مفتي تونس يضع النقاب في سياقه الفقهي: ليس واجبا ولا سُنة

الشيخ سعيد ينفي أية صفة شرعية لغطاء الوجه ويشدد على حق الدولة في تقييده للحفاظ على مصلحة المجتمع.
ميدل ايست أونلاين
تونس – من منور المليتي
على قاعدة: درء المفسدة أولى من جلب المصلحة
أصدر مفتي تونس الشيخ حمدة سعيد فتوى تنفي “أية صفة شرعية” للنقاب الذي ما انفك يثير جدلا في الأوساط السياسية والثقافية ولدى المنظمات النسوية الناشطة في مجال حقوق المرأة.
وقال سعيد أن النقاب “لا هو بالفرض الشرعي ولا هو بالسنة” مشيرا الى أن “من حق الدولة تقييده إذا تعلق الأمر بمصلحة البلاد والمجتمع”.
وشدد سعيد في بيان الاثنين على “إن النقاب عند جمهور الفقهاء ليس واجبا بالدين ولا هو سنة ثابتة” مستشهدا بعدد من الأحاديث النبوية المؤيدة لهذا الرأي.
وأوضح أنه “إذا اعتبر النقاب وغيره من أشكال اللباس حرية شخصية من باب حرية اللباس كما نص على ذلك الدستور، فللدولة الحق في أن تقيد هذا المباح إذا تعلق ذلك بمصلحة البلاد والمجتمع بناء على قاعدة دفع المضرة مقدم على جلب المصلحة”.
وتعد “فتوى” سعيد بعدم شرعية النقاب الأولى من نوعها خلال السنوات الأربع الماضية حيث انتشرت ظاهرة النقاب في تونس بشكل ملفت للنظر خاصة في الأحياء الشعبية والجهات الداخلية حيث تعشش مظاهر الفقر والنسب العالية من الأمية.
ورغم أن ظاهرة ارتداء النقاب تبدو محدودة جدا في مجتمع يرى فيها ظاهرة غريبة ودخيلة تنم عن احتقار للمرأة التي تفتخر بحريتها وبانفتاحها، فإن تعدد حالات القبض على إرهابيين وهم متخفون خلف هذا اللباس أثار مخاوف من انتكاسة للحرية التي تتمتع بها التونسيات.
وكانت الأجهزة الأمنية التونسية كشفت أنها تواجه صعوبات في تفكيك الخلايا الإرهابية، نظرا لأن الإرهابيين يتخفون بارتداء النقاب، ما يجعل التعرف إليهم أمرا عسيرا.
وقالت انها ألقت القبض على عناصر إرهابية خطيرة متخفية بلباس النقاب ورجحت أن عددا من الإرهابيين نجحوا في الإفلات من قبضة قوات الأمن بعد أن تخفوا وراء هدا اللباس.
وقال مصدر أمني في تصريحات سابقة “تمكنا من اعتقال العشرات من الإرهابيين وهم متخفون بالنقاب في تونس العاصمة وفي مدينة سوسة وفي مدينة المنستير وفي مدينة جندوبة وفي محافظة القصرين المتاخمة لجبال الشعانبي، مضيفا قوله “نجحنا في تفكيك خلايا إرهابية بعد عناء كبير لأن عناصرها كانت تتنقل بسهولة من مدينة إلى أخرى متخفين بلباس النقاب”.
ولم يستبعد نفس المصدر أن تكون العناصر الإرهابية التي مازالت تلاحقها الأجهزة الأمنية أفلتت من القبض عليها لأنها تتخفى في تحركاتها وراء النقاب، مشددا على أن اللباس زاد في تعقيد مهمة الأجهزة الأمنية في ملاحقة الإرهابيين” وطالب بإصدار قانون يخول للأمنيين كشف وجه كل من يشتبه به أو بها.
وأثار أسلوب التخفي هذا الذي تنتهجه العناصر الإرهابية مخاوف جدية لدى أكثرية التونسيين من خطورة الجماعات الجهادية على أمن البلاد، الأمر الذي دفع بمفتي تونس إلى الإفتاء بمنع النقاب بعد أن تحول إلى “لباس في خدمة الإرهاب”.
وأصدر سعيد، فتوى سابقة تمنع ارتداء النقاب “لضرورات أمنية” ليقدم غطاء دينيا للأجهزة الأمنية يجيز لها الكشف عن وجه المنقبات، معللا فتواه بـ”أن مخاطر الإرهاب التي تهدد المجتمع تبيح هذا المنع”.
وقال سعيد إن “استعمال النقاب في أغراض إرهابية للإضرار بالمجتمع، وقتل الذات البشرية يجعله في حكم المحرمات شرعا، وذلك استنادًا إلى قاعدة أصولية شرعية إسلامية تفيد بأن درء المفسدة أولى من جلب المصلحة”.
غير أن الفتوى التي أصدرها الإثنين تعد الأولى من نوعها لكونها تعتبر النقاب “لباسا غير شرعي، لا هو بالفرض ولا هو بالسنة وإنما يدخل ضمن حرية اللباس”.
وكانت وزارة الداخلية أعلنت أنها ستشدد الرقابة على كل الأشخاص الذين يرتدون نقابا، وأوضحت أن هذا القرار يأتي في ظل التهديدات الإرهابية التي تشهدها البلاد ونظرا لتعمد بعض المشتبه بهم والمطلوبين للعدالة إلى ارتداء النقاب بقصد التنكر والإفلات من الأجهزة الأمنية.
ويؤيد فتوى سعيد عدد من شيوخ جامع الزيتونة مثل خميس العبيدي الذي قال إنه “يحق للسلطة القائمة منع ارتداء النقاب في الأماكن العامة درءا للمفسدة إذا كان استعماله ينطوي على مساس بالأمن العام وتهديد لاستقرار المجتمع”.
وأفتى العبيدي بأن اللباس الوحيد للمرأة هو الحجاب ولا وجود في الشريعة الإسلامية للنقاب” بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين شدد في فتواه على أن “استعمال النقاب في أغراض إرهابية للإضرار بالمجتمع وقتل الذات البشرية يجعله في حكم المحرمات شرعا”.
وألبت فتوى الشيخ العبيدي عليه الجماعات السلفية حتى أنها رمته بالكفر وبـ”التشريع لانتهاك حدود الله”.
وقال الشيخ العبيدي “انه يتوجب على الحكومة أن تمنع ارتداء النقاب حتى لا يتسنى للإرهابيين والعناصر الإجرامية استغلاله لتنفيذ مخططاتهم”.
ولم يتعرض الفقهاء التونسيون المستنيرون وفي مقدمتهم العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في كتبهم إلى النقاب لأنه لم يكن منتشرا في المجتمع التونسي وإنما تحدثوا فقط عن الحجاب مؤكدين أنه يجوز للمرأة كشف الوجه واليدين.
ويستدل عدد من الفقهاء على أن النقاب ليس لباسا شرعيا بالآية الكريمة من سورة النور، “وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ..” لافتين إلى أن غض البصر لا معنى له إذا كانت النساء منقبات.
وشق على الجماعات السلفية الترويج للحجاب لدى الفئات التي تنتمي للطبقة الوسطى المترفهة والمتحصنة بثقافة دينية متينة في حين نجحت تلك الجماعات في الترويج للنقاب كفرض شرعي في أوساط الفئات الفقيرة حيث ترتفع نسبة الأمية في صفوف النساء إلى أكثر من 70 في المائة.
وعلى الرغم من أن المنقبات لا يمثلن سوى 3 بالمائة من النساء وفق بعض التقديرات فإن ظاهرة النقاب باتت تؤرق أكثرية التونسيين ما حدا بالعديد من المنظمات النسوية الناشطة في مجال حقوق المرأة لإطلاق صيحة فزع من خطورة تداعيات النقاب على طمس هوية المجتمع التونسي.
وتطالب تلك المنظمات بضرورة منع ارتداء النقاب في الأماكن العمومية والمؤسسات لأنه وسيلة لطمس هوية الأشخاص.
وتقود المنظمات النسوية التونسية جهودا لتوعية المرأة في الأحياء الشعبية وفي الجهات الداخلية بأن النقاب يعد لباسا دخيلا على التقاليد التونسية إضافة إلى أنه رمز لمشروع يستنقص من مكانة المرأة ويحرمها من حقوقها ويهدف إلى حرمانها من المشاركة في بناء تونس الديمقراطية التي تتعامل مع المرأة باعتبارها مواطنة لا فرق بينها وبين الرجل.
غير أن مخاوف التونسيين والتونسيات من ظاهرة النقاب تتجاوز البعد الأمني وما يوفره هذا اللباس من غطاء للإرهابيين إلى مخاوف تتعلق باقتلاع المجتمع من جذوره التاريخية والحضارية وطمس ملامحه الاجتماعية.
ويذهب الباحث سامي براهم إلى أن “المخيف في النقاب ليس الخطر الأمني لأني لا أرى أنه يشكل خطرا في تونس، الخطر هو على النموذج الثقافي والمجتمعي الذي رسخته حركة التنوير والإصلاح في تونس منذ قرن من الزمان. الخطير أن تجد السلفية مشروعية لها داخل المجتمع وأن تعوض الدولة والنخبة والمجتمع المدني والأحزاب المدنية في القيام بأدوار متقدمة”.
غير أن أخصائيين اجتماعيين يقللون من خطورة النقاب على مكاسب المرأة التونسية إذ يشددون على أن التونسيات اللواتي اكتسحن مختلف مجالات الحياة العامة ونجحن في الوصول إلى مراكز القرار الإداري والسياسي اكتسبن مناعة فكرية وسياسية ضد فيروس أصوات الجماعات السلفية.
ويضيف هؤلاء أن المرأة التونسية تقف على أرض حداثة متجذرة ثقافيا وحضاريا ما يجعلها قادرة على لفظ أي مشروع يستنقص من مكانتها أو من حقوقها أو من مشاركتها في الشأن العام لافتين إلى أن النقاب، علاوة على أنه شكل من أشكال الموضة التي رافقت صعود جماعات الإسلام السياسي، لا مستقبل له في بلاد جعلت من المرأة عنوانا للحداثة الاجتماعية والسياسية.
ياشيخ اتق الله الم تكن الفتنة خروج المراة عارية ومن اين اتيت بهذه الفتوى – العودة الى ديننا الحنيف هو الحل
تونس بلد الحداثة والتحضر لن تستطيع قوى الظلاميين المتأسلمين جرها الى الوراء.