مقالات سياسية

جهاز الأمن والمخابرات الوطني!!

قبل يومين أصدر المجلس العسكري قرارا بتغيير اسم جهاز الأمن والمخابرات الوطني إلى جهاز المخابرات العامة.. وقالت قوى الحرية والتغيير أن معتقلات جهاز الأمن ستحوَّل إلى مدارس ومستشفيات.

بداية؛ لا أعرف كيف يصدر المجلس العسكري الانتقالي قرارات مثل هذه في الدقيقة 91، فالمفاوضات مع قوى الحرية والتغيير وصلت منتهاها بتوقيع الوثيقة الدستورية.. وعمليا يصبح المجلس العسكري في حكم “المنتهي صلاحيته” حيث يحل محله مجلس السيادة مناصفة بين المدنيين والعسكريين.. لماذا تصدَر مثل هذه القرارات قبل تسليم السلطة للمدنيين؟

من الحكمة دائما، في كل القرارات التي تمس الوطن، التحديق في آلية صنع القرار أكثر من القرار نفسه.. فما كرس الفشل في هذا البلد سوى القرارات التي تصدر بمنتهى الأريحية دون أن تسندها (مؤسسية) تصنع القرار بمراحل وأطوار ميلاد حتمية، من نطفة فعلقة مخلَّقة وغير مُخلَّقة ثم كسونا العظام لحما، حتى مرحلة الميلاد مولودا كامل الأهلية ليتنفس الهواء الطلق لا ليودَع في “الحاضنة الصناعية” لإضعاف مناعته وعدم اكتمال جسمه..

تذكرون في انتفاضة أبريل 1985، بعد يوم واحد من انتصار الثورة الشعبية وانحياز الجيش لها في صباح 6 أبريل 1985، أعلن القادة الجدد قرارا خطيرا بتصفية جهاز “الأمن العام” ثم اتضح لاحقا أن هذا القرار تسبب في فواجع وطنية وكوارث بسبب العجلة في القرار دون التحسب لمترتبات الأمر، وفي التوثيق لتلك المرحلة أنكر كل القادة والسياسيين صلتهم بالقرار، فأصبح يتيما بلا أب ولا أم، حال الفشل دائما مُنكَر بينما للنجاح ألف أب وأم.

المرحلة التي يستشرفها سودان ثورة ديسمبر يجب أن تتسم بـ(المؤسسية) الرشيدة، أن نبني قنوات صناعة القرار.. فحتى القرار الصحيح إن أتى من المؤسسة الخطأ فهو في نفس درجة خطورة القرار الخطأ..

لماذا لا نترك أمر هذه المؤسسات الحساسة للحكومة المدنية التي تتشكل بعد التوقيع على وثيقة الإعلان الدستوري؟

جهاز الأمن واحد من منظومة القوات النظامية لا يجب أن يُنظَر إليه بمعزل عنها، وطالما هناك حاجة ماسة لمراجعة منظومة القوات النظامية بأكملها فلماذا لا تنشأ أولا المؤسسة الحاكمة لهذه المنظومة لتكون هي منصة القرار المتخصصة في هذا الشأن..

أقترح إنشاء (المجلس الأعلى للدفاع والأمن) وأن يشار إليه في الوثيقة الدستورية، حتى ولو اكتمل التوقيع فهي قابلة للتعديل في مرحلة لاحقة ربما بعد تكوين المجلس التشريعي، ويضطلع مجلس الدفاع والأمن بحكم تخصصه بالنظر في كل ما يختص بالقوات النظامية.. بل ويجب أن يُمنَح حق “الفيتو” ضد أية تشريعات أو قرارات تمس القوات النظامية من خارج هذه المؤسسة المختصة..

بناء الأوطان لا يأتي بمحاسن الصدف، و”المؤسسية” أول موجبات صناعة الدولة الرشيدة الحديثة..

التيار

تعليق واحد

  1. أستاذ عثمان:لماذا تجر القرارات إلى الوراء لمواضيع شبعت بحثاً؟ مجلس الأمن و الدفاع كان مقترحاً من المجلس العسكري و رفضته قوى إعلان الحرية و التغيير.. واقتنع المجلس بذلك بعد لأي!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..