شبح المحاصصة السياسية يلوح مجددا في السودان

حاول ممثلون كبار عن الجيش السوداني وقوى الحرية والتغيير كبح شبح المحاصصة السياسية في السودان قبل أن يصبح أمرا واقعا في ظل التباين الحاصل، وسعوا من خلال جمعهم في بيت الضيافة بالخرطوم مساء الأربعاء لقطع الطريق مبكرا على مشكلة يمكن أن تزيد الأمور تعقيدا.
وحضر اجتماع بيت الضيافة رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو وكل أطراف العملية السياسية من المدنيين الموقعين على الاتفاق الإطاري، وممثلو الآلية الثلاثية واللجنة الرباعية والاتحاد الأوروبي.
وقال بيان للحرية والتغيير (المجلس المركزي) الخميس، إن الاجتماع خلص إلى توافق على أسس ومبادئ الإصلاح الأمني والعسكري والفراغ من عقد مؤتمري العدالة والعدالة الانتقالية والإصلاح الأمني والعسكري قبل بداية شهر رمضان المقبل.
وستتم الدعوة إلى انعقاد آلية سياسية تبدأ عملها بصورة عاجلة لصياغة مسودة الاتفاق النهائي، وتكليف اللجنة التنسيقية المشتركة مع الآلية الثلاثية بصياغة جدول زمني للمهام والقضايا المتبقية، على رأسها تحديد ميعاد توقيت توقيع الاتفاق النهائي وتشكيل هياكل السلطة المدنية الانتقالية التي تنشأ على أساسه.

وكتب القيادي بالحرية والتغيير ياسر عرمان تغريدة قال فيها إن “التوافق تم على أسس ومبادئ الإصلاح العسكري والأمني ووضع القوات المسلحة والدعم السريع في الاتجاه الصحيح الذي يخدم السودان ويقوم على قوة المنطق لا منطق القوة في إزالة أي تباين بين الأطراف”.
وكان الخلاف تجدد مؤخرا حول معايير تشكيل الحكومة حال التوصل إلى تفاهمات نهائية تقضي بتنفيذ الاتفاق الإطاري واستكمال العملية السياسية في البلاد، وسط مطالبات من قوى الحرية والتغيير الموقعة على الاتفاق الإطاري أن يكون رئيس الحكومة سياسيًا قادراً على تنفيذ مطالب الثورة، ما أثار مخاوف بشأن الوقوع في فخ المحاصصة السياسية مرة أخرى.
وأشار عرمان في وقت سابق إلى أن رئيس الوزراء القادم يجب أن يكون سياسياً، معرباً عن رفض قوى الحرية والتغيير تولي حكومة تكنوقراط السلطة.
وتزايد الحديث حول إمكانية تشكيل حكومة تسيير أعمال مع استمرار التعقيدات التي تعرقل الوصول إلى تسوية سياسية، غير أن اجتماع بيت الضيافة أوحى بإمكانية التفاهم على الخروج من هذا المأزق قريبا.
وسعى المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير لتسيير الدفة نحو الالتزام بمخرجات الاتفاق الإطاري دون انزلاق إلى إجراءات ثانوية تسهم في تنحية الاتفاق الذي جرى التوقيع عليه في الخامس من ديسمبر الماضي مع المكون العسكري.
ولم تصل القوى السياسية والمكون العسكري إلى معايير نهائية لاختيار رئيس الحكومة والوزراء، وهو مطب يجب تخطيه سريعا، وجعل مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان فوكلر بيرتس يلوح أخيرا بتعيين رئيس حكومة من الصف السياسي الثالث في البلاد.
وتعزز أزمة فقدان الثقة في نجاح الشراكة الجديدة بين المدنيين والعسكريين الاتجاه نحو اختيار وزراء من السياسيين، خاصة أن القوى المدنية لديها قناعة بأن ترتيبات الانتخابات المقبلة يقبض على مفاتيحها الرئيسية الجيش.
وتعلم القوى المدنية أن تنازلها يُسهل عملية الانقضاض على أي حكومة مستقبلية، ما يفتح الباب للانقلاب عليها مجدداً، وفي هذه الحالة سيكون “انقلابا آمنا” بلا مقاومة.
وتدرك هذه القوى أن التوافق حول برنامج يُمكن السير على أساسه عند تشكيل الحكومة مسألة صعبة ما لم تكن هناك ضمانات حاسمة للتنفيذ، وباتت رؤيتها السابقة محل مراجعة كلما واجه الاتفاق الإطاري عثرات جديدة.

وتخوض بعض الأحزاب السياسية معركة كسر عظام مع الحركات المسلحة التي نص اتفاق جوبا على منحها نسبة 25 في المئة من الوزارات، ومعها قناعة بأن المحاصصة يجب أن تكون حاضرة في الحكومة المقبلة وإن لم تشارك قياداتها فيها.
وأكد المحلل السياسي سليمان سري أن الصراع السياسي يضع مبررات عديدة للقوى المدنية لتكون حاضرة على رأس الحكومة المقبلة، ومع الحق في ذلك لحماية الثورة والضغط لاستكمال أهدافها، وأن المجلس المركزي يعلم أن قدرته على انتزاع حقوقه من المكون العسكري تتطلب تمثيلاً جادا وقويا في السلطة التنفيذية.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الأوضاع العامة غير مهيأة لنجاح تجربة الاستعانة بالتكنوقراط في هذه المرحلة، لأنهم سيواجهون مشكلات بسبب فقدان القدرة على التعامل معها، وتبدو سيناريوهات الفترة الماضية حاضرة في أذهان القوى السياسية التي تسعى لتقف بقوة في مواجهة أي مناورات سياسية يُقدم عليها العسكريون.
وتوقع سري أن تواجه الحكومة الجديدة نفس مشكلات المحاصصات السابقة، ومبرر تمسك المدنيين بها وإن كان يحمل وجاهة معينة سوف يفرز المزيد من الصراعات بين القوى المدنية من جهة، وبين المدنيين والعسكريين من جهة ثانية.
ويشكل اتجاه الحرية والتغيير نحو تعيين رئيس حكومة سياسي خروجًا على دستور نقابة المحامين الذي ارتضته قوى الاتفاق الإطاري كأرضية للتفاوض، ونص على أن الحكومة الجديدة من الكفاءات الوطنية واختيارها يتم بعيدا عن المحاصصة.

وثمة اتفاق ضمني على أن الأزمة سياسية بامتياز وبحاجة إلى حنكة في التعامل بين المكون المدني والشركاء في السلطة، ويمثلهم الجيش والحركات المسلحة.
ومن الواضح أن الخلاف حول تشكيل الحكومة الجديدة ومعايير اختيار الوزراء دفعت للتركيز على حصر الأزمة داخل العسكريين لاستثمار التباين الحاصل بين البرهان وحميدتي، والذي يظهر ويختفي من حين لآخر، ولم يتم حله بصورة نهائية.
وأشار المحلل السياسي شوقي عبدالعظيم إلى أن تيار المجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير لا يبحث عن محاصصة شبيهة بتلك التي كانت حاضرة مع حكومة عبدالله حمدوك الثانية، ويحاول الوصول إلى صيغة مقبولة لاختيار المرشحين للمناصب الوزارية وفقًا لمقياس الكفاءة مع انتماءات سياسية تميل للتخصص على نحو كبير.
وقال في تصريح لـ”العرب” لن يكون مسموحاً للأحزاب باختطاف وزارات وتبني سياسات بعينها، كما كان الوضع في السابق، وكل وزير سوف يسير وفقًا لرؤية الدولة، وهذا الاتجاه يجد السودان نفسه مضطراً إليه مع ضرورة تعيين وزراء لديهم إيمان كامل بالثورة وأهدافها، والاستفادة من الأخطاء التي وقع فيها سياسيون سابقا.
وينظر البعض من السياسيين في السودان إلى أن حمدوك تولى مهام منصبه لأول مرة على أساس خلفيته الاقتصادية قبل التركيز على انتماءاته السياسية.
وتمر العملية السياسية في السودان بثلاث مراحل بدأت بالاتفاق الإطاري ثم ورش العمل ثم الوصول إلى الاتفاق النهائي حول آليات تنفيذه وطرق تشكيل الحكومة الجديدة.
العرب