شارع بيتنا – الحلقة الخامسة

شارع بيتنا
الحلقة الخامسة
1-
ماهي إلا أعوامُ قليلةُ، حتى تعرض الشارع لغزوٍ من ملوك الليل وبناته, الذين ضايقتهم الحكومة في مكامنهم ومواخيرهم القديمة بالقرب من السوق, فاتجهوا جنوباً. وكان شارعنا أول شارع يرفع الراية البيضاء أمامهم. ضاعت بعدها خصوصيته, وأصبح ليله نهارا, تعفّرت بترابه أقدام بَشَرٍ شتى. سكارى, بلطجية، لصوص, باحثون عن المتعة، قوادون وبنات ليل, ضحكات ماجنة, صياح, وشتائم, سباب وعراك ينتهك هدوء الشارع المغلوب على أمره0
(الحاج احمد) زعيم ملوك الليل, أول من دق مسماراً في نعش هدوء الشارع وخصوصيته. الحاج احمد, أو كما يخاطبه رصفائه، (أبوي احمد), هو في الواقع كبير القوادين وشيخهم ومرجعهم، ويبدو أنهم قدموه ليمهد لهم الطريق, بحسبان أنه بطول مكوثه في الحي, يعرف أفراده رجالاً ونساء ويعرفونه. ولن يجد اعتراضاً على سكنه بينهم. وفي الغالب يخبئ حاج احمد وأمثاله، أسراراً يُفضِّل البعض ألا تتسرب. فيلتزمون الصمت، ويدارون أمرهم بالتودد إليه، وغض النظر عن تصرفاته وممارساته.
في تلك الأثناء تقاعدت (خديجة الممرضة)، وما عادت لدى (خضرة ) شقيقتها، القدرة على متابعة عمل العواسة الشاق. وبخبرة اكتسبها من عمله، ومجالسته للعديد من الأشخاص ذوي الحيثية، العالمون ببواطن الأمور, استطاع (حاج احمد )، أن يغري خديجة وشقيقتها ببيع بيتهما, وقدم ثمناً له, أسال لعابهما ،فباعتاه, ورحلتا. فهدمه حاج احمد، وأعاد تشييده بنموذج عصري، وقسمه قسمان, قسم عام, لبنات الليل اللائي جلبهن بمعايير دقيقة, ويحلف في نفس الوقت بأغلظ الإيمان أن لا دخل له بهن, إن هو إلا مؤجر فقط. ثم قسم خاص به، مفصول عن القسم العام بجدار وباب حديدي. هذا القسم مخصص لجلسات الكبار, رجال المال والأعمال, وكبار الموظفين.
2-
بدبلوماسية عالية، بدأ حاج احمد، في إقامة علاقات جوار مع العائلات التي تقطن الشارع، منهم من قبل بذلك كأمر واقع, ومنهم من لم يقبل الأمر جملة وتفصيلاً, فباع بيته ورحل, كأمام المسجد, ويحمد له أنه باعه للتاجر، جاره من جهة الغرب.
ويوم أن تزوج (حاج احمد), امتلأ الشارع بملوك الليل وبناته، من جميع أنحاء القطر, حتى إنه اضطر لجلب خيمة كبيرة، نصبها في المنتزه الملاصق لبيت ( الحاجة سعاد)، عاثوا فيها لثلاث ليال، سكراً, وعربدة, وغناءً, ورقصا، وخلاعة.
– على عينك يا تاجر
كما علق أحد الظرفاء
وغنى في تلك الليالي، كبار المطربين الذين استجلبهم الحاج من العاصمة، وشرّف كبار رجال الأعمال والموظفين حفل المرطبات الذي أقامه بهذه المناسبة، ومن يجرؤ على عدم الحضور. وإن راعى الحاج وضعهم الاجتماعي، فأفرد لهم مكاناً قصياً بعيداً عن الأعين.
وحدث مثل ذلك يوم أن وضعت زوجته مولودا0

ثم بدأ الآخرون يفدون في متوالية منتظمة. جاءت (سيده) القصيرة،البدينة, سليطة اللسان, فاستأجرت البيت المقابل لبيت حاج احمد من الغرب, وملأته بالأثيوبيات. ( سيدة)، يبدو أنها من أسرة محترمة، تنكبت الطريق السوي، ليس باختيارها، كما تزعم. فحسب روايتها، أن أهلها زوجوها لرجلٍ في عمر والدها، وهي صبية كالمهرة، تتطلع لمن يشبع شبقها ويطفئ لهيب شهوتها، والرجل عاجز، تصيبه الرعشة، فيقضي وطره حال أن يضمها، فتبيت ليلها تحترق بالرغبة. ثم هربت مع عشيقٍ تركها في منتصف الطريق واختفى. فأكملت برغبتها مشوار الانفلات والعهر.
ثم جاءت (خديجة الغرباوية), وسكنت في بيت العجوز الغامضة, جوار بيت (حاج احمد) من الشرق. خديجة جاءت من أقصى الغرب هاربة من أهلها، بعد أن فاحت رائحة علاقتها المشبوهة مع حميدان البلطجي الذي أغواها وأطلق هوسها للجنس من عقاله. هربت بعد سجن حميدان، فتلقفتها عناية القوادين وصقلتها وجعلت منها نوارة المجالس في كل مدينة حلّت بها، حتى انتهى بها الأمر في شارعنا.
يتبع…..

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..