أخبار السودان

قصة شهيد.. “حسن أبو شنب” الناجون يؤكدون أن عدد الذين ألقي بهم في النيل كُثر، لكن أين ذهبت الجثث؟

والدته: ظللنا نبحث عنه أربعة أشهر وعشرة أيام وهو مسجي بالمشرحة

أخته: تعرفنا عليها من خلال كسر بساقه وفحص الـ “دي، إن، أيه”

تحقيق : أسماء ميكائيل اسطنبول

حتى الآن لم نستطع معرفة عدد الشهداء الذين ارتقوا خلال ثورة ديسمبر المجيدة وأثناء فض اعتصام القيادة العامة إذ لاتوجد إحصائيات رسمية بعددهم، ولم يتم حصرهم حتى الآن، هنالك من استشهد في المعتقلات بسبب التعذيب، وهنالك من استشهد بسبب رصاصة سواءً أكانت “طائشة أو مقصودة” وهنالك من استشهد دون علم ذويه أو حتى المواطنين، لذلك من الصعب حصرهم، فهم كثر من قبل بداية الحراك الثوري إلى نهاية الثورة وحتى الآن.

ياسر وقصي

في هذا التحقيق نتناول القصة الثانية للشهيد حسن عثمان حسن، الملقب بحسن أبو شنب وهو واحد من شهداء مجزرة القيادة الذين ألقيت بجثتهم في نهر النيل بعد قتله رغم أن لجنة التحقيقات التي كوَّنت في ذلك الوقت قالت بأن هذه الجثث التي وجدت في نهر النيل هم أفارقة أتى بهم نهر النيل ولقد تناولنا في عدد سابق قصة الشهيد ياسر علي “الشهيد المنسي” الذين ضربوا بالرصاص ثم ألقوا بهم في نهر النيل “ياسر وقصي” ورغم ذلك طفحت الجثتين في اليوم الثالث “سبحان الله” ومازال بعض الشباب الذين نجو من فض الاعتصام يقولون إن عدد الذين ألقي بهم في نهر النيل كثر ولكن أين ذهبت هذه الجثث بعد ذلك؟

منزل الشهيد

سجلت صحيفة الـ “التيار” زيارة إلى منزل الشهيد حسن أبو شنب، في أحد أحياء الخرطوم ولكن بعد طول انتظار وعناء حتى استطاعت الصحيفة الوصول والتحدث مع أسرته بحي أركويت وهي المنطقة التي ترعرع ودرس فيها حتى تخرج في الجامعة الأردنية قسم مصارف وبنوك فعندما دلفت إلى داخل المنزل كان يسوده الهدوء وبعد أن تفضلت بالجلوس نادت إيمان حسن “أخت الشهيد” إلى والدتها من أجل مقابلتي فخرجت من أحد الغرف كانت تسحب في أرجلها سحباً كأنها تحمل كل هموم الدنيا فوق رأسها، فهي امرأة لم تتجاوز الخمسين عندما تمعن النظر إليها ولكن من كثرت الأحزان والألم تظن بأنها فوق الستين، وهي الخالة زينب والدة الشهيد حسن أبو شنب، قالت معتذرة اليوم أنا في أحسن حال ثم حمدت لله قائلة: “كنت وين وبقيت وين”؟، لم أكن واعية شبه فقدت الذاكرة فكل الذي أعرفه عندما يأتي شخص ويقول لي اقرأي هذه الآيات من القرءان وإن شاء الله ربنا بجمع به ثم أقسمة قائلة والله يا بنتي أصبحت لا مع الأحياء ولا مع الأموات، وأضافت لكن فقدان حسن قربنا إلى ربنا كثير، ومن كثرت ما كنت بقرأ في القرءان حتى لساني نزل وحتى هذه اللحظة بعاني من ألم فيه مررت بألم وأوجاع حتى العدو ما بتمناها ليه، وعندما أسمع الأهل والجيران والحبان يقولون ربنا ينتقم منهم ويحرق قلبهم زي ما حرقوا قلوب الأمهات أنا ما كنت بقول هذه الكلمات لأنني أعلم ماذا تعني.

خرج ولم يعد

قلت لها حدثينا عن ابنك حسن، قالت “المال والبنون زينة الحياة الدنيا” وربنا أكرمني بأربعة أولاد وهم نعمة من رب العالمين، أكبرهم حسن ما حصل بخلت بيهم في سبيل الوطن كل أولادي كانوا قاعدين في القيادة العامة في المكان الكنت مفتكراه آمن وما اتخيلت يكون في غدر أو خيانة لشباب أبرياء، كانت حاجة فوق إرادتي وكانت صدمة صعبة عليَّ ولكن كل شيء مقدَّر ومكتوب. حسن أول فرحتي ودائماً أقول ربنا عوضني بحسن لأنني فقدت أبي وأنا صغيرة فكان بشوف فيه الابن والأخ والأب، ونحن حسن تعبنا من أجل تربيته حتى أصبح رجلاً، فانهارت بالبكاء للحظات ثم قاطعتها قائلة ربنا اصطفاه وربنا يرحمهم جميعاً، ردت باكية، حسن لم يصل يوم في المنزل، ولكن جوامع أركويت تشهد على حسن وعندما يؤذن في الزاوية لصلاة الصبح أصحِّي أخوانه وأقول ليهم اصحوا حسن أذن للصبح والحمدلله حسن وجدني موجودة وبدعي ليه، وعندما أسمعه وهو يؤذن بقول ليه اتفتحت ليك أبواب السماء والأرض، طول عمره لم أقل له توضأ للصلاة أو قوم صلي، المصحف والسبحة لم تفارق يداه ولا الجامعة شغلته من ذكر الله ولا شيء آخر، ثم بدأت توصف قائلة ابني حسن كان وسيم طويل القامة ممتلي الجسم هادي الطبع لم يرفض لي طلباً ودائماً متقرِّب من ربه وحافظ الله وربه حافظه.

رحلت البحث

ثم قالت أربعة أشهر وعشرة أيام، ونحن نبحث عن ابني حسن وهو موجود داخل مشرحة أم درمان، كانت تتحدث ولم تجف عينها لحظة من البكاء والتنهيدات قائلة، هل تصدقي حتى أماكن النفايات “الكوش” نحن فتشناها على أمل أن أجد ابني وكنت أتمنى أن التقي به حياً أو ميتاً، ثم استرسلت في الحديث حسن ذهب للقيادة ونام الجمعة، ويوم السبت ذهب إلى عمله من الاعتصام وشاهده جارنا في الحافلة وشاهدته بنت الجيران في العفراء، ثم رجع القيادة العامة وظل فيها الأحد والاثنين فسمعنا بفض الاعتصام وظللت انتظر ابني حسن، وحسن لم يأت وكنا على أمل ان يرجع أو يتصل حتى أول يوم في العيد، هنالك من يقول رآه مصاباً في ظهره وهنالك من يقول في شباب موجودين في منطقة بري ولكن لم نتخيَّل بأنه قتل و”اترمى” في البحر حتى جاءت اللحظة التي لا أتمناها لأحد وكان يوم 1\6\2019، عندما قال لي والده، حسن لم يتصل ولم يظهر فأنا ذاهب لأفتح بلاغ فقدان فكانت صدمة شديدة ولم يرضاها قلبي كيف “ابني كان في مكان جاب الثورة وغيَّر وضع كيف يحصل فيه كدى”، ولم تستطع تكملة حديثها من البكاء، ثم قالت وخلاص بدينا رحلة البحث، وكنت صابرة بالشباب الوقفوا معاي ومبادرة مفقود وأنا كنت لا حيلة ولا قدرة في لحظة لو ما كان ربنا معاي أنا كنت فقدت حياتي وأسرتي فقلت لها “أم الشهيد أمي ودم الشهيد دمي”، فأربعة أشهر حسن موجود في المشرحة ونحن ما خلينا مكان وفي أثناء بحثنا عنه التقينا نحن “كل أسر المفقودين” في اتحاد المصارف بالأستاذ محمد الفكي والتعايشي، فقالا يا جماعة الحكومة تريد إذاعة التشكيل الوزاري خلونا نذيع الحكومة ونهدي الشارع وما عايزين نفقد شباب، لكن خلونا نذيعه كده واكتفينا بهذا الحديث وانتظرنا كذا يوم وقلنا الحمدلله البلد أصبحت فيها حكومة مدنية، وحتى لو مدنية القصاص لابد منه لأن الشهداء كتار حسن مابراه.

لحظة الوداع

ثم سألتها مرة أخرى هل ودعك أو أوصاك بشيء معيَّن؟، أجهشت بالبكاء؛ ثم أمضت لحظات وهي تبكي، ثم قالت حسن لم يودعني في اليوم الذي ذهب فيه إلى القيادة العامة كان بعد الإفطار “رمضان” صلى المغرب ودخل المنزل وتحدث مع والده بأن يأذن له بالذهاب إلى القيادة العامة والإقامة ثلاثة أيام، من أجل تغيير أصحابه حتى يجهزوا للعيد وبعد أن أذن له والده أراد الخروج وكان في عجلة من أمره نادته أخته إيمان وطالبت ببعض الأشياء، اعتذر لها قائلا، لايوجد زمن يا إيمان ووقت صلاة العشاء والتراويح شارف، ثم قال لها مع السلامة يا إيمان وقبل خروجه نحو الباب اقترب مني ثم انحنى أكثر أمام وجهي ولكن لم يقل شيئاً ثم خرج وعندما خرج كان يرتدي جلابية سعودية نص كم لونها أخضر. كيف تلقيتي خبر وفاة حسن بعد أربعة أشهر وعشرة أيام وأنه موجود في مشرحة أم درمان؟ كانت متابعة شقيقته إيمان وكل الذي أعرفه طلبت مني أن أعمل فحص “دي .ان .ايه” ولم تخبرني بشيء وبالفعل قمت بالفحص وبعدها بالتدريج علمت بوفاته وكان لابد من الانتظار لإتمام بعض الإجراءات ومرت اللحظات كآلاف السنين وكنت متشوقه لرؤيته “ولو ظفر فقط”، والحمدلله شاهدت ولدي وكفنتو وعافيتو ومن هنا بقول لإخواتي إن شاء الله ربنا يجمع ببقية أبنائهم المفقودين.

أربعة أشهر

وعندما سألت إيمان عثمان عن كيفية العثور على جثة شقيقها الشهيد حسن أبو شنب في مشرحة أم درمان بعد أربعة أشهر وعشرة أيام، بدأت حديثها قائلة ربنا يرحم الشهداء ويجمع بالمفقودين ويشفي الجرحى ويصلح حال البلد، كان أخي مفقوداً أربعة أشهر وعشرة أيام، وعندما ظهرت جثت قصي علمنا بأن هنالك جثث أخرى موجودة في مشرحة أم درمان فتحركنا نحو المشرحة، قاطعتها سائلة ألم تبحثوا فيها من قبل؟، لقد ذهبت ثلاث مرات، وكانت معي أسرة المفقود إسماعيل “ربنا يجمع به” وفي كل مرة يقولوا لا توجد جثث ولكن بعدما علمنا بأن هنالك جثث في مشرحة أم درمان وكان يوم جمعة، تحركنا نحو المشرحة ووجدنا عمال المشرحة وقالوا في جثث، لكن ما بنقدر نخرجها اليوم إلا غداً، ومن هنا أوجه الشكر للمحامية رحاب التي كانت “أخت بالجد” وقفت بجانبي ولم تتركني لحظة، وكان والدي رافضاً أن أدخل المشرحة، ولكن أصريت وكانت لحظات صعبة جداً لا يتخيَّلها أحد، ولكن نقول الحمدلله ومن شاهدت حسن وهو مستلقي على النقالة أصبحت أقول لهم دا حسن دا حسن من رقدتو وكان مضروب في وجهه وفي عينه وفي عنقه ثم أصبحنا في مشكلة كيف نثبت بأنه أخي حسن ودار جدال بيننا والأطباء الذين كانوا موجودين، هم يقولوا ليس حسن وكنت أقول لهم هو أخي من رقدتوا، ولم تستطع إيمان تكملة حديثها فانهالت دموعها، بعد ذلك أضافت ثم قلت لهم عنده شامة في عنقه وكسرة في الساق منذ أن كان طفلاً، وكنت بمسك في مكان الكسر ورغم ذلك لم يقتنعوا حتى جاء طبيب آخر ومسك مكان الساق، وقال لهم بالفعل ما قالته صحيحاً ثم قمنا بإجراءات الفحص وطلعت النتيجة خلال 24 ساعة، وكانت المرة الثانية، ففي المرة الأولى الفحص تلف لأن الشرطي ترك الفحص ولم يوصله في ذات اليوم للمعمل، بل تركه لليوم الثاني فأعدنا الفحص مرة أخرى، وكيف أخبرتي والدتك بوجود حسن في المشرحة؟، قلت لها توجد جثة شبيهة لحسن وعايزين تعملي الفحص احتمال يطلع حسن واحتمال ما هو ثم بالتدريج، وكيف علمتوا بأن حسن كان غريقاً؟ من المشرحة وبعد ذلك من الشباب الذين عثروا عليه وقالوا إن جثة حسن ظهرت في مدينة النيل، وكانت الشوارع كلها مترَّسة ومغلقة ولايوجد طريق يوصل للمشرحة، ولكن بعد ذلك استطاعوا أن يوصلوه إلى مشرحة أم درمان واستلمه دكتور هشام.

إكرام بالجنة

وبماذا تختمي حديثك؟ أنا بقول حسن أخي حي بروحه ونفسه وهم كانوا طالبين المدنية، لكن ربنا أكرمهم بالجنة إن شاء الله، ولكن من المستحيل ان يكون الشخص مجرد من الإحساس، فأخي كان موجود لديهم أربعة أشهر وهم متابعين وعلى علم به من خلال تفاصيله ومن خلال الصور الموجودة لديهم، وهم عارفين بوجود مفقودين والناس بتبحث عنهم منذ فترة ولم يفصحوا، وكلما ذهبنا إليهم يقولون لا توجد جثث وهم موجودين داخل المشرحة وفى النهاية إكرام الميت دفنه.
التيار

‫2 تعليقات

  1. يجب التحقيق مع المسؤولين عن المشرحة ولماذا ظلوا طوال هذه المدة ينكرون وجود جثث بالمشرحة ، ولمصلحة من هذا الكذب والتضليل؟
    تقيل الله جميع الشهداء فهم اكرم منا جميعا ونسال الله ان ينتقم من القتلة في الدنيا قبل الآخرة

  2. ما حدث في مجزرة القياده سيظل محفورا غي ذاكرتنا للابد قتل .واغتصاب ونهب وذل وحقد وغل وتشفي تجاه ابناء شعبنا العزل ممن يدعون بانهم سودانيين من عصابات الجنجويد المجرمه المتفلته.
    واجه الشباب والكنداكات جحيما وظلما عظيما تئن له الجبال كما شهدنا في بعض الفيديوهات التي صورت بعض ماجري. حتي الذين قتلوا غدرا لم تراعي حرمة الموت فيهم بدلا من ان يتم دفنهم حسب ما وصي وامرنا به ديننا الحنيف تم التمثيل بهم ورميهم في النيل.
    وسمعنا هولاء الريزيقات الجنجويد وبني عمومتهم من غرب افريقيا يتحدثون بلهجتهم القميئة فرحين مستمتعين بفعلتهم الشنعاء يستخدمون كل مخزونهم الذهني من الفاظ نابئة واساءات وتجريح ضد الكل نساء واطفال وحتي من كانوا في عمر ابائهم.ان كان لهم اباء.
    وشهدنا كيف استباحت عصابات الجنجويد الريزيقاتيه العاصمه ومدن السودان بعد مجزرة فض الاعتصام.
    لن ننسي ونغفر يا حميدتي وكل اعضاء ما سمي بالمجلس العسكري الانتقالي وكتائب الكيزان الجهاديه حتي وان برأتهم لجنة اديب .
    الدم قصاد الدم لن يتعافي السودان حتي تتم المواجهة مع قوي الشر هذه و الانتصار عليهم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..