تفاصيل 5 أيام قضاها سائقون مصريون في سيول السودان

في غضون التاسعة صباح أمس الأول وصل صلاح شلبي إلى مدينة أبو سمبل في أسوان، تنفس سائق النقل الثقيل الصعداء، بعد ثلاثة أيام اُحتجز فيها داخل سيارته بينما تحيطه مياه السيول من كل جانب، فيما لا زال وائل أبو علي لليوم الخامس في مدينة أم درمان السودانية، ينتظر الانطلاق مع فوج العربات التي قررت المجازفة والسير أملاً في العودة إلى مصر، وإنهاء تلك الرحلة العصيبة التي مر بها عدد من سائقي النقل المصريين بسبب الأمطار، في طريق نقلهم لبضائع تجارية من السودان.
اعتاد شلبي الذهاب والمجيء على طريق مصر- السودان البري (منفذ قسطل) منذ عامين، لم يخطر بباله أن تتساقط الأمطار في ذلك التوقيت المقبل على شهر أغسطس، وتُخلِف سيولاً تأخذ ما بطريقها.
كان السائق صاحب الثلاثة والخمسين عامًا في السيارة الرابعة لأسطول النقل المصري العائد من السودان بعد تحميل شحنتهم من الماشية، مساء الجمعة الماضي كانت الساعة تقارب الحادية عشر مساءً، وأما موقعهم؛ الكيلو 180 ما بين مدينتي حلفا والخرطوم. الأمطار تهطل بغزارة في المنطقة الجبلية بشكل لم يره شلبي من قبل ?كان الجبل بيقع منه صخر الواحدة تجيلها 15 لـ20 كيلو تتدحرج على الطريق لغاية ما توصل الناحية التانية?.
اتخذ السائق ورفاقه القرار الأسلم بالتوقف مكانهم، فيما رأى شلبي ما هاله ?السيول كانت بتاخد البيوت والعربيات الكبيرة الجامبو?، فما على بعد 10 أمتار قطعت المياه الطريق إلى نصفين كما يصف شلبي، يصل عمق الشق نحو 15 مترًا حسبما قدر السائق بعد أن استطاع رؤية الطريق في اليوم الثالث.
1
علق شلبي على بعد 30 كيلومترًا من الحدود المصرية، لكن المسافة وقتها كانت كالأميال، فيما مكث وائل، ، ضمن سائقي أكثر من 30 سيارة في منطقة المويلح في مدينة أم درمان، إذ كانوا من بين السيارات الفارغة التي عبرت وينتظرون شحن حمولتهم، ومَن أتموا الحمولة لكن أوقفتهم المياه ?الطريق اتقطع من الأمطار ومعرفناش نتحرك ووقفوا أننا نحمل? يقول وائل.
مكث شلبي داخل سيارته، المياه في اليوم الأول يزيد ارتفاعها عن المتر، فيما يبلغ ارتفاع سيارته 4أمتار ونصف. لا شيء يدور في خلد الرجل الخمسيني سوى الدعاء، ينظر للمنازل الغارقة في قرية عكاشة أو ما يسمونها الدهب، يتساءل ?أكيد في أطفال وناس جواها يا ترى جرى لهم ايه؟?، اهتز كيان السائق، لازم الدعاء ?الواحد كان بيصلي مرتين بيجمع فيهم عشان السفر بقينا نصلي 3 أو 4 مرات?.
2
أوقات عصيبة مرت على شلبي طيلة اليومين الأوائل، يحمد الله أنهم لم يتحركوا أمتاراً أزيد عن وقوفهم، وإلا ربما كان مصيرهم الموت في الطريق المحطم ?الواحد بيعرف نعمة ربنا عليه في الوقت ده?، في اليوم الثالث كاد الطعام أن ينفذ، حاول السائق ورفاقه التواصل مع الجهات المسؤولة، نجحوا ووجدوا سيارات ?لودر? تقيم سدوداً ترابية، وتحاول ردم المياه التي شقت بحيرات على الطريق.
انخفض منسوب السيول في اليوم الثالث ?وقتها عرفنا نشوف الطريق?، لملم شلبي تفاصيل أخرى ?الأسفلت رقيق جداً سمكه ميجيش 10 سم اتشال من قوة المية وطلعت الحاجات الرمل والحاجات اللي تحته?، فيما استطاع السائق برفقة 4 آخرين المجازفة بالسير، ليكتشف أن الطريق انشق مرة ثانية على بعد 15 كيلو مترًا، مما اضطرهم إلى الانتظار لنحو ساعتين.
3
في ذلك الوقت كان القلق ينهش في نفس وائل ?بقينا مهددين بالسرقة?، لا يعلمون المصير، فيما تهب الرياح وتواصل الأمطار الكثيفة الهطول. احتمالات كثيرة ما بين نفاذ طعامهم، وتأثر شحنتهم ?أحنا محملين بقر وده ممكن يموت?، فضلاً أن تأشيرة الدخول لـ15 يومًا، إذا تعدوها تحملهم غرامة 100 جنيه سوداني، ما يعادل من 50 إلى 55 جنيهًا مصريًا.
لم تكن المرة الأولى التي يشهد فيها شلبي ووائل السيول، لكنها الأصعب كما يقول السائقان لمصراوي. عام 1990 عايش شلبي سيول السعودية، كان وقتها سائقًا على طريق الخليج ?كانت المية تنزل من على الجبل وتاخد العربيات اللي راكنة وتوديها تاني ناحية الجبل?، يصف السائق الخمسيني تلك الأمطار أنها ?صفر على الشمال? مقارنة بما رآه في السودان.
أما وائل، ففي صيف العام الماضي، غمرت الأمطار السودان، وشقت الطريق لكن ?وقتها العربيات مكنتش اتحركت من الجمارك?، فسرعان ما عادت الحياة سريعًا، إذ لم تكن بالشدة التي حدثت هذه المرة.
4
استطاع شلبي ضمن سائقي 12 سيارة أخرى الوصول إلى الحدود المصرية بعد السماح لهم حسب قوله ?حمولتي كانت خفيفة 10 طن لو كنت أكتر من كده مكنتش عرفت أعدي?. يقول السائق الخمسيني إن الطريق بات هشًا بفعل الأمطار، لذلك ظل يشغله زملاؤه العالقون أو العابرون المستقبلون ?العربية بحمولتها ممكن توصل لـ106 طن إزاي الطريق حيستحمل ربنا يسترها عليهم?.
أفرغ شلبي حمولته من البقر في مدينة أبو سمبل، الثلاثاء الماضي، هدأت نفسه بالبيات في أسوان على أن يعود لمنزله، فيما صنعت السلطات السودانية طريقًا استثنائيًا عبر الجبل لعبور السيارات الأخف حملاً والعربات الصغيرة الراغبة في العودة إلى مصر، يقول وائل إن 15 سيارة فعلت، وينتظر هو ضمن 15 أخرى تستعد للرحيل، لكن الخوف لا يغادر السائق الأربعيني ?أحنا بنجازف عشان نروح وربنا يهلمنا الصبر على الطريق?.
المدارية