في فقه المظاهرات

في فقه المظاهرات
فيصل محمد صالح
الذين قالوا إن حركة الاحتجاجات الداعية للتغيير في الوطن العربي لن تقفز فوق أي بلد عربي، وإنها ستطال الجميع، لم يكونوا من المتنبئة، ولا من فئة العباقرة، لأن الحاجة للتغيير ظاهرة وواضحة في كل البلاد العربية. وصحيح أن مصر ليست تونس، واليمن ليست ليبيا، والبحرين ليست السودان، لكن الشمولية والقمع والفساد تتشابه، كما يتشابه الطغاة في كل بلاد الدنيا، مع اختلاف ألوانهم وسحناتهم ولغاتهم ودياناتهم وآيدلوجياتهم.
نحن في عصر العلم والمعرفة والسماوات المفتوحة، حيث يتشارك الناس في المعارف والمعلومات والتجارب والأفكار والطموحات والتوقعات الكبيرة. ينظر الناس لتجارب يتم فيها التعامل مع الشعوب كبشر آدميين، لهم حيوات وآلام وآمال، لهم حقوق ومكانة يجب احترامها، تقف الدنيا ولا تقعد لأن مواطنا أسيئت معاملته أو أهينت كرامته في مكان ما، ثم يتلفتون حولهم، في بلادهم، فيجدون أنفسهم أرقاما وحسابات في دفتر الحاكم.
ينظر الناس للعالم من حولهم فيرون حياة الناس مقدسة، وأراءهم ومعتقداتهم محترمة، يدخل المواطن أصبعه في عين الحاكم قائلا له: أنا جئت بك إلى هذا الموقع وغدا أعزلك منه، ثم يلتفتون لحالهم في بلادهم، فإذا هم ممنوعون حتى من رفع النظر في عين الحاكم، وأصابع الحاكم في كل مكان من أجسادهم، وإن حياتهم هي هبة الحاكم، وارزاقهم ومعايشهم ومأكلهم ومسكنهم بعض من فضله، إن شاء أعطى وإن شاء منح.
وينظرون لحكامهم وحكام أعتى امبراطوريات العالم، مثلما يفعل ذلك البوستر المصري الذكي الذي يقارن رؤساء مصر برؤساء أمريكا. يجئ حسني مبارك مع جيمي كارتر، ثم يذهب كارتر ويأتي رونالد ريغان ليزامله مبارك، ثم يجئ جورج بوش الأب، وحسني في مكانه، ويأتي بيل كلنتون مع صديقه حسني، ثم جورج بوش الابن وحسني كأنه أبو الهول، ثم هاهو اوباما رئيسا وحسني لا يزال في مكانه ? حتى 12 فبراير. كل هؤلاء الرؤساء يأتون ويذهبون وأمريكا هي سيدة العالم بلا منازع، ثم يأتي أباطرتنا الذين أبقوا بلادنا في آخر قائمة الدول في العالم، ليقولوا إن البلاد ستخرب وتتدمر من غيرهم، فيبقون لعشرات السنين على سدة الحكم.
آخر الحجج جاءتنا من الخليج هذه المرة، التي لم تكن تتوقع أن تتحرك بعض قطاعات شعبها، لكن غير المتوقع حدث، وخرجت المظاهرات ، لذا أفتى المشايخ بأن المظاهرات ضد الشريعة الإسلامية، وكان الله يحب المحسنين.
هؤلاء من فصيلة العلماء والمشايخ تحت الطلب، وهم موجودون في كل مكان، مثلما هم بيننا هنا في السودان، ولديهم الاستعداد لكل فتوى تسعد الحاكم والحكومة، مهما كان نوعها. فالمظاهرات التي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي حلال، وتلك التي تهز عرش القذافي وعلي عبد الله صالح واجب شرعي، هكذا أفتى علماء من لدن القرضاوي ورفاقه، لكن عندما تقترب من رأس الحاكم الذي يعيش العلماء تحت كنفه، تنقلب الامور، ويصبح المباح محظورا.
ولكن من قال إن الشعوب تنتظر فتاويهم، وهي قد عرفتهم وعجنتهم وخبزتهم مرارا، وها هي الآن تعجن خبزها لوحدها.
الاخبار