أخبار السودان

على كرتي..مشقة الرحلة من البندقية إلى الكرافتة..!

شمائل النور

بروفايل:

تحت شمس حارقة من نهارات شهر يونيو 2014م خرج وزير الخارجية علي كرتي من بيت الضيافة…بدا الرجل مبتسما بنحو مصطنع،ظاهر الأمر أن وصوله بهدف الاطمئنان على صحة الرئيس البشير بعد عملية جراحية ثارت حولها الشائعات،لكن حقيقة الأمر استبانت سريعا حين أرسل كرتي عبر مايكروفونات الوسائط الإعلامية رسالته التي أبلغها البشير،مايحدث في الداخل يأتي بنتائج (غير حميدة) على علاقات السودان بالخارج..وقال كرتي بكثير من الوضوح في إشارة للآثار التي خلفتها قضية السيدة المتهمة بالردة إن مايحدث هنا لا يجعلنا قادرين على العمل خارجيا.

1
تمثل هذه الواقعة محطة متقدمة في صراعات كثيرة وجد وزير الخارجية علي كرتي نفسه في خضمها لملائمة فعل الداخل ليتناغم بنحو رشيق مع سياسة السودان الخارجية،وكانت هذه المحطة امتداد لمحطات عديدة عكست مشقة الدبلوماسية السودانية في ظل ما يحدث بالداخل،فقبيل منتصف شهر يونيو الجاري ظهر الشيخ الصوفي المثير للجدل الأمين عمر في المشهد الدبلوماسي على رأس وفد رئاسي ابتعثه القصر الجمهوري إلى دولة الإمارت،أثار هذا الظهور لغطاً واسعاً ربما لكون الرجل ليس لديه صفة دبلوماسية أو رسمية تؤهله للدخول إلى ملف علاقات السودان بالخليج والإمارات خاصة في هذه الفترة المضطربة لكن لأن الرجل في الأساس ثار بشأنه جدل واسع – ورغم أن الدبلوماسية الشعبية عرف دولي متبع – إلا أن السودان لم يتبع هذا العرف من قبل كما أن الرجل الصوفي لم تشهد له الساحة السياسية أو الدبلوماسية ظهوراً من قبل. بروز دبلوماسية رجال الصوفية في هذا التوقيت رتب في أذهان كثيرين أموراً كانت شائكة ولا تزال بشأن علاقات السودان الخارجية وأداء الدبلوماسية السودانية بشكل عام خاصة فيما يتعلق بعلاقات السودان والخليج خلال هذه الفترة التي يشهد فيها الإقليم تطوراً متسارعاً وهذا التطور اللافت في الإقليم هو ما حدا بوزير الخارجية علي كرتي أن يدخل في مواجهة علنية ومكشوفة مع حكومته في الفترة الأخيرة ودون تحفظ..تصريحات الوزير كرتي التي أدلى بها لصحيفة الحياة اللندنية بشأن رفض السودان لعرض إيراني بإنشاء منصات دفاعية على ساحل البحر الأحمر قبالة المملكة،لم تكن هذه التصريحات فقط رسالة تطمين للخليج الذي ينظر للسودان بعين الريبة إنما في الواقع هي رسالة وصلت إلى وُجهتها بالداخل المضطرب وهو ما جعل الخارجية تستصدر بيانا تصحيحيا بشأن تصريحات وزيرها،وما كان البيان الرسمي إلا تأكيداً على خط الوزير كرتي الذي بدأ ينتهجه منذ فترة ليست قصيرة وتحديداً منذ بداية الفترة التي أعقبت انفصال جنوب السودان،ولعل هذه الفترة هي البداية الحقيقية لمواقف الوزير المعلنة في اتجاه غير الذي تسير فيه السياسة الداخلية،بل في كثير من الأحيان لا تُطابق آيدلوجية النظام الذي هو جزء أصيل منه.

برز الصوت الثائر للوزير كرتي عقب إعلان إنفصال جنوب السودان وتدهور الاقتصاد بعد ذهاب النفط جنوباً،وتحديدا أواخر شهر سبتمبر من العام 2011م،كان الوزير علي كرتي قد غادر إلى فرنسا والتقى وزير خارجيتها،خرج كرتي بعد اجتماعه مع الوزير فابيوس يستغيث بالعالم وقد صرح حينها “أن العالم لا يُمكن أن يتفرج واقتصاد السودان ينهار” ومع استغاثته بالعالم واستجداء عطفه على اقتصاد ينهار كان كرتي قد أوصل رسالته للداخل وأثارت تصريحاته تلك غضباً داخلياً ما اضطر وزارة المالية لابتعاث رسائل تطمينية أن الاقتصاد بخير وليس متدهوراً كما قال الوزير كرتي،كانت تصريحات الوزير أولى الرسائل الموجهة للداخل أكثر من كونها نداء استغاثة للعالم،وكأنما أراد أن يوصل رسالة لحكومته،أن العالم يقول لكم عليكم إصلاح شأنكم الداخلي قبل الخارجي،ووضح منذ ذلك الوقت أن الوزير ليس راضياً عما يحدث بالداخل أو على الأقل هو يرى أن الدبلوماسية تتعثر كثيراً وتتأثر لكل صغيرة وكبيرة تحدث داخلياً،غير أن الوزير لم يكف عن التصريحات الجريئة بل لم يعد متحفظاً البتة في قول ما يراه متسقاً مع اتجاه دبلوماسية طبيبعية تجعل السودان كغيره من دول الإقليم يتمتع بعلاقات مستقرة في محاولة للخروج به من عزلته.

2
منتصف العام 2012م وقف الوزير أمام البرلمان واشتكى من الخطاب الرسمي للدولة وقد أشار إلى أن خطاب الرئيس الذي ألقاه في مدينة الأبيض في شهر أبريل من العام 2012م والذي وصف فيه الحركة الشعبية بـ “الحشرة” كلف الدبلوماسية السودانية ثمناً باهظاً..حينها انتظر الجميع أن تُعلن إقالة كرتي من منصبه في أقرب وقت لأنه قال ما لم يقوى على قوله غيره،لكن شيئا لم يحدث،بقى مستقراً في منصبه ومضى في خطه الثائر،وهو ما طرح سؤالاً مهماً،ماهي القوة التي يستند عليها الوزير الذي لم تطاله سهام الإقالات أو الضغط على الاستقالات نظير تصريحات قد تُحسب أنها متفلتة..وبالرجوع إلى خلفية الرجل “الدفاع شعبية” يُمكن أن يحظى ذاك السؤال بقدر من الإجابة،حيث أن الرجل بدأ يلمع منذ تعيينه منسقاً عاماً لقوات الدفاع الشعبي خلال الفترة من 1998م ? 2001م وقد بلغ هذه المرحلة التي كانت فيها قوات الدفاع الشعبي في أوج ثورتها بفضل خبرة عسكرية اكتسبها من عمله في تنظيم الجبهة الإسلامية وقد عُرفت فترته بالمنسقية باستنفار الدستوريين بالدولة واستفزازهم للخروج من ظل المكاتب إلى حر العمليات،وخلال فترته بمنسقية الدفاع الشعبي سجل الرئيس حضوراً طاغياً في كل نفرات العمليات التي تسيّرها المنسقية،فلم يتوان الرئيس في دعم منسقية كرتي على كافة الأصعدة.هذا العطاء الجهادي والذي هو من عمق مشروع النظام المنتمي له الوزير كرتي حصد به رصيداً وافياً من الثقة.

3
عُين كرتي وهو على رأس منسقية قوات الدفاع الشعبي وزيراً للدولة بوزارة العدل التي ظل فيها حتى عام 2005م ثم انتقل إلى وزير دولة بالخارجية وبقى في منصبه حتى العام 2010م،وترقى في ذات العام إلى وزيرا للخارجية حتى الآن،وبهذه الخلفية يُطرح سؤالاً جوهرياً مع بروز خطاب مختلف للخارجية السودانية في عهد الرجل وعلى أقل وصف يُمكن القول أن الوزير علي كرتي بدأ يختط خطاً أقرب لأن يكون معارضاً لسياسات النظام الداخلية،السؤال على أي سند يتكئ الوزير الذي يرى منتقدوه أن خلفيته “الدفاع شعبية” أثرت سلباً على أداء الدبلوماسية السودانية غير أنه وبالمقابل هناك من يرى أن هذه الخلفية “الدفاع شعبية” هي وحي قوته وثباته في مواقفه التي باتت رافضة بشكل واضح لما يحدث داخلياً منذ الفترة التي أعقبت انفصال جنوب السودان،وإن كان منتقدو الوزير كرتي يستندون أيضاً على خلفيته التجارية البعيدة عن الدبلوماسية إلا أن الرجل بشكل أو بآخر لا يُمكن إنكار أنه أستطاع أن يقول “لا” أمام حكومته في كل ما يراه معرقلاً للدبلوماسية بالخارج وهو أمر غير معهود في قيادات الإنقاذ التنفيذية،أستطاع أن يقول “لا” وباق في منصبه،كما أنه لا يُمكن إنكار أن تحولا ما حدث في شخصية الوزير خلال انتقاله من قائد خشن إلى متحدث ناعم يتطلع لفرض خطه على مؤسسات الدولة.

4
وبالنظر إلى الفترة التي تسلم فيها الوزير كرتي حقيبة الخارجية وأصبح مواجهاً بملفات في الأساس لم تكن محسومة فهي الفترة التي سبقت انفصال جنوب السودان بقليل وحتى الآن،ارتبكت خلال هذه الفترة عدة ملفات داخلية وخارجية،الاقتصاد على رأسها،والاحتقان السياسي في أوجه،ثم متغيّرات فترة ما عُرف بثورات الربيع العربي والتي اضطربت خلالها وبعدها علاقات السودان الخارجية خاصة بعد صعود الإخوان المسلمين في مصر والإطاحة بهم وهو ما أربك المشهد الإقليمي بشكل كبير وكان نصيب السودان وافراً من كل ذلك،كونه على قيادته حركة إسلامية،هذا الاضطراب ربما رأى الوزير أن يتجاوزه ويتعاطى مع الواقع بأي شكل من الأشكال،فعقب الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي اشتط الموالون في السودان غضباً وسيّروا احتجاجات مناهضة لحركة 30 يونيو،وهو ما أعطى رسائل غير مطمئنة بالنسبة للقيادة المصرية الجديدة،لكن الخارجية السودانية سارعت بعد فوز السيسي بالتهنئة لتغلق الباب أمام أي تحرك سالب ضد القيادة الجديدة في مصر ولم تكتف بذلك فقد طرح الوزير كرتي مبادرة توسط بين مصر وإثيوبيا في استمالة واضحة لمصر التي اضطربت معها العلاقات أكثر بعد 30 يونيو 2013م،مجملاً وخلال الفترة القصيرة الأخيرة عزلت الخارجية السودانية نفسها عن السياسة الداخلية للنظام وباتت أقرب لما يتطلبه خط المجتمع الدولي،فلم يعد خافياً على أحد أن الوزير كرتي مضى أكثر من ذلك حينما أكد مراراً أن العمل الدبلوماسي عسير في ظل التقاطعات الداخلية،ويبقى السؤال،هل يقاتل الرجل حتى ينتصر لخطه وتستجيب له السياسة الداخلية أم تنتصر عليه السياسة الداخلية كما انتصرت على الذين سبقوه.
=
التيار
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لك التحية شمائل النور.. تقرير ممتاز
    ** وزارة الخارجية هي الدبلوماسية.. والديبلوماسية هي فن وعلم.. وكرتي ينطبق عليه قول (فاقد الشيء لا يعطيه) ان السياسة الخارجية على وجه العموم يجب ان تتناغم مع السياسة والخط الداخلي وهنا تبرز (الديلوماسية الحقيقية) الا ان كرتي في وادي.. وسياسة جماعتو في الداخل في وادِ آخر..
    وهكذا يحكم السودان… (حكومة العّك)!!!

  2. لولا انك شمائل النور لقلت دا كسير تلج من احدارزقية الصحافة مقالك استند على الاخبار الاعلامية وليس بهذا تقاس الدبلوماسية الناجحة والمواقف المذكورة في المقال يمكن لاي رجل علاقات عامة القيام بها فهو ساقط دبلوماسيا حتى لو تم ذلك بعملية جرد لمعرفة الخسارة والربح فهو دبلوماسيا خاسر خاسرً

  3. لا هذا و لا ذاك ….كرتي دخل بخلفية قانونية و مارس العسكرية الشعبية ثم انتقل الى الدبلوماسية… فلم تظهر منه معرفة للقانون الذي درسه و لم يجود استخدام البندقية و لم يتعلم ربط الكرافته….
    كرتي جزء من منظومة الفساد و الفشل، و تضارب الاراء هو سياسة انقاذية لارباك الخصم حسب فهمهم و قد ينطبق ذلك على المغفلين من الشعب الذين يتبعونهم و لكنه لا ينجح في السياسة الخارجية و قد مارسوا ذلك منذ ايامهم الاولى حين كان د. حسبو سليمان حيث يدلي مسئول بخطاب و يعارضه اخر بخطاب مخالف فترتبك كل الامور و اكتشف انه وزير ضل حيطة و حتى تغير لم يعرف من الذي يسير السياسة الخارجية و لا كيف.
    الدول المحترمة تحكمها مؤسسات و تبني علاقاتها و خطابها بتنسيق تام و بناء على المعلومات و تقيم علاقاتها بالاخرين بناء على رصد دقيق للاحداث و السياسات الداخلية فان اتسقت مع توجهها الخارجي فنعمت و ان تعارضت بنت الدول احكامها على ما يجري بالداخل.
    تصريحات كرتي الشتراء من مراحه لا تدل الا على حمقه و فشله و ان كان له عقل و موقف لاستقال.

  4. “… هل يقاتل الرجل حتى ينتصر لخطه و تستجيب له السياسه الداخليه..”
    * (ماذا دهاك من الامور و كنت داهية الامور)، يا شمائل؟: هل لدى “الرجل” خط بخلاف “التمكين لهم” بشتى طرق المراوغه و الغش و التحايل على المبادئ الدبلوماسيه المعروفه؟ ان الرجل يبحث فقط عن “المخارج”، و “الحرج” الذى دائما ما يجد نفسه فيه. اما “الخط الجد”، فهو الإنتصار للخكم الراشد، و للديمقراطيه و العداله والمساواه و حكم القانون. و إن كان كرتى مقتنعا بذلك، فاليتقدم باستقالته، لينضم لصفوف المعارضه و يقدم نفسه للمحاسبه.
    * لا “تشكرى لي الراكوبه فى الخريف”، يا شمائل.

  5. انا سوءالى عن الرجل زى اللحية البيضاء والزى كان وزير دوله للدفاع فى بداية النظام وافراغ

    الموسسة العسكرية من تقاليدها . السوءال من واين هو

  6. اذا كانت السياسة الداخلية تتعارض مع توجهاته الخارجية التي يرغب في ان يعمل تحت ظلها حتى يحقق النجاح الذي ينشده انتصارا للدبلوماسية السودانية في جميع المحافل الدولية وفي علاقات السودان مع جيرانه ومع كافة الدول الصديقة في انحاء العالم المختلفة .. اذا كانت السياسة الداخلية تغرد خارج سرب تطلعاته وتعوق ادائه برغم كل الرسائل التي وجهها الى الداخل بشجاعة استمدها من عمله السابق كمنسق للدفاع الشعبي !!!!! اذا كانت كل محاولاته لاقناع الداخل بتغيير سياساتهم باءت بالفشل لماذا لا يستقيل .. وهو يعلم ان مهمته اصبحت مستحيلة ..!!هذا هو التصرف والسلوك الصحيح في انظمة الحكم الديمقراطية والمتطورة والتي لم ترتبط جذورها بمؤسسات من شاكلة منسقية الدفاع الشعبي ..!!! !!!!!!!!

  7. المسألة ليست أن ينتصر لخطه أو تنتصر عليه السياسة الداخلية , المسألة هي ما هو النجاح الذي أحرزته الدبلوماسية وهو الذي ما زال علي رأسها منذ سنوات كُثر!!!

  8. هسة دا شنو !؟
    تكسير تلج وتلميع ولاّ كيف!!؟
    خط شنو ومهازل شنو ؟
    الناس ديل كلهم واحد.. مافي زول في نظام اللصوص الإجرامي دا مختلف عن بقية بقية العصابة.
    الحل هو معارضة شعبية قوية بشقيها المدني والعسكري تقتلعهم من جذورهم وبس ، لكن بالواضح معارضة فيها الترابي والصادق وحزب الميرغني المُشارك لا أمل ولاذرة واحدة من الخير فيها.

  9. بتنا لينا، تقديرى انك نوبية ،وكلامك كلو حاصل….اها خارجيات الدول الاخرى سامعة لكلام كرتى
    ..وتعلم مايحدث بالداخل، ان شاء الله اكون جاملوكم…….جاتك البلاوى

    غايتو قطع شك، نوع كلامك دا مقالين تلاتة حرم اعينك سفيرة واعرسك كمان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..