الموازنة الجديدة … الميدان يا حميدان

بدا السيد وزير المالية حسبما نقلت الأخبار سعيداً ومزهواً بموازنته الجديدة وهو يستعرضها أمام الصحافيين على مدى ثلاث ساعات في مؤتمره الصحفي الذي عقده الأول من أمس، ومن فرط سعادته ومباهاته بها قيل إنه قال لمن أدار المؤتمر الصحفي حين طالبه بالاختصار (خليني أتفشى في الصحفيين ديل) أو كما قال، وللوزير نقول ربما كانت موازنتك على مستوى (النظر) والنظريات والورق ولغة الأرقام الجامدة هي كما رأيت وفرحت وبشرت واستبشرت، غير أن كل ما قلته عنها لا يعني شيئاً لمحمد أحمد الأغبش ورجل الشارع العادي وربات المنازل ولا يفهمون فيه حرفاً، فهؤلاء الغبش (الواقفين صفوف) لا يعرفون في الاقتصاد والموازنات غير قفة الملاح، عندما تمتلئ قفتهم عافية يكون الاقتصاد عندهم معافى والموازنة موازنة خير وعافية، والعكس صحيح، فهم لا ناقة لهم ولا جمل في أحاديث الساسة والاقتصاديين ومؤتمراتهم حول التضخم وعرض النقود والأداء الكلي للاقتصاد والسياق التاريخي لظهور العولمة والميل الحدي للاستيراد والبضائع المثلية والبطالة الاحتكاكية والناتج المحلي والدخل القومي والميزان التجاري وميزان المدفوعات وهلمجرا من كلام كبار كبار لا يأبهون له، كما يعرفون ويأبهون للميزان أبو كفتين عند أصحاب التشاشات والرواكيب والدكاكين والكناتين والبقالات والكيلة والملوة والمد عند باعة البصل والفحم وما شاكلهما، والرُبطة والكوم عند الخضرجية وغير ذلك من مقاييس ومكاييل تشكل مدار حياتهم اليومية، ولا تثريب عليهم فليس شغلهم أن يشتغلوا على نظريات الاقتصاد وبدائله، فهذه يكفيهم منها أنهم ربّوا وعلموا وبذلوا وما استبقوا شيئاً ليخرّجوا هؤلاء السياسيين والاقتصاديين المطلوب منهم أن يعكسوا أثر هذا العلم على حياة أهلهم بياناً بالعمل تؤكده قفة الملاح وليس بالأحاديث الشفهية والأرقام الجامدة التي إن لم تلامس قفة الملاح سيبقى عندهم قائلها مجرد (حلو لسان وقليل إحسان)، فنظرة للقفة تقطع قول كل خطيب وموازنة.
ولهذا نكرر القول للوزير ونقول له على طريقة الرياضيين (الميدان يا حميدان)، وهي عبارة درج نقادنا الرياضيين المنقسمين بين فريقي القمة ويجوز أن تقرأ (الغمة بالغين) الهلال والمريخ، درجوا عند توعد وتحدي بعضهم لبعض استخدامها، وكنت أظنها من مسكوكات واجتراحات وسطنا الرياضي المحلي، قبل أن أدرك أنها مثل شعبي شائع عند شعوب الخليج، يضربونه عند الحاجة لاختبار معادن الرجال، باعتبار أن الميدان هو المحك الحقيقي لإثبات الشجاعة أو الجبن في الإنسان، أما لماذا حميدان من دون خلق الله، فذلك مالم أعرف له سبباً أو مناسبة، ولا تظنن أنه بسبب السجع والقافية، وإلا لقلنا لماذا ليس عثمان أو رمضان أو شعلان الخ، وعلى الوزير أن ينتظر النتيجة التي ستسفر عنها موازنته بعد أن ينزل بها الى الميدان.
[email][email protected][/email]