المقالات والآراء

الأقباط مننا وفينا والسيادة حق!!

الأقباط  مننا وفينا والسيادة حق!!

عضوية مجلس السيادة من الأقباط بالعضو الحيادي لم تكن حلا وسطا لمعضلة، بل حق اصيل لهم بوجودهم تاريخا وجغرافيا ومساهمة مشهودة ومعلومة لهم في أضابير الحياة السودانية، منذ قديم الزمان، وفي كل وظائف الحياة في التعليم وفي الفن والرياضة، ولعل الأب الروحي لحفظ ميراث حقيبة الفن وتوثيقه وإشهاره بمصر كان واحدا منهم، ومما يحضرني أن أهلنا في الشمال منذ قديم الزمان كانت مواسم زراعتهم وفصول سنتهم بالشهور القبطية، ولعل من أجمل ما اتخذته قوي الحرية والتغيير هو إعطاء هذا المقعد لهم كرد جميل وعرفان لأهلنا الأقباط لمساهمتهم في شتى ضروب الحياة.

ولعل ما يميز إخواننا الأقباط هو أنهم مجموعة منظمة جدا في حياتهم، وأهل عمل وإنتاج وتدبير شأن الحياة، خاصة الحياة المنزلية، وكل هذا بشكل سلمي في المجتمع، والأمثلة في هذا كثيرة ولعل صمود أستاذنا نبيل عبد الله أديب إبان حكم الإنقاذ في المحاكم ودفاعه المستميت عن حقوق الناس خاصة الطلبة، يشهد له ولتاريخه الطويل المجيد برصانة ووعي بل ومساهمته في التثقيف القانوني بهدوء وعقلانية ونفس هاديء، وعبر كل الوسائط مبسوط لكل الناس.

ومثال آخر هو الدكتور نصري مرقص وصموده في أزمة الدواء ابان حكم الإنقاذ، ووقوفه بجانب دائما وأبدا بجانب حق الفقراء في هذا بهدوء، ولعله هو القائل ذات مرة (كل شئ يمكن ان يتأجل إلا الدواء )، بل في كل مدينة وقرية في أرضنا الواسعة هناك سير محمودة لهم بل ويضرب بها الأمثال، ويحضرني هنا ما عايشته فترة دراستي المتوسطة بمدينة الدبة ما كان يفعله مثلا إبراهيم استطافانوس والذي يمثل نبراسا مضيئا للحياة حيث كانت مفارش الصلاة للأوقات بدكانه وله ابن درويش مهمته ملء الأباريق للمصلين، بل إن إفطاره وسحوره  للمسافرين في رمضان كان مشهودا، وحسبك بمن يعد السحور للنائمين بانتظار اللواري السفرية.

وتدهشك سير تجارهم المحمودة، وثقة السودانيين فيهم، ولا زلت أذكر كيف أنهم كان يمولون المشاريع الزراعية في االشمالية بكل ما يلزم من الوقود والإسبيرات بل والتقاوي، وينتظرون بغير كلل ولا ملل حتى نهاية الموسم والحصاد، وأكثر من ذلك يتيحون حرية المزارع في سداد ديونه نقدا أوعينا حسب السعر الجاري في السوق، والذي أقوله ينطبق في كل أصقاع السودان مع الاختلاف النوعي في المعاملات فهم موضع ثقة محفورة في ضمير شعبنا.

ولعلي كنت من أكثر الناس مع أبناء دفعتي فقد درست ودرس معنا ولعب الكرة وكان حارس مرمي منزلنا الدكتور كميل فوزي، وأيضا درس معنا الأخ أمير بشاي، وكنت محظوظا إذ في دواوين عدة عملت مع الأخوين فيصل وادوارد، ولاحقا عملت مع الأخوين سوريش وبرادين من الهنود، وفي كل هذه الفترات كنا نحس بأننا مجتمع واحد متجانس، نمزح ونمرح ونحزن سويا، بل ويشاطروننا في الأفراح والأتراح كما نشاطرهم.

ونسبة لظروف بلادنا وعدم الاستقرار السياسي وبالتالي الاقتصادي وهجرة السودانيين إلى الخارج بحثا عن الأمن والأمان والعيش الكريم، كان لإخواننا القدح المعلى في هذه الهجرة مع جاليات اخري من الهنود والأغاريق والبنيان ببورسودان، ولعل أول من لاحظ ذلك وكتب عنه بملاحظته الدقيقة، كان حكيم هذه الامة الروائي الطيب صالح، إذ كتب باكرا محذرا ومنذرا من تدهورنا الذي حدث، قائلا فيما معناه: إن هجرة اخواننا الاقباط والاغاريق ليس دليل عافية لبلادنا، وله مؤشرات خطيرة، لأن هؤلاء أقوام أصحاب حضارة وبصيرة، وينظرون للحياة بمنظار مختلف، ولكن تحذيره ذهب أدراج الرياح ككل شئ جميل عندنا.

ومصداقا لقوله هذا فقد كنت عام 1982 بالجزر اليونانية في شهر العسل، وكنت أقف مع صديق ليبي وأسرته  في تلة نتصور، ونتفرج بالجزيرة، فإذا بنا نفاجأ  من تلة أخرى بصراخ أطفال يصيحون: ( أم درمان أم درمان أم درمان)، وهما يركضان نحونا تاركين أبويهما خلفهما، وما إن وصلوا حتى أمسكوا زوجتي، وهم يبكون،  وعندما أتى الوالدان، سلما علينا سلاما سودانيا خالصا، وقالا أنهما قدما إلى اليونان نهائيا خوفا من الأيام المقبلة في السودان، التي ستكون كارثية ولشد ما أصابوا، وقالا إن مشكلتهما أن  الطفلين يصران على الرجوع للسودان وامدرمان بالذات!!

لقد ظللنا نتقاسم العيش والحياة بحلوها ومرها مع الأقباط حتى جاءنا من تشدق بالإسلام قولا، وسلبنا كل حقوقنا لم يفرق بيننا: (زردو حلوقنا واكلونا حقونا) ولم يراعوا فينا إلا ولا ذمة، وقد صدقت نبوءة إخواننا الأقباط والأغاريق، وأصبحت واقعا عشناه، ونعاني آثاره الكارثية الآن كما كانت وقع الحافر على الحافر مع نبوءة الراحل محمود محمد طه الذي تنبأ  بكل ماجرى وتنبأ  باقتلاعهم، وسبحان الله انظر لبيان الثورة الذي جاء (تم اقتلاع ذلك النظام) يا الله من نور  البصيرة!!

لهذا وأكثر منه، فمقعد السيادة حق أصيل للإخوة الأقباط، وإن غاب في فترات سابقة لأسباب شتى، فلا يعني أنه منسي أو لا يستحقونه، لكن عودته لهم يؤطر لوعي متنام في المجتمع لكل مكوناته !!! شكرا لقوى الحرية والتغيير والتي لو لم تفعل أي شئ يكفيها هذا الوعي الذي استرد حقا أصيلا لفصيل أصيل في مجتمعنا!!

سيف الدين خواجة
[email protected]

‫5 تعليقات

  1. الأخوة الأقباط فتلة سميكة في نسيجنا الاجتماعي .. سودانيين علي السكين .. لعبوا دورا كبيرا في شتي المجالات والأنشطة سواء كانت علمية او عملية، تجارية او اجتماعية وكانوا رصيدا ودعامة للخدمة المدنية في اعتي مؤسساتها. كالسكة حديد، كان يتربع علي حساباتها كمدير مالي السيد ميخائيل أندراوس والذي كان يحمل شهادة المحاسبين القانونيينACCA وهي من الشهادات الرفيعة النادرة في ذلك الزمان ولعلم الجميع حسابات السكة حديد كانت تكاد في قوتها ان توازي حسابات وزارة الماليه ولا عجب فالسكة حديد كانت رافدا داعما يصب بعنف في خزينة الدولة .
    كان منهم الوزير القدير موريس سدرة والقانوني الضليع نبيل أديب ومنهم كوكبة من المهندسين والأطباء والصيادلة وتخصصات اخري .. عملوا في كل مناحي السودان .. ولِجوا دنيا المال والأعمال وحققوا نجاحات باهرة في النشاط التجاري وكانوا مثالا للصدق والامانة والنزاهة. وامتازوا بالإخلاص والتفاني في العمل.
    ولاؤهم للسودان لا تشوبه شائبة .. يعتزون بسودانيتهم ويفاخرون بها بين الاجناس الاخري .. خلال أيامي بالسعودية في افطار رمضاني دعاني اليه احد المعارف، صادفني من بين الحضور أحد الأخوة الإقباط لا زلت اتذكر اسمه “جرجس “.. بعد الافطار ونحن نحتسي القهوة وجدت نفسي اجلس بجواره في ركن قصي وطاب لنا ان نتحدث ونتعارف ولما كنّا في بلد تتعدد به ملاين من جنسيات مختلفة انصب حديثنا عن تلك الجنسيات بما فيها السعوديين وعلاقاتها الاجتماعية ونمط سلوكها وتعاملها مع الغير ..
    قال لي جرجس كثيرا ما تقع بيني وزملاء العمل مناواشات “بالتاكيد وديه” في الهوية والجنسيه وكنت اقول لهم ان ترتيب الخلق بعد الله هو الملائكة ثم الرسل والأنبياء ومن بعدهم نأتي نحن السودانيون. أسلوب مبالغة قصد ان يقول به نحن اول من رشفنا خُلق الأنبياء.
    عطبرة مدينة التنوع والتعدد كانت تضم عددا كبيرا من احبتنا الأقباط وكما قلت كانت لهم الريادة في أقسام السكة حديد المتعددة بجانب انهم نشطوا في العمل التجاري ولهم اكبر المحلات في سوق المدينة.
    لم ينغلقوا علي انفسهم اندمجوا في كافة المناشط الاجتماعية من رياضة وثقافة وفنون .. وكانوا بجلابيبهم وعمائمهم وطواقيهم البيضاء
    حضورا في المقابر وسرادق العزاء متي ما كانت هناك دافنة او واجب عزاء.
    في شهر رمضان كانوا يخرجون بالصواني عليها ما لذ وطاب من الطعام ويشاركوننا إفطارنا علي البروش والحصير عند نواصي الشوارع والأزقة ولا يغادرون الا بعد ان يؤذن المنادي للعشاء.
    وعندما يحل صباح العيد يخرجون مع الجموع يجوبون شوارع الأحياء يطرقون علي أبواب الديار ليتبادلوا مع اهلها تهاني العيد .. كنّا نتداخل معهم ايام العيد فنجد علي موائدهم الحلوي وكعك العيد المصنوع بايدي نسائهم الوقورات .. كنّ يدركن جيدا اننا سنطرق أبوابهم في الصباح الباكر للمعايدة.
    هكذا كانت حياتنا معهم محبة وسلام .. ألفة و وئام
    ثم جاءت الانقاذ وكان ما كان .

    شأنهم شأن كل السودانين .. غادر جلهم ارض الوطن .. منهم من عبر المحيط الهندي شرقا نحو استراليا ومنهم من عبر الاطلنطي غربا نحو كندا وامريكا .. كانوا اصحاب التزام وذمة .. وأهل دين وخلق .. شيمتهم المحبة والتسامح .. نسأل الله ان يرد غربة كل من هو خارج حدود الوطن خاصة وأننا نستشرف عهدا جديدا ونتطلع لسودان نامي ومزدهر .

    هاشم مبيوع

  2. عمها سلامة عبد المسيح درسنى علم فلك بمعهد المساحة العالى وهو من أوائل خريجى كلية غردون وافتكر سليم عيسى عبد المسيح المحامى المشهور ابن عمها فهذه امراءة سودانية من اسرة سودانية عريقة ولا داعى لذكر قبطى ومسلم فهى منا وفينا والأقباط اضافة لاخصم

  3. اخلصت في الحديث عن هذه الفئة الطيبة الراقية من السودانيين ومع ذلك فهم يستحقون أكثر للظلم الذي وقع عليهم وهاجر أغلبهم خارج السودان مثل بقية السودانيين المغلوب على أمرهم وقدعاشرناهم في عطبرة وكانو من أخلص الأصدقاء واحب الناس لقلوبنا لم الله شمل جميع السودانيين خارج وداخل السودان

  4. شكرا لك قطعا لم اقصد التفرقه وهذا واضح لكني قصدت حقهم الاصيل في ذلك عاد لهم بوعي نتمني ان يستمر واردت اثبات هذا الحق وشكرا لك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..