علي عثمان محمد طه والنظر خلال ثقب ابرة ؟(2/2)

د. صديق الزيلعى

قرأت بتعجب ما قاله السيد على عثمان محمد طه لرؤساء التحرير عند زيارتهم له ببيته للمعايدة. فقد قال لهم بان حكومة الانقاذ والحركة الاسلامية فشلا فى خلق صحافة ناجحة رغم ان الحركة الاسلامية نجحت فى خلق صحافة ناجحة خلال فترة الديمقراطية الثالثة. ولدى تساؤل برئ منذ متى يزور رؤساء تحرير الصحف رؤساء الدولة فى منازلهم الخاصة؟ ساتعرض اولا وباختصار شديد لما يسمى بالنجاح المزعوم الذى حققته صحافة الجبهة الاسلامية خلال الديمقراطية الثالثة ثم اتعرض للسئوال الذى حير السيد النائب الاول ورؤساء التحرير عما جرى للصحافة فى عهد الانقاذ مما ادى لافلاسها وفشلها باعتراف الرجل الثانى فى الدولة واختتم موضوعى بعرض سريع لبعض ما تقوم به الصحافة الحقيقية من اسهامات ثرة ومواقف قوية فى الانظمة الديمقراطية.

الادعاء بنجاح صحافة الجبهة الاسلامية مردود. وساتعرض لبعض الامثلة ، وهى قليل من كثير، والتى تكشف حقيقة ما يسمى ب ? النجاح ? وذلك بكشف النقاب عن بعض تلك ?النجاحات? خلال فترة الديمقراطية الثالثة. والتى نصفها وندمغها بالحملة المنظمة لتخريب التجربة الديمقراطية تمهيدا لوأدها. تلك الحملة ، جيدة التمويل، و التى كانت تدار من مركز واحد فى قيادة الجبهة الاسلامية. ذلك المركز القيادى هو الذى يقوم بتحديد الاجندة يوميا وينسق الحملات الاعلامية ويقسم الادوار على مجموعة الصحف التى كانت تملكها الجبهة علنا وتلك التى كانت تديرها او تملكها سرا و رغم ادعائها الكاذب بانها مستقلة. تلك الحملة كانت تتم فى اطار مخطط خبيث يسعى بكل ما توفر له من مال طفيلي اكتنزنه بنوك العيش وكادر مفرغ اشتهر فى الحركة الطلابية باسم ? الجهل النشط? لتحقيق الهدف النهائي وهو تسميم الفضاء السياسي وتشويه الممارسة الديمقراطية والتمهيد للإنقلاب على التجربة الديمقراطية والاستيلاء على السلطة بالقوة.

وما يلي هي نماذج أو مجرد صفحات بسيطة من كتاب صحافة الجبهة الإسلامية الضخم. وهذه الصفحات تعكس منهج وأساليب عمل صحافة الجبهة خلال فترة الديمقراطية الثالثة والذي وصفه السيد النائب الأول بالنجاح:

ونواصل تقليب بعض الصفحات من الكتاب الأسود لصحافة الجبهة ومنها:

* الصمت المريب عن أحداث جبل مرة في 1988 عندما تعرض الفور لهجوم غير مسبوق أزهقت فيه أرواحهم ودمرت قراهم واقتلعت اشجارهم المثمرة وقتلت حيواناتهم. وهل سينسى أبناء الفور ذلك الموقف مهما مرت السنوات. وللحقيقة والتاريخ كان ذلك هو التمرين العملي والبروفة النهاية للجرائم التي ارتكبها الجنجويد خلال السنوات الماضية.

* تملق صحف الجبهة للقوات المسلحة والتنسيق مع قيادة التوجيه المعنوي لتوزيع صحفهم مجانا للضباط والجنود ومشاركتهم في حملة غسيل المخ الجماعي لتلك القوات وما سمي بحملة دعم القوات المسلحة و ?قنطار الذهب? في أطار سعيهم الحثيث لشراء تلك القوات وتحضيراً لانقلابهم على الديمقراطية.

* ترشح السيد علي عثمان لانتخابات المجلس الوطني( برلمان مايو) في دائرة بري والتي تشمل جامعة الخرطوم. قام الأخوان من خلال اتحاد الطلاب بتسجيل كل طلاب الجامعة بدون علمهم. عندما اكتشفت الجبهة الديمقراطية تلك المعلومة نظمت حملة قوية لشطب أسماء الطلاب وترك التسجيل كخيار فردي لمن يود القيام به. فرد الأخوان بحملة ركزت على أن انتخاب خمسة من أمثال علي عثمان سيهز الأرض التي يقف عليها البرلمان. وتم انتخاب علي عثمان ولم تهتز الأرض ولم نسمع بصوته القوي داخل المجلس ولم نقرأ مواقفه الشجاعة في صحافة مايو. وعلق أحد خبثاء قهوة النشاط:(جامعة الخرطوم) بأن ما اهتز هو جيب علي عثمان. ليس هذا موضوعنا هنا. ونقول: إن علي عثمان تم انتخابه خلال الديمقراطية الثالثة وانتخب زعيما للمعارضة. وكان صوتا قويا داخل البرلمان( اتفقت أو اختلفت مع سياساته) وانعكس ذلك الصوت القوي في الصحافة. وهذا المثال يوضح بجلاء تام وبفصيح العبارة الفرق بين الصحافة في الأنظمة الديمقراطية والأنظمة الدكتاتورية. وهكذا مثلما فشلت الصحافة في ظل نظام مايو الدكتاتوري وبهتت وأصبح لا لون ولا طعم لها، تفشل الصحافة حاليا في ظل دكتاتورية الانقاذ ويحدث لها ما حدث لصحافة مايو وصحافة دكتاتورية نوفمبر والتي اشتهرت بالنكتة الشهيرة ? البرش بقرش? وصفا لجريدة العسكر المسماة بالثورة.

* قامت جريدة ? الراية ? بالتزوير الصريح والذي يقع تحت طائلة القانون فيما كانت تنشره تحت إدعاء أنه استطلاعات رأي وتقوم بإبراز أن الشعب يؤيد سياسات الجبهة بدون ذكر من استطلعت وعددهم والمنهج الذي استخدمته حسب ما هو معمول به في استطلاعات الرأي المعروفة. وهو بصريح العبارة استخدام الكذب و? من غشنا فليس منا?.

هذه الامثلة تحكي بعض ممارسات صحافة الجبهة الإسلامية خلال الديمقراطية الثالثة وهي قليل من كثير. فهل يمكننا وصفها بالنجاح؟

وليس غريبا على رؤساء تحرير صحف الانقاذ الصمت عن القضايا الاساسية وهم في لقاء يجمعهم بالرجل الثاني في النظام. وهنالك عشرات القضايا السياسية والوطنية التي من المفترض أن يسأل عنها أي صحفي يحترم مهنته، عندما يقابل مسؤول في قامة علي عثمان وهو أحد صناع القرار في السودان. لماذا صمتوا؟ وهل نتوقع من أمثال اولئك الموظفين أن يسألوا؟ ولا نحلم بأن يكون لهم أي قدر من الشجاعة لمواجهة المسؤولين بالوقائع والحقائق الأليمة حول ما يجري في كل أطراف وطننا؟

واذا كان السيد علي عثمان يريد أن يعرف لماذا تعاني صحافة الانقاذ من الضعف؟ أقول وبصريح العبارة أنها أزمة بنيوية لا فكاك منها إلا بتفكيك النظام وإقامة نظام ديمقراطي حقيقي لتنتعش الصحافة السودانية(أخوانية وغير أخوانية).

وللتعرف على ماذا فعلت الانقاذ بالصحافة السودانية نشير لبعض( اكرر بعض) الامثلة:

* إلغاء الصحف منذ اليوم الأول للانقلاب ومصادرة ممتلكاتها وتشريد العاملين بها واعتقال بعضهم وتعذيبهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية كحق العلاج وهم في الحبس مما أدى لوفاة الأستاذ عبد المنعم سلمان أحد كتاب جريدة(الميدان) والذي فارق دنيانا في سجن كوبر لحرمانه من حق العلاج.

* كم من السنوات فرضت خلالها حكومة الانقاذ الرأي الواحد والحزب الواحد وجرائد لا لون لها ولا طعم وصار جهاز الأمن هو رئيس التحرير الفعلي لكل الجرائد السودانية، يأمر وينهي كما يريد بلا رقيب أو حسيب؟

* ورغم الإنفراج النسبي الذي أحدثته اتفاقية السلام وصدور الدستور الانتقالي بكل نصوصه الصريحة حول الحريات وحقوق فهل تغير واقع الصحافة؟ كيف مورست ما يسمى بالرقابة القبلية؟ وكم من الصحف صودرت بعد طباعتها ( مع سبق الاصرار والترصد لتسبيب أبلغ الضرر المادي)؟ وكم من الصحفيين منعوا من الكتابة؟ وكم من الصحف المستقلة اسما والتابعة للسلطة حقيقة قد توالدت كالفطريات في أطار حملة محمومة للضحك علينا وعلى العالم اجمع بالادعاء الكاذب بوجود حريات صحفية وأنه تصدر عشرات الصحف المستقلة بالخرطوم؟

* ماذا كان يكون رأي السيد علي عثمان في قانون الصحافة الانقاذي اذا افترضنا أنه كان مقدما للجمعية التأسيسية، عندما كان زعيما للمعارضة؟ وهل يمكننا أن نتخيل كمية ونوعية النقد الذي كان سيوجهه للقانون؟ وماذا كان سيكون رد صحافة الجبهة على تقديم ذلك القانون؟ وكم من خطب الجمعة كانت ستكرس للقانون؟

* وخلال العام الماضي فقط كم من الجرائد منعت عن الصدور؟ وكم من الصحفيين منعوا من الكتابة؟ وكم من رؤساء التحرير نقلوا من صحيفة لأخرى؟ وكم عدد المرات التي صمت فيها مجلس الصحافة عن انتهاكات الصحافة؟

* لا أتوقع الإجابة على تلك الأسئلة من ? صحفي السوء? على وزن وصف الامام محمد أحمد المهدي لعلماء السلطان بــ?علماء السوء?. ولن اتعرض لما يسمى باتحاد الصحفيين فاعتقد أن الضرب على الميت حرام شرعا.

الآن اتطوع ، ولا اطلب أجرا، بتوضيح معلومات في شكل أسئلة حول بعض ممارسات الصحافة في الأنظمة الديمقراطية. لعلها تفيد السادة في السلطة بأنه يستحيل أن تنتعش الصحافة في عهدهم وأنه لا حل إلا بالحل!

* هل سمعوا بالحملة القوية لجريدة التلغراف عندما كشفت فساد النواب البريطانيين باستخدامهم المخصصات البرلمانية لمصالحهم الذاتية الانانية وكيف حاول رئيس البرلمان وبعض النواب ايقافها ولم تتوقف الصحيفة لأنها تعرف وتتمسك بحقوقها التي منحها لها النظام الديمقراطى. وادت تلك الحملة لسقوط رئيس البرلمان وسقوط نواب فى الانتخابات بل والقبض على بعض النواب ومحاكمتهم وادخالهم السجن بسبب الجرائم التى ارتكبوها. وايضا تم اجراء تعديلات فى قانون مخصصات النواب. بالاضافة لقيام كل الصحف بحملة قوية ضد فساد السياسيين وضرورة تشديد الرقابة الصحفية عليهم وعلى اعمالهم وبعد تلك الحملة القوية قرر العديد من النواب عدم الترشح للبرلمان.

* هل قرأوا حملة بعض الصحف البريطانية على الامير تشالز وهو ابن ملكة بريطانيا وولى عهدها عندما تدخل فى بعض اعمال الحكومة بارساله رسائل تحمل رايه الشخصى فى بعض القضايا؟

* هل حكى لهم الملحق الصحفى بالسفارة السودانية بلندن عن حملة جريدة القارديان على حرب العراق وعلى تزوير تونى بلير وبطانته للدوسية الشهير لخداع النواب للتصويت للحرب؟ وهل اخبرهم بان الكراكتيرست الشهير ?بل? كان يرسم تونى بلير ولعشرات المرات ويشبهه بكلب حراسة بوش الابن وان بلير مجرم حرب والغ فى دماء الابرياء وكل ذلك تم وتونى برلير هو رئيس الحكومة ؟ وهل عند زياراتهم المتعددة للتسوق فى لندن شاهدوا البرامج التلفزيونية عندما يواجه اى صحفى رئيس الحكومة او احد وزراء الحكومة باسئلة شجاعة ولا يترك له فرصة للزوغان؟

* هل سمعوا بحملة جريدة القارديان على فساد البوليس وعلى صحافة ميردوخ. تلك الحملة التي استمرت لسنوات حتى تم الكشف عن التجاوزات و الجرائم وتدخل البرلمان وواجه ميردوخ بقوة والذي وصف ذلك اليوم بانه أسوأ يوم في حياته. وأخيرا قبض على من ارتكبوا جرائم الرشاوى والتصنت على الابرياء. ثم اصدر القضاء الحكم في الجرايم التي ارتكبت وعوقب مرتكبيها؟

* هل مر في خيالهم أن الصحف هاجمت وكشفت فساد شركة بريطانية مدعومة من الحكومة الانجليزية والتى رشت بعض اعضاء الاسرة المالكة السعودية لتنال الشركة صفقة للطائرات سميت ? اليمامة ? والتي تقدر بمليارات الجنيهات الاسترلينية ولم يمنع صحفي عن الكتابة او يعتقل او تصادر جريدته؟

هل أزيد أم أنهم لا يفقهون أو لا يريدون معرفة الحقيقة الساطعة كسطوع شمس الخرطوم المحرقة!

وهل ، في اكثر خيالات البشر غرابة وشطحا، يمكن لأي إنسان في كامل قواه العقلية أن يتوقع انتعاش الصحافة في ظل الانقاذ ؟ وهل سيستقيم الظل يوما والعود اعوج؟

الميدان

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..