عن بيان المثقفين والنشطاء السودانيين

لقد وردني البيان المذكور عبر الايميل في دعوة مفتوحة من اجل الحوار والتوقيع عليه، وفيما يخص التوقيع فان أي فكرة أو فعل يهدف إلى إزالة حكم الحركة الإسلامية الجاثم على صدر السودان بالقوة منذ 89 هو محل ترحيب، فهذا توقيع مفتوح لكل المبادرات التي تعمل على استعادة السودان من جماعة يعتريها قصور في الفكر والرؤى عن إدراك حقيقة حضارة السودان الضاربة في القدم.
اما عن الحوار فاتمنى ان يذهب إلى الماضي والى المستقبل باعتبار ان الكل يدرك ما فعلته وتفعله الحركة الإسلامية في الواقع الآن. فنتمنى ان يذهب إلى الماضي باعتبار ان الحضارة السودانية الحقيقية لم يتم التدوين لها وتم استغلالها من جانب الفكر العربي الإسلامي، واثر ذلك الفكر سلبا في عدم قيام الدولة السودانية ذات الحضارة والثقافة السودانية، ورغم التأثير السالب لذلك الفكر الا ان التقصير الأكبر كان من جانب النخب الفكرية السودانية التي منحت المجال لذلك الفكر ولم تسعى إلى مواجهته، فعلينا إعادة صياغة التاريخ البعيد للحضارة السودانية دون التأثيرات التي يعملها ذلك الفكر.
وكذلك علينا تاريخيا في التاريخ الحديث للسودان ان لا نبدأ منذ 89 فالسودان الذي قام منذ الاستقلال لم يقم على أسس تستوعب الإنسان السوداني، وكان حكم الحركة الإسلامية نتاج طبيعي لسودان 56 وما بعده، فما جعل كل الأفكار التي تميل إلى الفكر العربي الإسلامي منذ الاستقلال بثنائيته الاقصائية العروبية والإسلام تستمر إلى الان داخل الواقع السوداني هو قصور أو كسل النخب الفكرية السودانية عن مقارعة الفكر العربي الإسلامي الاقصائي الذي يلبس ثوب الإله، واذا وجدنا العذر للمجتمع نتيجة لحاجته لمظلة فكرية ينتمي من خلالها لهوية إنسانية فما بال النخب التي من المفترض ان تنتج تلك الهويات الفكرية.

هذا عن حوار الماضي اما عن حوار المستقبل فالتركة أثقل نتيجة لتحويلها من جيل إلى أخر إلى ان وصلت إلينا، فإما ان نحولها إلى الأجيال القادمة واما ان نشرع في وضع أسس تستوعب وتلبي مطامح الإنسان السوداني. فعلينا إدراك ان مفهوم الهوية يمثل مفهوم الحد الإنساني الفكري ومن ذلك المعنى علينا وضع مفهوم يحقق ما هو موجود في الواقع وليس متخيل، وكذلك تأسيس الدولة السودانية بناء على القيم والحضارة السودانية، وهنا ينقسم ذلك البناء إلى الداخل والخارج، ففي الداخل يجب علينا ان ندرك ان أدوات الدولة مكملة للأدوات الاجتماعية، وكذلك في مجال القوانين نحتاج إلى قوانين سودانية إذا كانت في القانون الجنائي أو القانون المدني تعبر عن شخصية الإنسان السوداني ونظرته للحياة، وكذلك في فلسفة العقوبات نحتاج إلى بلورة عقوبات تتماشي مع الذهنية السودانية ودون إقصاء لإنسانية الفرد. وكذلك السلم التعليمي والمناهج التي تدرس به وغيرها. اما في اتجاه الخارج فيجب ان تعاد صياغة العلاقة بين السفارات والجاليات وان تدرك السفارات انها مكملة لتلك الجاليات أولا وانها تعكس الحضارة والدولة السودانية ثانيا، وكذلك علاقة الدولة السودانية بالدول الأخرى والأسس التي تقوم عليها والنابعة من نظرة الهوية الأولى التي تحدثنا عنها ومفهوم المجتمع السوداني للإنسانية المختلفة وليس الإنسانية الاقصائية التي في الفكر العربي الإسلامي وغيرها.
فعلينا إدارة حوار فكرى حقيقي عن النموذج السوداني الذي في الذهن وان ندرس كل جوانبه قبل ان نحاول إنزاله إلى ارض الواقع، فتكلفة تعديل الأشياء في المرحلة الفكرية دائما اقل من تكلفتها بعد تجريبها، فقد اكتفي المجتمع السوداني من التجريب الذي ظل يمارس عليه منذ الاستقلال.
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..