ثمانيةٌ وخمسون عاماً من الفشل في التوافقِ على دستورٍ دائمٍ للسودان

د. سلمان محمد أحمد سلمان
1
تأتي الذكرى الثامنة والخمسون لاستقلال السودان وبلادنا ما تزال بلا دستورٍ دائم يتضمّن المعالم الرئيسية لحكم البلاد، ويوضّح حقوق وواجبات مواطنيها. وتُحكمُ البلادُ الآن بما تبقّى من دستور عام 2005 بعد أن قام رئيس المجلس الوطني السابق في شهر فبراير عام 2011، مباشرةً بعد إعلان نتيجة الاستفتاء، بحذف المواد التي تشير إلى جنوب السودان والحركة الشعبية من ذلك الدستور. تمّ ذلك دون نقاشٍ، سواءٌ على المستوى الشعبي أو حتى داخل المجلس الوطني. وكما سنناقش لاحقاً فإن هذا الإجراء في اعتقادنا غير سليمٍ ويتعارض مع الدستور نفسه. إضافةً إلى هذا فإن هذا “الدستور الجديد” غير متاحٍ ولا يمكن العثور عليه لا في مواقع الحكومة الالكترونية أو في مكتبات البلاد.
سوف نوضّح في هذا المقال أن البلاد قد تمّ حكمها بثمانية دساتير وعددٍ أكبر من الأوامر العسكرية منذ فترة الحكم الذاتي قبل ثلاث سنواتٍ من الاستقلال، وحتى اليوم. وسوف نناقش حالة التعثّر والارتباك التي صاحبتْ وما تزال تصاحب مسألة إصدار دستورٍ دائمٍ للسودان، مثل بقية دول العالم.
2
الدستور الأوّل للسودان
كان أوّل دستورٍ للسودان هو قانون الحكم الذاتي الذي صدر عام 1953 بغرض تنظيم إدارة السودان خلال فترة الحكم الذاتي والتي كانت ستنتهي بتقرير السودان لمصيره بين الوحدة مع مصر أو الاستقلال. وقد جمع ذلك القانون بين حكومةٍ وطنية يتمُّ انتخابها انتخاباً مباشراً، وبين صلاحيات محدّدة للحاكم العام الإنجليزي، يعاونه مستشارٌ من مصر (السيد حسين ذو الفقار) وآخر من باكستان (السيد ميان ضياء الدين). وقد شمل قانون الحكم الذاتي كلَّ التفاصيل التي تشملها الدساتير. بل لقد زاد عليها باشتماله على ملاحق فصّلت الصلاحيات الدستورية والقانونية للحاكم العام، وكذلك الدوائر والإجراءات الانتخابية. وقد تمّ حُكمُ السودان بسلاسةٍ خلال فترة الحكم الذاتي بهذا الدستور الذي أثبت نجاحه وكفاءته، وأدّى غرضه بجدارةٍ.
3
الدستور الثاني للسودان
كان من المفترض بعد الاتفاق على إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان في 19 ديسمبر عام 1955، البدء في صياغة الدستور الدائم للبلاد. ولكن التعثّرَ بدأ منذ تلك اللحظة. فقد اتضح أن الوقت غير كافٍ لحسم المسائل المعلّقة وإصدار دستورٍ دائم للسودان مع الاستقلال في الأول من يناير عام 1956. عليه فقد تمّ إدخال تعديلاتٍ بصورةٍ عاجلة على قانون الحكم الذاتي وإصداره تحت مسمى “دستور السودان المؤقّت لعام 1956.” وقد شملت تلك التعديلات إنشاء مجلس سيادة من خمسة أعضاء (من بينهم عضوٌ جنوبيٌ واحد) كرأسٍ للدولة بصلاحياتٍ محدودة ليحلَّ محلَّ الحاكم العام، على أن تكون رئاسة المجلس شهريةً بالتناوب بين أعضائه الخمسة. وهكذا أبقى دستور عام 1956 على النظام البرلماني حتى اتفاقٍ آخر. وقد أشار السيد حسن الطاهر زروق الذي كان عضواَ بالبرلمان من دوائر الخريجين إلى أنه كان يأمل أن يتمَّ الاتفاق على دستورٍ قبل الاستقلال، وأنه غير متفائلٍ بالتوافق على صياغة دستورٍ بديل، ويتوقّع أن يظل السودان يُحكم بالدستور المؤقّت لزمنٍ طويل.
شكّلت حكومة السيد عبد الله خليل لجنةً لوضع الدستور في شهر سبتمبر عام 1956 برئاسة السيد بابكر عوض الله رئيس مجلس النواب، وتمَّ تعيين السيد أحمد خير نائباً له. وقد تمخّضت اللجنة وولدتْ دستوراً إسلامياً عربياً للسودان ودولةً مركزيةً لا مكان فيها للفيدرالية التي وعد الساسة الشماليون إخوانهم الجنوبيين بإعطائها “الاعتبار الكافي.” لهذا السبب فقد رفض الأعضاء الجنوبيون ذلك الدستور وانسحبوا من اللجنة. ودبّت الخلافات في تفاصيل مسوّدة الدستور وسط الساسة الشماليين الذين كان بعضهم يفضّل النظام الرئاسي على النظام البرلماني الذي اقترحته لجنة الدستور. ولم تتم إجازة ذلك الدستور واستمر حكم البلاد بدستور عام 1956 المؤقّت حتى انقلاب الفريق إبراهيم عبود.
4
قفز الفريق عبود وجنرالاته على السلطة في 17 نوفمبر عام 1958 إثر دعوة رئيس الوزراء عبد الله خليل لهم لاستلام مقاليد الحكم لإنقاذ الوطن من الفوضى التي قال إنها قد عمت البلاد. وكان أول قرارات حكومة الفريق عبود هي تعليق العمل بدستور عام 1956. وأصبحت البلاد تُحكم بأوامر عسكرية (سُمّيت “أوامر دستورية”) يصدرها المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أعطى نفسه السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في السودان.
بعد عامٍ من الانقلاب، في نوفمبر عام 1959، كوّن المجلس لجنةً برئاسة رئيس القضاء السيد محمد أحمد أبورنات لدراسة المشاركة الشعبية في حكم البلاد. أصدرت اللجنة مقترحها بقيام مجالس محلية مُنتخبة في كل أنحاء السودان، على أن تقوم هذه المجالس في كل مديريةٍ من مديريات السودان التسعة بانتخاب مجلسٍ لتلك المديرية، ثم يقوم كلٌ من مجالس المديريات التسعة بانتخاب ستةٍ من أعضائه للمجلس المركزي في الخرطوم. وبالإضافة إلى أعضائه الأربعة والخمسين المنتخبين انتخاباً غير مباشر، يقوم رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتعيين ثمانية عشر عضواً ليرتفع عدد أعضاء المجلس المركزي إلى اثنين وسبعين عضواً. كما اقترحت اللجنة أن يكون أعضاء مجلس الوزراء أعضاء في المجلس المركزي بحكم مناصبهم. لم يتم تطبيق تلك التوصيات حتى نهاية عام 1963 عندما تكّون المجلس المركزي لأولِّ مرّة. غير أنه لم يصدر المجلسُ الأعلى للقوات المسلحة أو المجلسُ المركزي أيَّ دستورٍ للسودان الذي ظلَّ يُحكم بالأوامر العسكرية حتى اندلاع ثورة أكتوبر.
5
الدستور الثالث للسودان
بعد نجاح ثورة أكتوبر عام 1964 اتفقت الأحزاب والنقابات والاتحادات التي قادت الثورة على العودة إلى دستور عام 1956، وتمّت تسميته “دستور السودان المؤقّت لعام 1964.” وكما ذكرنا من قبل، فقد انبنى دستور عام 1956 على قانون الحكم الذاتي لعام 1953. وقد استمر العمل بدستور عام 1964 المؤقّت حتى انقلاب مايو عام 1969، بعد أن أُدخلتْ عليه عدّة تعديلات.
كان أول التعديلات هو تعديل الخاص بإلغاء الرئاسة الشهرية لمجلس السيادة واستبدالها بالرئاسة الدائمة (يونيو عام 1965). وقد كانت تلك صفقةً بين الحزب الوطني الاتحادي الذي آلت إليه رئاسة مجلس السيادة وتقلّدها السيد إسماعيل الأزهري، وحزب الأمة الذي آلت إليه رئاسة مجلس الوزراء وتقلّدها السيد محمد أحمد محجوب. وقد أغضبتْ تلك الصفقة الساسة الجنوبيين الذين كانوا يأملون في مزيدٍ من الصلاحيات الدستورية والسياسية (مع انعقاد مؤتمر المائدة المستديرة وقتها)، فإذا بهذا التعديل يجرّدهم حتى من رئاسة مجلس السيادة الدورية. وقد استقال العضو الجنوبي السيد لويجي أدوك من عضوية مجلس السيادة احتجاجاً على ذلك التعديل.
كان ثاني التعديلات هو التعديل الخاص بحلِّ الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه من البرلمان وتحريم الشيوعية ومحاكمة كل من يُتهم باعتناقها (نوفمبر عام 1965). رفع نواب الحزب الشيوعي دعوى دستورية ضد قرار حلِّ الحزب وطردِ نوابِه من البرلمان. وقد أصدرتْ المحكمة العليا قراراً يقضي ببطلان قرار حلِّ الحزب لتناقضه مع الحقوق الأساسية المضمّنة في دستور السودان المؤقّت لعام 1964. كما استندت المحكمة أيضاً على حقيقة أن دستور عام 1964 لا يشمل أي مواد تختصّ بتعديله، وخلصت من ذلك الصمت إلى أن المشرّع قد رأى ضرورة أن يظلَّ ذلك الدستور بلا تعديلاتٍ إلى حين الاتفاق على دستورٍ دائم. كما أوضحت المحكمة أنه حتى لو كان للجمعية التأسيسية الحقّ في تعديل الدستور فإن ذلك كان يجب أن يتم بثلثي أعضاء الجمعية ككل، وهو ما لم يحدث في هذه الحالة. فقد كان من المفترض أن يكون العدد الكُلّي لأعضاء الجمعية التأسيسية 233 عضواً. غير أن الانتخابات لم تتم في 41 دائرة في جنوب السودان. عليه فقد كان عدد أعضاء الجمعية التأسيسية 192 عضواً عند التصويت على تعديل الدستور. وقد حضر الجلسة التي أجازت التعديل 159 عضواً فقط، صوّت منهم 142 مع التعديل و17 ضد التعديل. وهذا يعني أن تعديل الدستور قد حصل على حوالى 61% فقط من جملة أصوات أعضاء الجمعية التأسيسية، أي أقل من الثلثين.
في الوقت الذي صدر فيه حكم المحكمة ببطلان قرار حلِّ الحزب الشيوعي (ديسمبر عام 1966) كان السيد الصادق المهدي قد خلف السيد محمد أحمد محجوب رئيساً للوزارة في شهر يوليو عام 1966. رفض السيد الصادق قرار المحكمة العليا وأعلن أنه حكمٌ تقريريٌ ولا إلزامية له. وقد تبعه السيد المحجوب في رفض حكم المحكمة العليا عندما عاد رئيساً للوزراء في مايو عام 1967. حدث ذلك رغم أن أحد المبادئ الأساسية لثورة أكتوبر كان استقلال القضاء واحترام هيبته وكلمته.
ومثلما حدث عام 1956 فقد تمَّ تشكيل لجنة لصياغة دستورٍ دائم، ورغم اتفاقها على دستورٍ اسلاميٍ شبيهٍ بمسوّدة عام 1958، إلا أن الخلافات دبّت في أوساطها بين مؤيّدي النظامين البرلماني والرئاسي. وقد انسحب أعضاء اللجنة الجنوبيون من لجنة الدستور مثلما فعلوا عام 1956.
وكما حدث عام 1958، فقد قفز العسكر على السلطة في 25 مايو عام 1969 وانتهت فترة الحكم المدني الثانية ولجنة دستورها، وانتهى العمل بدستور السودان المؤقّت لعام 1964 – الدستور الثالث للسودان في حوالى خمسة عشر عاماً.
6
الدستور الرابع للسودان
قام قادة انقلاب مايو 1969 بتعطيل دستور عام 1964 المؤقّت المعدّل، وحكموا البلاد بما سمّوه الأوامر الجمهورية. وقد صدر الأمر الجمهوري الخامس كدستورٍ للبلاد بنظام حكمٍ رئاسي لأوّلِ مرةٍ في تاريخ السودان عام 1971. تمَّ على إثر ذلك الاستفتاء على السيد جعفر نميري رئيساً للجمهورية، وحصل، مثله مثل الرؤساء الذين أتوا للسلطة على فوّهة البندقية، على 99% من الأصوات.
غير أن نظام الرئيس جعفر نميري أصدر في عام 1973 ما سمّاه “الدستور الدائم للسودان.” وقد قنّن ذلك الدستور النظام الرئاسي بصلاحياتٍ شبه مطلقة، كانت تتزايد مع كل تعديلٍ للدستور. كما قنّن الدستور نظام الحزب الواحد (الاتحاد الاشتراكي) القائم على “تحالف قوى الشعب العاملة.” وتضمّن دستور عام 1973 اتفاقية الحكم الذاتي لجنوب السودان. وبذلك يكون دستور عام 1973 هو الدستور الرابع للسودان. وقد استبعدنا الأمر الجمهوري الخامس من عملية الحساب للدساتير، كما استبعدنا الأوامر العسكرية الأخرى.
غير أن إصدار قوانين سبتمبر عام 1983 غيّرَ من مجرى ومحتوى المسار الدستوري في السودان بصورةً جذرية. فقد أصبح السودان بمقتضى تلك القوانين دولةً إسلاميةً، وتمّت إضافة فقرةٍ لدستور عام 1973 تشير إلى أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع. وحقّق الرئيس نميري للأحزاب الدينية بجرّةِ قلمٍ في ثوانٍ ما فشلت هي في تحقيقه خلال فترتّي الحكم المدني الأولى والثانية. ورغم أن الرئيس نميري قد خرق دستوره بنفسه عدّة مرات، إلا أن العمل استمر بدستور عام 1973 حتى اندلاع انتفاضة أبريل عام 1985.
7
الدستور الخامس للسودان
نقلت انتفاضة أبريل عام 1985 السودان إلى دستوره الخامس. فقد اتفق قادة الانتفاضة على إلغاء دستور عام 1973، وأجاز المجلس العسكري الانتقالي دستور السودان الانتقالي لعام 1985. وقد انبنى دستور عام 1985 على دستور عام 1964 المعدّل. غير أن قوانين سبتمبر ظلت في مكانها دون إلغاء أو تعديلٍ أو تجميدٍ رسميٍ لها. وقد شمل دستور عام 1985 المؤقّت مواداً توضّح أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وهو النصُّ الذي تمّتْ إضافته عام 1983 لدستور عام 1973.
كما أن المواد التي احتوت على تحريم الشيوعية وحلِّ الحزب الشيوعي السوداني والتي أدخلها عام 1965 التعديل الثاني لدستور عام 1964، اختفت من دستور عام 1985. وقد تناستْ الأحزاب السياسية التي قادتْ قرار الحل وتعديل الدستور كل ذلك عام 1985. وأصبح قرار حلِّ الحزبِ الشيوعي وكأنّه قد سقط بالتقادم، رغم أن عدداً من مهندسي قرار الحلِّ عادوا للهيمنة على الساحة السياسية عام 1986. وعلى نقيض التعديل الخاص بحلِّ الحزب الشيوعي، فإن التعديل الخاص بالرئاسة الدائمة لمجلس رأس الدولة (السيادة) تمّ الحفاظ عليه كما هو في الدستور الجديد.
في هذا الأثناء أصبح البعد الجنوبي عاملاً هاماً، إن لم نقل أساسياً، في مسألة الدستور، وانصبَّ الحديث في كوكا دام عام 1986، ومبادرة السلام السودانية عام 1988 على المؤتمر الدستوري وشروط انعقاده. غير أن ذلك المؤتمر لم يتم انعقاده بسبب ضغوط الجبهة القومية الإسلامية على رئيس الوزراء. وانتهى أمر المؤتمر الدستوري، ودستور عام 1985 نفسه، بانقلاب الإنقاذ في 30 يونيو عام 1989.
8
الدستور السادس للسودان
علّقت حكومة الإنقاذ، مثلها مثل حكومتي الفريق عبود والعقيد نميري، العمل بدستور عام 1985، وبدأت حكم البلاد بالأوامر العسكرية. وانتهى بذلك الدستور الخامس للسودان. استمر ذلك الوضع حتى صدور دستور عام 1998، والذي قام بصياغته الدكتور حسن الترابي الذي كان وقتها رئيس المجلس الوطني. وهكذا أصبح دستور عام 1998 الدستور السادس للسودان. وقد عُرف ذلك الدستور “بدستور التوالي” في إشارةٍ إلى المادة 26 منه والتي تناولت ما سمّته “حرية التوالي والتنظيم.”
وقد أكّدت مواد الدستور المختلفة على إسلامية دولة السودان. فقد نصّت المادة الرابعة من الدستور على “أن الحاكمية في الدولة لله خالق البشر، والسيادة فيها لشعب السودان المستخلف، يمارسها عبادةً لله….” كما وجه الدستور في المادة 18 أن “يستصحب العاملون في الدولة والحياة العامة تسخيرها لعبادة الله، يلازم المسلمون فيها الكتاب والسنة، ويحفظ الجميع نيات التدين، ويراعون تلك الروح في الخطط والقوانين والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية … توجهاً نحو رضوان الله في الدار الآخرة.”
اشتمل الدستور في المادة 139 على حق تقرير المصير لجنوب السودان. وقد كانت تلك المادة هي إحدى المرجعيات القانونية التي ارتكز عليها الوسطاء في مفاوضات السلام في مشاكوس عام 2002 لإقناع الوفد السوداني أن دستوره واتفاقاته السابقة نفسها قد اعترفت بحق تقرير المصير لجنوب السودان.
9
الدستور السابع للسودان
استمر العمل بدستور عام 1998 حتى توقيع اتفاقية السلام الشامل في يناير عام 2005. وقد كان رأي الحكومة تعديل دستور عام 1998 ليشمل مكوّنات اتفاقية السلام. لكنّ الحركة الشعبية أصرّت على صياغة دستورٍ جديدٍ مبنيٍّ بناءاً تاماً على اتفاقية السلام، وهذا ماحدث. فقد صدر “دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005” في 9 يوليو عام 2005. اشتمل دستور عام 2005 على كل المسائل الأساسية التي تضمّنتها اتفاقية السلام الشامل، بما في ذلك نسب المشاركة لكل الأطراف في السلطتين التشريعية والتنفيذية. فقد نصّت المادة 80 من الدستور على أن يكون التمثيل في حكومة الوحدة الوطنية طبقاً لنسبة 70% للشمال و30% للجنوب. تؤول نسبة 52% من نسبة الشمال لحزب المؤتمر الوطني، منها 49% لشماليي الحزب و3% لجنوبيي الحزب، وتُمثّل القوى السياسية الشمالية الأخرى بنسبة 14%. من الجانب الآخر تُمثّل الحركة الشعبية بنسبة 28% تؤول 21% منها لجنوبيي الحركة و7% لشماليي الحركة، وتُمثّل القوى الجنوبية الأخرى بنسبة 6%. بالنسبة لحكومة الجنوب فقد نصّت المادة 176 من الدستور على تمثيل الحركة بنسبة 70%، وحزب المؤتمر الوطني بنسبة 15% وبقية القوى الجنوبية بنسبة 15%. وأشارت المادة 81 من الدستور إلى أن الحقائب الوزارية في مجلس الوزراء القومي تُقْتسم وفقاً للقطاعات المبيّنة في الملحق (د) من اتفاقية السلام الشامل الذي يُعمل به لأغراض حكومة الوحدة الوطنية فحسب، قسمةً منصفةً كمّاً ونوعاً وذلك وفقاً لأحكام المادة 80 من الدستور. وقد أصبح دستور عام 2005 بذلك أول دستورٍ في تاريخ الدساتير العالمية الحديثة يشتمل على مثل تلك الأرقام والنسب لتوزيع مقاعد السلطة التشريعية والحقائب الوزارية.
لم يقم دستور عام 2005 بنقل اتفاقية السلام الشامل فحسب (على طريقة القطع واللصق) بل نصّت المادة 225 من الدستور على الآتي: “تُعتبر اتفاقية السلام الشامل قد ضُمِنّتْ كلها في هذا الدستور، ومع ذلك فإن أي أحكامٍ وردتْ في اتفاقية السلام الشامل لم تُضمّن صراحةً في هذا الدستور تعتبر جزءاً منه.” هذه المادة تُعطي اتفاقية السلام الشامل السيادة على الدستور، ويكون بهذا أول دستورٍ في كل العالم في العهود الحديثة الذي تعلو عليه اتفاقيةٌ أو قانون. فالدستور في كل الدول وكل العهود هو سيد القوانين جميعها ورمز السيادة عليها، ويجب أن تتناسق القوانين والاتفاقات معه وليس العكس.
10
الدستور الثامن للسودان
كان من المُتوقّعِ أن تكون النتيجة القانونية والمنطقية لتصويت شعب جنوب السودان على الانفصال في شهر يناير عام 2011 هي البدء في إجراءات وضع دستورٍ جديدٍ للسودان، ليبدأ سريان ذلك الدستور في 9 يوليو عام 2011. ولكن كما ذكرنا أعلاه فقد قام الرئيس السابق للمجلس الوطني في فبراير عام 2011 بحذف المواد المتعلّقة بجنوب السودان والحركة الشعبية من دستور عام 2005، وأعلن ما تبقّى من المواد دستوراً ثامناً هو الذي تُحكم بمقتضاه البلاد الآن.
ويبدو أن السيد رئيس المجلس الوطني قد اعتمد على الفقرة العاشرة من المادة 226 من الدستور والتي تقرأ: “إذا جاءت نتيجة الاستفتاء حول تقرير المصير لصالح الانفصال فإن أبواب وفصول ومواد وفقرات وجداول هذا الدستور التي تنص على مؤسسات جنوب السودان وتمثيله وحقوقه والتزاماته تُعتبر ملغاة.” كما يبدو أنه اعتمد أيضاً على الفقرة التاسعة من نفس المادة التي توضّح أن الدستور سيظل سارياً إلى حين اعتماد دستورٍ دائم.
غير أن القراءة المتكاملة لدستور عام 2005 توضّح أنه دستورٌ انتقالي تمّ التوافق عليه من أجل الفترة الانتقالية فقط، بناءاً على الأسباب التالية:
أولاً: عنوان الدستور واسمه هو “دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005.”
ثانياً: مقدّمةُ الدستور نفسها تؤكّد غرض الدستور وتقرأ: “نحن شعب السودان … نعلن بهذا اعتمادنا لهذا الدستور قانوناً أعلى تُحكم به جمهورية السودان خلال الفترة الانتقالية…”
ثالثاً: تؤكّدُ غرضَ الدستور مرةً أخرى الفقرةُ التاسعة من المادة 226 من الدستور التي تقرأ: “يحكم هذا الدستور الفترة الانتقالية…”
رابعاً: كان ذلك الدستور عملاً مشتركاً مع الحركة الشعبية، انبنى على اتفاقية السلام الشامل، وتطلّب نفاذه موافقة مجلس التحرير الوطني للحركة الشعبية، والتي تمّت في 6 يوليو عام 2005. وقد انتهت تلك الشراكة رسمياً في 9 يوليو عام 2011.
خامساً: الغرض من الفقرة التاسعة من المادة 226 التي تشير إلى سريان دستور عام 2005 إلى حين اعتماد دستورٍ دائم هو الحيلولة دون نشوء فراغٍ دستوريٍ في الفترة التي يتمُّ فيها صياغة الدستور الجديد.
سادساً: اتفق الطرفان الشمالي والجنوبي على فترة ستة أشهر بين الاستفتاء (يناير عام 2011) وإعلان ميلاد دولة الجنوب (يوليو عام 2011) كفترةٍ انتقالية لحسم القضايا المعلّقة. ومن المؤكد أن أهم تلك القضايا هي الدستور لكلٍ من البلدين. وقد قامت دولة جنوب السودان بصياغة وإعلان دستورها في 9 يوليو عام 2011.
عليه فإننا نرى أن دستور عام 2005 قد فقد المقوّمات القانونية والعملية لبقائه بعد انفصال جنوب السودان، وأن إجراءات مدِّ أجله لفترةٍ تقترب من الثلاثة أعوام حتى الآن هي إجراءاتٌ غير سليمة وتتعارض مع نصِّ وروح الدستور نفسه.
11
الدستور القادم والتاسع للسودان
كتب الكثيرون في الأشهر الماضية عما يجب أن ينبني عليه ويشمله الدستور القادم والتاسع للسودان. ولا أريد أن اقترح ما يجب أن يتضمّنه ذلك الدستور وما يجب ألا يتضمّنه، فالسودان يملك تجربةً دستوريةً ثريّةً، تعرّضنا لخطوطها العريضة بإيجازٍ في هذا المقال، ولدينا قانونيون متميزون في هذا المجال.
ما ظلّ ينقصنا خلال الثمانية والخمسين عاماً الماضية هو المشاركة الجادة لكل قطاعات الشعب السوداني، والاعتراف بتعدّديتِنا كمصدرٍ للقوة وليس كساحةٍ للخلاف والنزاعات والاقتتال. كما ظلّت تنقصنا أيضاً الإرادة السياسية والجدّية، والتعامل مع الدستور كوثيقةٍ أساسيةٍ عُليا تعكس مبادئ سامية يتوجّب احترامها والالتزام الكامل،نصّاً وروحاً، بمبادئها.
[email][email protected][/email] [url]www.salmanmasalman.org[/url]
كل عام والجميع و(سلمان) بخير ..تمر السنوات العحاف علينا..ونحن فى أنتظارألامطار الموسمية..المسماة بالإنتفاضةالمستدامة..التى جبل الطائفيون على الإرتواء من ريعها..بل و(تكرعها!)وآسفاه..تكاكا علينا الزمن ..و(د.سلمان) يساهم بمواضيع كبرى فى هجيرة تنقصها (مظلة) الديمقراطية..المزدهرة أبدا بأرادة الأنسان الحر..مواضيعك من ..دستور..وأتفاقات المياه ..تساهم فى البناء الكبير ..الذى نأمل أن يتم بمساهمتنا جميعاوصولا (لإنتفاضة) تكنس الأدران لعودة (حكم الشعب بالشعب).هكذا وصفوها..ويلتئم جرح الوطن.. بعودة ناس (يومية كم) ليساهموا كعادتهم.. وكما أسلفت فى سردك عن دستور يظل الجميع..فى سريان الدماء فى الوطن الفسيح..فالخير يصب شمالا…والى (العسكر) و(المتأسلمين) و(الطائفين) و(العنصرين).أدران السياسة (الأربعة) التى يستوجب تجريمهاو تحريمها فى السياسة.. دستوريا..وتصرأبد ب(شمال دور) ..ومارش إلى جهنم…نحن رفاق الشهداء..وثورة حتى الكنس والنصر .الصابرون نحن..المبشرون نحن..بعام سعيد..ووضع جديد…
في ذكرى الاستقلال ، وبعيدا عن الجدل، كنت أطالع في مذكرات الملك فاروق، واست,قفتني السطور التالية عن لحظات مغادرته النهائية لمصر يوم 26 يوليو 1952، وفيها ذكر للسودانيين الذين يقول عنهم:” UKILوبحلول الرابعة صباحا اكتملت الفرقة العسكرية السودانية حتى وصل عددها الى 800 رجل ، فقاموا بتأمين نوافذ الطابق السفلى فى القصر ، ووضعوا المدافع الرشاشة على طول الممرات فى الوقت الذى وصلت فيه بناتى الثلاث بعدى بوقت قصير وقد اصابهن الدهشة والخوف ، وحاولنا بصعوبة اقناعهن بالخلود الى النوم ، وطلبت ناريمان ان تنال ايضا قسطا من النوم ، وقبل الفجر مباشرة رقدت الى جوارها ثم استيقظنا بعد ساعتين حيث كانت مئات القوات تقترب الينا من نقاط السكة الحديد ، فخرجت الى الشرفة لأستطلع الامر وتبعتنى زوجتى حافية القدمين يغالبها النعاس ، اما بناتى الثلاث فقد بدأت الاثارة على وجوههن التى الصقوها بزجاج النافذة أردت فقط تسجيل هذه الواقعة ليقرأها أبناء بلادنا في هذا الموقع الجماهيري الشهير.. يقول الملك فاروق:”وقبل الموعد المحدد للمغادرة ارتديت بدلة البحرية الرسمية تعبيراً عن احترامي وتقديري لبحريتي المخلصة ثم استدعيت ضباط قصري المخلصين وطلبت منهم مصاحبة وصيفات الملكة بأسلحة نارية ترقباً لأي مضايقة أو إهانة للسيدات ، ومن العجيب ان الجنود اعتبروا المخاطرة بما تبقى لهم من حياتهم العسكرية عن طريق تأدية هذا الواجب شرفا لهم ، فقد كانوا يعلمون تماما ان هذا العمل لن يقربهم من رؤسائهم الجدد فى الجيش ، وذهبت زوجتي وأطفالي الى المحروسة في الخامسة وخمس وأربعين دقيقة ، ثم توجهت الى رصيف الميناء حيث اصطف حرس القصر وحراسي السودانيون في وضع انتباه فتفقدت آخر قول شرف وقمت بتحية العلم ووقفت انتباه عند عزف النشيد الوطني ، وطبقا لنص كلمات نجيب فقد صنع الخدم المخلصون حائط مبكى يصم الاذان وشرق هذا الحائط اطلقت المدفعية احدى وعشرين طلقة ، وكان المشهد مؤثرا للغاية ، فقد قضيت عشر دقائق احاول فيها مواساة الخدم المخلصين ، فهونت الامر عليهم بكلمات المواساه والامل فى اللقاء الاتى ، ومازال هذا الامل يراودنى بالفعل حتى الان ، وقد نشرت صحيفة “الديلي تلغراف” في صفحاتها الأولى صوراً لبحارة المحروسة وهم يبكون وأنا أخطو على المعدية الصغيرة ، ولكن الصحيفة منعت وقام رقباء نجيب بطمس الصور باللون الأسود”.
يا دكتور سلمان
دستور دائم !!
كيف يكون هنالك دستور دائم ونحن نرزح في القبلية المقيتة النتنة
كيف يكون هنالك ونحن نزداد قبحا كل يوم حتى خريطة الوطن تمزقت ومازالت كالاميبيا الانشطارية
كيف يكون لنا دستور والفساد يحميه الاسياد ولا يحاكمه بل يبرؤه صباح ومساء
كيف يكون لنا دستور ومن يجلس على كرسي يتشبث به حتى ولو من وراء الكواليس
كيف وكيف ثم كيف وكيف
حقاً ، في ذكرى الاستقلال هناك الكثير من الدروس والعبر، لكن العبرة الأهم من وجهة نظري المتواضعة هي في النظرة النرجسية لقادة العالم الثالث، ونفي الآخر، وعدم تكريس أدوات السلطة وأجواء السلام، لإحداث تنمية بشرية واقتصادية واجتماعية، تجعل للحياة قيمة ومعنى، والشاهد هو هذا الانهيار الكبير لحلم شعب آخر من شعوب العام الثالث في التنمية والتقدم الحضاري،وبناء الدولة، وتأسيس المدارس، وتشييد المستشفيات، وشق الطرق، وفلاحة الأرض، ومن ثم بناء نهضة صناعية، ليتصاعد دخان المصانع في الآفاق بدلا من دخان المعارك، وليبتعث الطلاب إلى جامعات الغرب والشرق للتزود بالعلم والتقنية والمعارف المختلفة، بدلا من أن يكونوا وقودا لحروب الأشقاء، لتنهض البلاد، ويذهب الأطفال للروضة والمدرسة بدلا من التيه في اللجؤ والنزوح والاحتماء بمعسكرات الخواجة.
إنني مواطن سوداني، ابكي على وطني، الذي مزقته الحروب، وتناوشته العداءات وسال الدم بأرضه مدرارا بدلا من مسيل الماء العذب ليروي الأرض، وبدلا من تدفق البترول لنحصد العملات الصعبة، وبدلا من أن ترفرف رايتنا عالية خفاقة ونحن نرفل تحتها في نعيم وطننا الواحد،” وطن حدادي مدادي،، ما بنبيه فرادي، لا بالضجة في الرّادي، ولا الخطب الحماسية،،كما كان يحلم (وردي) لإفريقيا” يمد الأيدي أيدي شباب صادق ونبيل،، ولمّا ينادي الوطن العربي يكون الموت لكل عميل، ونبقى الآفة الما بتتلافى ،، وكل الشافها يضوق الويل. لا أن تتحول أسلحتنا لصدور أبناء أمتنا.
إننا يجب أن نصحو من هذا السبات، وأن لا يكون في قلوبنا حب السلطة والتسلط ونفي الآخر، بل نتشارك كلنا في بناء وطننا حتى تكون لحياتنا قيمة، ونستمتع بما أباحه الله لنا من خيرها العميم، وعرقنا الذي يختلط برملها وحصاها وترابها، ونستمتع بالهمبريب، ودعاش الخريف، وصحوة جروف النيل مع الموجة الصباحية، وكثبان مليط العفر التي أفاض الشاعر العباسي في وصفها،”فباسق النخل ملء الطرف يلثم من ذيل السحاب بلا كد وإيخاد،، والورق تهتف والأطيار في مرح** والريح تفع ميادا لمياد.” وتكون فرحتنا كما نظم إسماعيل حسن(زي قميرن في الشمال ،، لمن يفيض النيل يفرهد ،، تنتشي الدنيا وتزغرد والنسيمة الحلوة تسبقنا وتنقر بابنا كو!”.
قد يقول قائل: هل غادر الشعراء من متردم؟ وإنك شخص غارق في الحلم، فالبلد ما عاد البلد ، والمواطن ما عاد المواطن ، فقد سلقته الأيام وشوته الشموس والمحن والكوارث والجوع والظمأ والضياع : ضياع الحقوق ، وضياع المصدر للرزق وكفاية العيال( مشروع الجزيرة نموذجاً)
غير أنني متفائل فتجارب شعوب كانت مطحونة بالفقر(ككوريا الجنوبية) بعد حرب الكوريتين في الخمسينيات) تكفي مثال لطائر الأحلام عندما يصحو من وهدته ورقدته وسباته العميق.. فشعب بلادي قوي وقادر عى نشر الفرح، فمتى تفرح كسلا والتاكا ودار حمر والبقارة والمحيريبا وكاب الجداد وأروما وعد الفرسان وتتناغم الشبارقة والفولة وكريمة وبارا، وتشتهرالتكينة والسريحة وأزرق العمدة عباس وحفير مشو، وتنهض بابنوسة وصواردة والمناقل وكبوشية ودار تاما،، وتنسجم القوز والرميلة والبراري ودردق وشندي فوق وكتم وحمرة الوز وجبيت المعادن وهيا ومسمار!! متى يتحقق الحلم النبيل البسودان الواحد السالم المسالم القوي المتطور المتقدم؟!!!
شوف الفبركة على الله سبحانه وتعالى
“أن الحاكمية في الدولة لله خالق البشر، والسيادة فيها لشعب السودان المستخلف، يمارسها عبادةً لله….”
طبعا رائحة الترابى واشباهه طاقه فى هذه المادة
على كل حال لك التحية يا دكتور على المعلومات كما عودتنا
وهناك اصوات كثيرة تسب القبلية والتعددية وانا أرى أن هذا خطأ ..
الشيئ الاخر هو تقسيم الثروة السلطة غير مفهوم ونحن نريد تقسيم لهذا بالاقاليم
50 % من إيرادات كل أقليم له وفى الحكم يمثل بعدد سكانه على طريقة التمثيل النسبى
40 % من ايردات كل الاقاليم تجمع و تكون للخدمات وتقسم بعدد السكان فى كل اقليم
10 % فقط لإدارة الحكم الفيدرالى
ان حقوق المواطنة غير واضحة فى دساتير السودان لذلك صارت الهوية السودانية غير مهمة للشعب السودانى بينما هى فائدة للسياسين فى زيادة دخولهم بالضرائب فصاروا يهبون الجنسيات للجميع سودانى أو اجنبى لانهم ليست لهم حقوق تترتب على منحهم جنسية سودانية بل يستعملون للجباية فقط
********** لك الشكر و الاجلال د. سلمان ******* علي سرد تاريخ مهم وحساس ******* لك كل الاحترام *********************