز موسى أمس الأول أن الحكومة مستمرة في محارية الفساد وغسيل الأموال مؤكداً أن التحول الى الدفع الإلكتروني سيعالج أزمة السيولة واشار الى وجود مساع حكومية لتنفيذ سياسات إصلاح اقتصادي جادة وعميقة تنعكس نتائجها على زيادة الثقة في الاقتصاد وتؤكد “أننا نسير في الاتجاه الصحيح” .

قراءة في الميزانية

بالرجوع للميزانية هذا العام التي تمت إجازتها في البرلمان يرى المتابعون أنها تواجه تحديات كبيرة وقد كتب الاستاذ الصحفي المعروف محجوب محمد صالح عنها قبل أيام :(الميزانية الجديدة مبنية على افتراضات من الصعب ضمان تحقيقها على أرض الواقع، وأهم مشكلة تواجه صنّاع القرار الاقتصادي هي التنبؤ بسعر الصرف خلال الفترة المقبلة، وقد ظل توالي الهبوط في قيمة العملة الوطنية، دون أن تبدو في الأفق ملامح أية متغيرات قد توقف هذا التدهور المستمر، وهذا الوضع سيؤثر تأثيراً بالغاً على الافتراضات التي بُنيت عليها الميزانية، صحيح أن صادرات الحاصلات الزراعية يُتوقع أن تسجل مستويات أعلى من حصيلة صادرات العام الماضي، بسبب زيادة المحاصيل نتيجة لخريف غير مسبوق فيما توفر من أمطار، مع حسن توزيعها زمانياً ومكانياً، مما يجعل العام السابق تجربة شاذة ليس من المنظور تكرارها في العام المقبل، ولكن الصادرات – أيضاً – ستواجه صعوبات جديدة.
وإذا كان سعر الصرف بالنسبة للجنيه السوداني هو الكم المجهول، فإن الأمر ليس أفضل حالاً بالنسبة لحصيلة الصادرات، واجتيازها عقبات المصارف العالمية، في ظل وجود اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، التي لا نعرف متى تبدأ المحادثات المتعلقة بها، دعك عن صدور قرار يرفع الاسم من القائمة !!)، ويضيف : ( والحكومة تعتمد في إيرادات ميزانيتها على الجمارك والضرائب، دون أن تأخذ في الاعتبار مظاهر الكساد الواضحة الاَن، وانخفاض القوة الشرائية للمواطن السوداني بصورة ترسم أبعاداً لكساد غير مسبوق في تاريخ السودان الحديث، ليس ذلك فحسب، بل إن رأس مال القطاع الخاص في تدهور مستمر بسبب التضخم المنفلت الذي نعيش فيه، وبسبب التدني المستمر في قيمة العملة السودانية، وحتى الآن لم تضع الحكومة خطة لإنقاذ العملة الوطنية على المدى القريب ولا على المدى البعيد. وافتراض أن حصيلة الجمارك والضرائب ستوفر الدخل الذي احتوى عليه مشروع الميزانية الجديد، افتراض لا يستند إلى أي أساس منطقي، ولا يأخذ في الاعتبار حالة الكساد الراهنة، والأزمة التي تواجه القطاع الخاص وتأكل رأس ماله ! وأسوأ ما يمكن أن تحتوي عليه الميزانية الجديدة أن ترفع أسعار المحروقات مرة أخرى، تحت عنوان رفع الدعم، فإذا ما حدث ذلك فإن آثاره الجانبية ستكون أشد خطورة، وقد تؤدي إلى انفجار الأوضاع. كان الأفضل أن تضع الحكومة ميزانية مؤقتة لبضعة شهور، ريثما تنفذ بعض الإصلاحات العاجلة، ثم تضع ميزانية واقعية، بدل أن تجيز ميزانية تكون مهددة بالانهيار قبل أن يبدأ تنفيذها !!).

العامل الحاسم

وحول ارتفاع وتيرة الاحتجاجات بتفاقم الضائقة المعيشية و ودورها في نهاية الأمر الى تنحي الحكومة يقول الاستاذ مجدي عبدالقيوم عضو المكتب السياسي لحركة (حق) أن العامل الاقتصادي لم يكن العامل الوحيد الذي تسبب في تحريك الشارع رغم أهميته كمعطى موضوعي، لكن الشاهد أن هنالك عدة عوامل أسهمت في إعادة تشكيل العقل الجمعي وسببت في رفع درجة الوعي لقطاعات واسعة من الجماهير كانت بعيدة من الفعل السياسي المباشر، ويرى بأن التعويل على العامل الاقتصادي في تفجير أو تعميق الأزمة بحيث يؤدي في نهاية المطاف الى الثورة قراءة غير موفقة تستبعد العناصر الأخرى التي شكلت الأزمة، فالازمة الاقتصادية يمكن بسهولة أن يتجاوزها النظام اذا مشى في الطريق الذي يحاول المجتمع الدولي رسمه لإخراج النظام وتفعيل السيناريو الذي يضعه، واضاف: (ليس هناك من محلل سياسي يتابع المشهد الجاري ويعرف خبايا الأزمة الوطنية يمكن أن يقول بأن الأزمة الاقتصادية في حد ذاتها هي التي يمكن أن تطيح بالنظام أو ان تسقط الحكومة وحقيقةً أن الازمة الاقتصادية في منتصف التسعينات كانت أعمق كثير مما نشهده الآن وهذا يدحض فكرة أن الازمة الاقتصادية هي وحدها العامل الحاسم في صناعة المشهد برمته).

ويعتقد مجدي أن تحركات الحكومة على مستوى الاجراءات الاقتصادية والخطاب السياسي رهينة بتجاذبات وتقاطعات المعطى الاقليمي والدولي، مشيراً الى أن الحكومة حتى الآن لم تطرح خطاباً سياسياً بالمعاني الحرفي للكلمة لمعالجة الأزمة المتفاقمة وظلت تتعاطى مع مشهد الاحتجاجات بالسياسة الأمنية البحتة والتي يبدو واضحاً تجلي للموقف الرسمي السياسي للسلطة، ويصف الاجراءات الاقتصادية التي تحاول الحكومة طرحها بالعبثية فالازمة كما يقول في جوهرها أزمة سياسية نجمت عنها أزمة اقتصادية أدت الى ما يشهده الشارع الآن من احتجاجات وهذه الإجراءات نفسها كطباعة فئات جديد من العملة لا تؤثر كثيراً في الأزمة الاقتصادية باعتبار أنها نجمت عن تشوهات هيكلية في البينة الاقتصادية كنتيجة طبيعية للسياسات الخاطئة.

المجتمع الدولي وسيناريو التسوية

وعن المجتمع الدولي ودوره في دعم الحكومة وإنقاذ الموقف يوضح مجدي بأنه أصلا حاضر في المشهد سوى مباشرةً بأطروحته المعلومة التي تدعو الى إيجاد تسوية عبر سيناريو يسمى بـ(الهبوط الناعم) أو بشكل غير مباشر ولكنه في خاتمة المطاف يصب في ذات الاتجاه كـ(منبر الدوحة الجاري الآن) بالاضافة الى التحركات الاقليمية التي جرت وتجري حتى الساعة، المجتمع الدولي كما يظم هو الذي أسهم بشكل مباشر في تفاقم الازمة الاقتصادية عبر ما يسمى بسياسة حافة الهاوية والتي ترتكز في إحداث حصار اقتصادي خانق يؤدي في نهاية المطاف الى غضب شعبي وجماهير يشكل ضغطاً شعبياً على السلطة مما يجعلها تضطر لتغيير جذري في سياساتها أو إحداث تغيير في بنية النظام بشكله الكامل وهو السيناريو المطروح الجاري التنفيذ . ويشرح مجدي عبدالقيوم في خاتمة حديثه بأن الاحتجاجات في حد ذاتها هي وسيلة لإجبار السلطة (أي سلطة) لتقديم تنازلات ولكنها ليس الفعل السياسي الذي لوحده يمكن يحدث تغيير فالطبيعي أن تلتفق القوى السياسية القفاز وتطرح رؤية سياسية متكاملة للخروج بالبلاد من نفق الأزمة الوطنية.

أخيراً

الميالون بأن الضائقة الاقتصادية قد تزيد من حدة الشارع وتحقيق أهداف المحتجين يتفقون مع المقولة التي ترى أن الأزمة لن تخلق الثورة لكن الوعي بها هو ما يخلق الثورة مشيرين الى أن الوعي الذي ظل يتشكل طيلة الفترة الماضية قادر على إعادة حشد الصفوف ورفع وتيرة الاحتجاج، عموماً الواقع يقول أن الحكومة تقف بين نارين أما تسير الأمور بالكيفية الجارية الآن وهو إجراء صعب الاستمرار فيه في ظل المعطيات الجديدة في انخفاض سعر صرف العملة أو القيام برفع الدعم هو الخطوة التي تضعه في رحم الشارع ومدى إستجابته لها وتفاعله معه، وبين هذا وذلك يبقى دعم المجتمع الدولي والدول الصديقة الذي على ما يبدو هو الأخر أصبح رهينة لإشتراطات محددة.

الجريدة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..