أخبار مختارة

مئة يوم ثورة … جرد حساب

عبد الغفار عبادي

لا زالت تجول في خاطري عبارة لاحد ثوار فرنسا وهو يدس فيها كل مخاوفه من و على الثورة … الثورة مثل زحل تلتهم ابنائها و في النهاية تتحول الى الاستبداد بكل كوارثه الحتمية … وقد لاقت مخاوفه تلك الواقع في ثورة بلاده التي حولها اليعاقبة الى جحيم من الوحشية و الاستبداد ما جعل الكثيرين يترحمون على ايام البوربون ليهتفوا ل ( لويسهم ) الخامس عشر او السادس عشر على الطريقة السودانية عند مصادفتهم له في” زنك الخضار في الشانزلزية ” ( ضيعناك و ضعنا معاك يا لويس ) … و هاهو فرانز كافكا ملك الكابوسية في الادب العالمي يذهب الى ان ( الثورات تتبخر تاركة خلفها وحلا من البيروقراطية ) … ما سر تلك النظرة التشاؤمية التي يظلون الثورة بظلالها و الثورة هي ” قاطرات التاريخ ” التي تحمل لالام الماضي الترياق و لبساتين الامل على طول افاق المستقبل بذورها ؟ … قطعا كليهما لم يركب موجة العداء للثورة و التغيير و لكن من باب نقد الذات و تصحيح المسار لان عفوية الثورات و عقلها الجمعي المبني على النهلستية قد يوردها موارد غير تلك التي تهفو اليها النفس الثائرة ان لم يتبعها تخطيط جيد .
تمر الثورات في العادة بمرحلتين اولاهما مرحلة ازاحة الواقع المتمترس في طريق التغيير و وصول الثورة الى سدة الحكم و ثانيهما مرحلة الحكم و هيمنة الواقع الثوري على حياة الناس و تثبيت دعائمه على الارض ، الكثير من الثورات وئدت في ايامها الاولى وهي لا تزال نطفة في رحم الشارع و اخريات تمكنت من ازاحة الاستبداد عن عاتق الشعوب قبل ان يعود الاستبداد مجددا ملتحفا عباءة الثورة او منقلبا عليها . مرحلة الحكم حيث انفصال القيادة عن الجماهير و طلاق النظرة الحالمة لمنطق الواقع كانت محرقة للكثير من الثورات حيث تتفشى فيها الكثير من الامراض كالاستبداد و غياب الاستقرار و الفساد و هشاشة البناء الايدولوجي و السياسي .
و عندما يأتي الحديث عن الثورات و الفاشل منها على الاخص لا يمكن باي حال من الاحوال مجافاة ذكر السودان وهو الذي شهد ثلاث ثورات خلال قرن كان القاسم المشترك بينها الاخفاق في تنظيم و ادارة البلاد حتى وصل الحال بالبعض التهليل بعودة المستعمر او المستبد نكاية او نشدا للخلاص من جحيمها .
التاسع عشر من ديسمبر ضرب فيه السودانيون موعد جديدا مع التغييرو اخذت الامال في الاتساع و سودان المستقبل اخذت معالمه تتشكل في قلب كل يائس و محروم و اصبح النصر على بعد خطوة طفلة متكاسلة و هاهي الايام تمضي بنا و عمر الاحتجاجات يطاول المئة و ساكن القصر يستطيب سكنه ولا زال المؤتمر يلوح بإصبعه الأوسط للشعب المغلوب على امره و المجاعة على مرمى حجر و الفقر يعبث بجيوب الفقراء و لا يمضي يوم الا و الذي بعده شر منه … مئة اليوم و حصالة الثورة لم تجمع قرشا من النجاح و لا زالت الانتصارات حبيسة الفيسوك و مخيلة البعض …
القراءة المتأنية غير المشوبة بعقائد مسبقة و المتابعةالدقيقة ليوم من ايام الثورة و الثوار تضع يد المنطق على الاسباب الحقيقية لسلحفائية تصاعد وتيرة الثورة على الرغم من كل الهدايا التي قدمها النظام و من هذه الاسباب :-
• غموض رؤية الثوار لما بعد النظام و غياب الخطط و الترتيبات اللازمة لادارة البلاد بعد سقوط النظام وهو ما ينبيء بتعاسة الشعب السوداني الذي يثور و يضحي ليصبح في منتهى الامر فئران تجارب للقيادات الثورية الجديدة .
• الاقصائية و العدوانية الفكرية اتجاه كل ماهو مخالف و الباسه ثوب الامنجة و الكوزنة افضى الى تمسك منسوبي و مؤيدي النظام بولاءاتهم القديمة و ابتعاد المؤلفة قلوبهم عن خط الثورة .
• غياب توعية الجماهير بضرورة الثورة و تطمين مخاوفهم و بذر الاماني في نفوسهم عن طريق ادارة حوار موضوعي في الاحياء و المساجد و المتنزهات و الاسواق و ما من مكان نزل به رهط الا و كان من الواجب الاوجب ان يسعى اليهم ثائر يجادلهم و يبصرهم و يحمل بخطاهم نحو خط الثورة .
• السطحية و الاسفاف في تناول و تحليل ودراسة القضايا المطروحة و الاشكالات المتولدة على الساحة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و لك ان تعلم ان مجموعة قليلة من الفتيات تظاهرن و هن يرتدين ثوبا ابيض فصرنا الشغل الشاغل لمنابر الثورة و ثوارها و كذا جندي لاذ بالفرار من المتظاهرين تاركا خلفه بنطاله و الكثير من القضايا الرثة و الافكار المهترئة .
• محاولة البعض تحويل مسار الثورة لتكون ساحة لتصفية الحسابات و تنفيس الاحقاد و نشر الكراهية .
• ركوب الكثير من الانتهازيين و السواقط الاخلاقية و السلوكية موجة الثورة مما ادى لاضعاف الكثير من القيم الثورية التي تعتبر ثلثي الثورة و كل الثائر .
آخر الكلام
******
لا بديل للثورة إلا الثورة .

‫3 تعليقات

  1. كلام أكثر من معقول. هنالك الكثير من الإنصرافيات والتمنيات الشخصية التي تخلط الثوري بالذاتي.
    ليس لأحد أن يدعي أن لديه تفويضاً ليحدد من الذي سيشارك في الحياة السياسية ومن سيحرم منها، ومن سيعاقب على ما أجرم وكيف. فذلك متروك للشعب و للعدالة. لقد سمعنا صاحب ال 98% و سخرنا منه، ولا نريد جماعة أخرى تدعي أن 90% من الشعب أو أقل أو أكثر في صفها.
    سيقول الشعب كلمته عبر صناديق الإقتراع بعد زوال النظام. فصبراً

    1. Avatar photo يقول عزوز (الاول) المناكف الذي لن يهدأ له بال حتى يصبح الكيزان الى زوال و ينضربوا على مؤخراتهم بالنعال:

      اعتقد أن (محمد محجوب ) صاحب التعليق هو نفسه (عبد الغفار عبادي) كاتب المقال ،، يا راجل عيب عليك كتابة مقال بهذه السخافة وعيب عليك التعليق على مقالك بنفسك بهذه الصورة المقرفة.
      نصيحة ليك : اسكت بس.

  2. غريبة انو يكون ده مقال رئيسي في صحيفة محترمة ذي دي!!! الزول ده بيدين الثورة اول شي وبيدين الثوار برغم الاستهبال في نهاية المقال بدعم الثورة!!! وين انضمام السواقط للثورة؟ ووين السطحية والاسفاف؟ ووين الاقصاء والعدوان؟ ده زول بيطعن في الثورة … اللي بيحصل ده عيب كبير والله من الراكوبة ونتوقع منها موقف افل من كده. طبعا نحن مش مع دس الرؤوس في الرمال بل مع النقد والموضوعية وابراز الحقائق لكن ده مقال امنجي بامتياز وواضح انو الشخص اللي كاتبو عرف يخاطب منو … عيب يا راكوبة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..