الفرصة الأخيرة من الزمن بدل الضائع

وجد الفساد فرصته ليستشري في أوصال الدولة بشكل سرطاني لا ينفع معه سوى استئصال الورم السرطاني من جسد الدولة كيما تستعيد عافيتها.

[COLOR=blue]د.صديق تاور كافي[/COLOR]

٭ يلخص المشهد السوداني الماثل اليوم أزمة البلد العامة في أكثر صورها وضوحاً وفي أعلى درجاتها تفسخاً، فقد تراكمت بالتدريج مشكلات كثيرة معقدة وكثيفة غطت على تفاصيل المسرح تماماً، ولم يعد مجدياً ولا ممكناً التخدير الموضعي أو الترقيع هنا وهناك، لأن الأزمة شاملة ولا يصلح معها إلا حل شامل. وإن كانت المناورات والمراوغة وتغبيش الحقائق قد أسعفت الجماعة في وقت من الأوقات، إلا أن الأمور اليوم صارت أوضح من الشمس، والحقائق عارية تماماً أمام أعين أبسط مواطن بحساب النتائج قبل كل شيء، وبالتالي لن ينفع لا تضليل إعلامي ولا وعود وهمية، ولا أمنيات لتسكين ذوي النوايا الطيبة. وتكفي تجربة عقدين من الزمان رصيداً يزوّد ذاكرة العباد ويعينها على قياس أقوال وأفعال الحكومة وحزبها بشواهد حية في الأذهان، بما يضع الأخيرين أمام خيارات محدد ومحدودة: إما مغادرة عقلية المكابرة على الحقائق، وبالتالي التفكير جدياً في تقديم تنازلات كبيرة على صعيد الحكم والإصلاح السياسي والاقتصادي، أو حجز مقاعد لهم في مزبلة التاريخ على طريقة بن علي والقذافي ومبارك وغيرهم.

٭ لقد تشكل المؤتمر الوطني بوصفه حزباً سياسياً من قمة السلطة على خلفية صراع داخلي عنيف في منظومة الانقاذ الحاكمة انتهى بفريقين رئيسين هما «القصر» و«المنشية»، حيث استطاع الفريق الأول أن يحتفظ بموقعه في السلطة على حساب الفريق الثاني الذي انتهى إلى صف المعارضة، وبدلاً من أن تشكل هذه المفاصلة فرصة حقيقية للمراجعة النقدية الجادة، ومحاولة للخروج بالبلاد بكاملها من مستنقع الأزمة، انتهزت جماعة القصر هذه الفرصة واعتبرت أن المجال قد خلا لها كيما تسرح وتمرح وتعربد في السلطة كما تريد. ولم يكن هناك ضابط لا مؤسس ولا أخلاقي في النظر الى السلطة والتعامل معها، حتى لم يعد هناك فرق بين الحزب والدولة على أى مستوى. لقد تم بناء الحزب من خلال توظيف إمكانات الدولة ووظائفها الحساسة وسطوتها الامنية وصيتها الإعلامي لمصلحة منسوبي الحزب بالدرجة الاساس دون سواهم من المواطنين، وصارت بوابة الحزب الحاكم هى أقصر الطرق ليس فقط للوزارة أو المواقع الدستورية والسيادية في الدولة، وإنما لأية وظيفة عادية، حتى صار الحزب طبقة جديدة من رأسمالية الامتيازات السلطوية والتعيينات السياسية. ولم يعد التنافس على أساس التضحية لخدمة المواطنين وابتغاء مرضاة الله، وإنما صار التنافس المتهافت على «مغانم» السلطة فقط بصورة منفرة ومقززة. وأصبحت أساليب تزييف إرادة الناس والقبضة الأمنية الخانقة والتضليل الإعلامي هى آليات معتمدة من قبل حزب السلطة في جميع السوح والمجالات، فاتحادات الطلاب والنقابات ولجان الأحياء والانتخابات العامة تم تسخيرها ببساطة لجماعة الحزب الحاكم من خلال هذه الوسائل والأساليب دونما أدنى حرج. وبهذه الكيفية في التغلغل في جسد الدولة والروح المتهافتة على المناصب والامتيازات على حساب الخدمات والتنمية وعلى حساب حقوق المواطنين الحياتية، تحول حزب المؤتمر الوطني الحاكم الى جماعة من أصحاب المصالح في السلطة، بحيث لا تساعدهم هذه المصالح في النظر الى ما هو أبعد منها.

ولأن صراع المصالح وحمايتها يستدرج معه مواعين أخرى من باب فقه المأكلة، فقد انسحب الصراع الى داخل جماعة القصر تدريجياً باعتماد معايير التوازنات القبلية والصراعات الجهوية في السلطة، على حساب معايير الوطنية والاهلية والكفاءة والقدرة على خدمة الناس، حتى صارت هناك مجالات عمل يشترط في التقديم لها تحديد الهوية القبلية لمقدم الطلب، في سابقة لم توجد في أى مكان من العالم.

وهكذا وجد الفساد فرصته ليستشري في أوصال الدولة بشكل سرطاني لا ينفع معه سوى استئصال الورم السرطاني من جسد الدولة كيما تستعيد عافيتها.

٭ وأسفرت حصيلة عشر سنوات من الانغماس في السلطة وملذاتها والانشغال بالترضيات المناصبية والصراع حول المكاسب، أسفرت عن ضياع كل فرص استنهاض الهمة الوطنية من أجل المحافظة على تراب البلد وجغرافيته، ومن أجل توفير فرص العيش الكريم للمواطنين، ومن أجل الاستقرار وإعلاء قيم الولاء للوطن. بل على العكس تماماً فقد أقدم حزب المؤتمر الوطني الحاكم على تقديم تنازلات كبيرة جداً بحق الوطن والشعب ابتداءً من اتفاق سويسرا 2002م الخاص بجبال النوبة، الذي مهّد لأول مرة لاستقدام قوات أجنبية للسودان، وخروج الإقليم عن سيادة الدولة للبلدان الراعية لذلك الاتفاق. ثم تبعه اتفاق مشاكوس 4002م ونيفاشا 5002م الذي انتهى بالتفريط في ربع السكان وثلث الرقعة الجغرافية، وما رافقه من اتفاقات خاصة بإقليم دارفور، حتى صار عدد القوات الاجنبية الموجودة في السودان اربعين ألفاً، وأصبحت المنظمات الدولية تتحرك باستقلالية كاملة بعيداً عن إشراف الدولة السودانية، ولديها مطارها الخاص وطيرانها الخاص وحصانتها التي تحميها من رقابة الدولة وسيطرتها. وأسفرت هذه الفترة عن تأجيح النعرات القبلية والجهوية بمستوى لم يعهده السودان حتى في تاريخه القديم، بحيث صارت إدارة الدولة وخططها الإدارية والسياسية تنطلق من الترضيات القبلية أولاً وأخيراً، بعيداً عن أي معيار موضوعي على شاكلة معايير البلدان المعاصرة. واقتصادياً وعلى الرغم من مليارات الدولارات من النفط والذهب والزكاة والاتصالات والضرائب والجمارك والجبايات والرسوم، لم يعرف عامة الشعب مجانية التعليم والعلاج، ولم يعرفوا العيش الكريم ولا الأمن والاطمئنان، فما يُنفق على التعليم والتعليم العالي والصحة والزراعة لا يتجاوز عُشر ما يُنفق على قبيلة الحكام ومحاسيبهم وحماتهم، والديون تثقل كاهل البلد والمشروعات الاقتصادية الكبرى قد تبخرت في الهواء بسبب الإهمال الرسمي من قمة الدولة، وضاقت موارد البلد بعد أن كانت رحبة ومتسعة تغطي الجميع دونما تململ. وأصبح الفساد يمشي بقدميه في الطرقات ويأكل الطعام وينام ويتحدى الناس إن هم يستطيعون الإمساك به. ويتحدث مسؤول التنظيم في الحزب الحاكم عن رجال أعمال من شباب الحزب بالعشرات دون أن يرينا كيف ومن أين جاءوا. ومع ذلك لا يزال من بين رموز الحزب من يدعي أنها مسيرة قاصدة لله، وأنها ليست للسلطة ولا للجاه!!! ويتحدثون عن أنهم وضعوا السودان في الطريق «الصحيح؟!!» على منصة الانطلاق.

٭ بعد عشر سنوات من حكم المؤتمر الوطني تقلصت المساحة الجغرافية للسودان الى الثلثين باسم السلام الشامل، لتغطي الحرب 05% منها، وتنزح آلاف الأسر، ويهدد شبح المجاعة الذين لم ينزحوا، وتتعطل الحياة تماماً في هذه الأقاليم المأزومة، ولا يزال رموز الحزب الحكم يتحدثون عن تفويض شعبي حازوا عليه في انتخابات «حرة ونزيهة؟!!»، وعن شرعية دستورية وعن توجه للدولة هم من يمثله، وما إلى ذلك من إدعاءات هم أدرى الناس ببطلانها وزيفها.

إن درجة السخط على حكم المؤتمر الوطني وأهله لا تحدها حدود بين كل أهل السودان من أقصاه الى أقصاه. والسبب ليس مزاجياً أو عاطفياً وإنما هو نتائج سياسات وممارسات وسلوك منظومة حكم شاذة في كل شيء من تفاصيل حكمها.. منظومة تحولت في فترة وجيزة إلى ورم سرطاني في جسد الدولة لا بد من التخلص منه بهذه الطريقة أو تلك، حتى يمكن إنقاذ حياة البلد.. هذه هي خلاصة التجربة الفاشلة، وعلى أهلها أن يواجهوا أنفسهم بوضوح وبحساب الفرصة الأخيرة قبل فوات الأوان.

الصحافة

تعليق واحد

  1. لم تعد هنالك أي فرصه للحل غير
    الرحيل
    الرحيل
    الرحيل
    بعد كل هذه الحقائق ماذا ننتظر؟ نحن الآن نواجه طوفان سنغرق جميعا ان لم نعالج المشكلة بسرعه وان سادة النظام هم اول من يغرقوا

  2. النظام يلفظ انفاسة الأخيرة ..ليس بضغط من المعارضة المتهالكة و لا من الشعب الذى استكان للظلم و القهر و اصبح متفرج و لكن بسبب الفساد و السياسات العوراء الغبيةالتى انتهجها ..و النظام ليس لديه ما يقدمه من كذب فاضح ووعود جوفاء لأنها ببساطة خلاااااص بحححححححح كملت و الفى الزير جابو المقراف ..انهيار فى الصحة و التعليم و جميع الخدمات فقر و جوع و تشرد .. حروب و تشرد .. كان هنالك سودان المليون ميل مربع و اصبح من التاريخ … فساد اخلاقى رهيييب بفعل الفقر و ضيق المعيشة ……….. الخ .
    التغييرر قادم .. و لكن نتمنى وجوه جديده تحكم السودان بعيدا عن سيدى و شيخى فهم سبب مصائب و كوارث السودان .

  3. ذكرتنى الامام الصادق ومحجوب عروة وعثمان ميرغنى (التيار) وثلاثتهم ينادوا بعدم جدوى اسقاط النظام واعطائه فرصة لاصلاح حاله واعادة التمكين كما جاء فى مذكرة الانتباهة .. وبالمقابل فقد اقر كبارهم مثل د.غازى و قطبى و احمد عبد الرحمن بوجود فساد و خلل فى النظام .. عليه لا يصلح العطار ما افسده الدهر ولم يتبق سوى الكى وازالة الورم السرطانى من خاصرة الدولة .. :confused: :D :crazy:

  4. لعمرى إن الحراك الذى يحدث الآن , على صفحات الصحف الالكترونية , هو ذاته الذى سبق الثورة المصرية25 يناير ومهد لها. سيرو فى ذات الطريق.
    إما فتحنا كوة للضو أو متنا على سطح الجدار

  5. :mad: نحن بالداخل حلوين زى الفل .. البيقراء تعليقاتكم دى والعياذ بالله .. يقول البلد ما فضل فيها نفاخ النار !!! .. نحن ذاتوو لمن نقراء كلامكم ده بقينا نشك بأنو نحن قاعدين فى السودان والا خارجه!! وفى سودان تانى غير حقنا ده! .. آناس إتقوا الله .. آناس البلد بى خيرها إتو بس بطلوا النقة الكتيييرة دى ! والسبب الأساسى فيكم وفينا نحن .. ربنا سبحانه وتعالى قال : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }الأعراف96 .. كلام وااااضح وعديل .. إتقوا الله وآمنوا فى نفسكم أولاً وبعدين تعالوا حاسبوا الإنقاذ ..:mad:

  6. المعلقين صدقي والمر الحجازي يا انتو كيزان يا حراميه مستفيدين من نظام الكيزان
    اصلو في البلد دي المرتاحين هم حرامية البلد ومحسوبنهم
    بتاع الشعيريه يا اناني في ناس مالاقيه بليله تلكلها وفي ناس في السودان دا الكهرباء ما شافوها يا بتاع كهربة السد انت قايل السودان دا الخرطوم
    بعدين المعلق صدقي معروف يا اخوي ارجع مصر بتاعتك اصلو مافي سوداني اسمو صدقي ومعروف اصلكم انتو شعب كذاب واناني الواحد همو نفسو

  7. فى ظل الربكة التى يعيشها النظام منذ تشكيل الحكومة العريضة وتداعيات تشرذم اهل الحركة الاسلامية والمعارضة المتردية فى وجه الشارع المتململ .. نجد ان فكرة الاصلاح واعادة التمكين غير مستساغة من الغالبية المسحوقةبعد نشر غسيل فساد الطبقة الحاكمة وبالتالى يكمن العلاج فى انقلاب ابيض بحل الحكومة والبرلمان وحزب المؤتمر الوطنى .. وتشكيل حكومة ( تكنوقراط) غير مسيسة تكون محل قبول كل القوى السياسية لان الشارع قد اصابه احباط تجاه الاحزاب التقليدية بما فيها المؤتمر الوطنى والقوى الحديثة.. ومن ثم الترتيب لانتخابات تحت اشراف الهيئة القضائية ومنظمات المجتمع المدنى المحلية والدولية ..

  8. والله الذى رفع السماء بلا عمد أى حد يؤيد المؤتمر السرطانى هذا منافق منافق منافق
    البطالة العطالة المقنعة وغير المقنعة غلاء المعيشة التعليم متدهور العلاج العندو فلوس وحرامى يتعالج والماعندو وفقران بسبب السياسات اللاوطنية يموت
    الأراضى فى الخرطوم أكثر غلاءً من لندن ونيويورك ودبى

  9. I don’t think what you and me andothers writting gonna heard or draw any attntion of those killers and deviles-minded who’re their hands stained with innocent blood of sudanese people we’re suffering for more than two decades from those who’re stealing our resources and taken away sudanese as a hostages while our big country tighted and turned to a big prison. Those eviles filled with limitless of greedness and selfishness a result of that our country going backward a decades and still. Our people struglling every day to get their basic needs. in most parts of our country people suffers from starvation, , lack of education , healthy waterand so on. In absolute absence of accountablity and transparency those wickedness stealing our resources continually ,enjoy awith they families a luxury life and doing and get what they whant, as a result of that the situation in our country gitting worse every day. those eviles don’t have any ability to lestin of admit of wrong doing and ask forgiveness for what they done handed power or make any corrections, they never learned from wat happened around and still blindfolded with deaf ears , they thought they’re an ecception and what happened in some arab countries will not repeated in sudan, what the ten euro -minded. Instead of arab spring you will face The god revenge and you will suffer twice here you will l treated by us as same way you did to us before a judgment day on your way to hell,doubtless I see this day come soon

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..