ميرا أحمد: الإيمان بالأمانة في الترجمة قد يصل إلى الخيانة

تبقى الترجمة هي السبيل الأمثل لفهم ثقافات الشعوب المختلفة، والتنافذ الفكري والجمالي والمعرفي بينها. لكن في ترجمة النصوص الإبداعية تطرح دائما مسألة الأمانة والخيانة التي ظلت تلاحق المترجمين منذ القديم وإلى يومنا هذا. ?العرب? التقت بالمترجمة المصرية ميرا أحمد التي ترجمت كتاب لو شون ?مذكرات مجنون? عن الصينية، وهي اللغة الأصعب في العالم.

العرب

أول ترجمة عربية لقصص لو شون، الذي يلقبونه بعميد الأدب الصيني الحديث، وأطلق عليه ماو تسي تونغ لقب قديس الثورة، كونه أول من بشر بالثورة الثقافية بالصين، كما ترجمت أعماله إلى العديد من لغات العالم،أنجزتها المصرية ميرا أحمد، وكانت ?مذكرات مجنون? التي قدم لها عميد الترجمة من الصينية محسن فرجاني هو أول عمل إبداعي تقدم على ترجمته ميرا، والذي صار مفتتحا لمعرفة أحد أهم رموز الإبداع في الصين.

نحت في الصخر

تقول ميرا أحمد عن بداياتها ?في البداية كنت أحلم بالتعيين في الجامعة لأنني كنت من أوائل الدفعة (الرابعة على الدفعة بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف)، ولم يحالفني الحظ وقتها. بدأت عملي بالترجمة فور التخرج، لكنها كانت في تخصصات أخرى بعيدة عن ترجمة النصوص الإبداعية وفق ما يقتضيه العمل. لكن حبي للغة الصينية والترجمة بشكل عام جعلني لا أترك الترجمة الإبداعية، فكنت أشتغل على العديد من النصوص الأدبية، وكانت عندي رغبة ملحة في أن أشتغل على ما أحبه، خاصة أنها أصعب لغة في العالم، هي من الاندهاش والصعوبة ما يجعل شيئا من التميز والتفرد يغزوك وأنت تعمل على الترجمة منها?.

عشر سنوات، هي الفترة الفاصلة ما بين تخرج ميرا أحمد وأول كتاب ينشر لها، وتشير ضيفتنا إلى أنه في هذه الفترة كانت تشتغل على بعض النصوص الإبداعية التي تحبها، وتعتبرها قريبة منها، فهي لا تترجم إلا ما تحب. أعدت نفسها جيدا خلال هذه السنوات، وتنقلت بين تخصصات مختلفة في الترجمة، وفي النهاية اختارت أن تتخصص فقط في مجال الترجمة الأدبية، على الرغم من أنها أصعب التخصصات، لكنها أخيرا وجدت نفسها في ترجمتها للو شون.

تقول أحمد ?في الفترة الأخيرة رشحني المترجم محسن فرجاني لترجمة أعمال للأديب لو شون بعنوان ?مذكرات مجنون?، بناء على تكليف من سلسلة المئة كتاب التابعة لسلسلة آفاق عالمية (الهيئة العامة لقصور الثقافة). والتي تهدف إلى ترجمة أهم مئة كتاب في الأدب العالمي، وتعد بمثابة تحف من الأدب العالمي، يرأسها الشاعر والمترجم رفعت سلام ومدير تحريرها المترجم لطفي السيد?.

تؤكد ضيفتنا على أن الجامعات والمعاهد المصرية للترجمة، لا تخرج مترجما محترفا بالمعنى الحقيقي. فهي في الغالب تدرس أساسيات اللغة وتطلعنا على العالم الإبداعي والتاريخي والاقتصادي، وتضعنا على بداية الطريق، وعليه فليست مهمة الكليات والمعاهد هي تخريج مترجم محترف، كما تقول.

مترجمو الصينية بالتحديد، في مصر ينحتون في الصخر لتقديم الجديد وما يضيف للترجمة رغم قلة المنجز

في ظل غياب النظريات النقدية العربية للترجمة، ترى ميرا أحمد أن مترجمي الصينية بالتحديد، في مصر ينحتون في الصخر لتقديم الجديد وما يضيف للترجمة، رغم قلة المنجز، الذي قدم لترجمات إبداعية من الصينية إلى العربية، إلا أن الأمر يدعو للتفاؤل وأمر مبشر في تاريخ الترجمة من الصينية إلى العربية، في رأيها، لكن لا بد من الالتفاف حوله وإدراك أن ثقافة وتاريخ الصين لا يمكن فهمهما واستيعابهما إلا من خلال الترجمة والتعرف على تاريخ هذا الشعب الذي عاش تجربة عصيبة جدا من تاريخه، ليصير الآن في مقدمة شعوب العالم، والذي يصارع دوما إلى أن يكون في المقدمة بمنجزه التاريخي والفكري.

مذكرات مجنون

وتعتبر المترجمة أن ?مذكرات مجنون? للكاتب لو شون هي مجموعة قصصية، يمكن وصفها بسرد تاريخ الصين في هذة الفترة العصيبة، وقد ركز لو شون على طرح ما يجري من استبداد للسلطة والفقر والتخلف الذي كانت تعاني منه الصين من خلال القص، ويتألف الكتاب من تسع قصص، تسرد تاريخ الوجع والألم الذي عاشته الصين في تلك الفترة.

تضيف ميرا ?إن لو شون هو أول من كتب باللغة العامية الصينية، وتعد ?مذكرات مجنون? القصة الأولى التي كتبت بالعامية في تاريخ الصين في العصر الحديث. وهذا أمر ليس بالهين فكل أعمال لو شون هي مجموعة من الصرخات، فحياة هذا الكاتب كانت صاخبة بالوجع، فكانت وفاة والده هي الأزمة النفسية الأولى التي يتعرض لها، وبعدها قرر السفر إلى اليابان لدراسة الطب، وكان مشغولا بما يجري في بلاده من قمع ووحشية وإقطاع، فكانت قصصه مشحونة بالثورة على كل تخلف?.

تؤكد أحمد أنه رغم تصنيف لو شون ككاتب ساخر، إلا أن كتاباته الساخرة هي أكثر نماذج السخرية الموجعة، وتشير إلى أن نماذج القصص الموجودة بالكتاب هي قص ساخر لكنه موجع، مثل قصة ?مقتل أكيو?، فقد كان أيكو رمزا للصين وما يتعرض له من كبوات، وهذه الشخصية كانت تمثل ذلك الفلاح الساذج والطيب، ورغم كبواته، إلا أنه يقوم وينتفض ويزهو بنفسه رغم كل شيء، تماما كحال الصين.

تاريخ الصين في فترة عصيبة

وتوضح المترجمة أن الكتاب يحمل مجموعة من الصرخات في وجه ما يجري بالمجتمع من فقر وتخلف وجهل، لتصير صرخات لو شون في ?مذكرات مجنون? تبشيرا بالثورة الثقافية الأولى.

عن الترجمة وأمانة النص

تشير ميرا أحمد إلى أن المترجم عليه أن يكون أمينا في إيضاح صورة النص الأصلي. وإيمانها أن المترجم هو مؤلف للنص، ولو لفترة مؤقتة، فعلى هذا المؤلف ألا يقل أهمية ولا إبداعا عن المؤلف الأصلي. والفهم الخطأ لمعنى كلمة أمانة هو نقل النص حرفيا، وهذا ليس له علاقة بالأمانة، بل هو يدخلنا في متاهة أخرى توصلنا إلى الإيمان بالأمانة يصل إلى خيانة النص بشكل فعلي.

وعن الصعوبات التي واجهتها في ترجمة ?مذكرات مجنون? تقول ضيفتنا ?واجهتني صعوبة حقيقية في ترجمة قصة مذكرات مجنون، والتي صارت عنوانا للكتاب في ما بعد، ترجمة وقراءة روح النص الأصلي سبقتها مرحلة من البحث والتنقيب عن الحالة التي تشغل النص، وقراءة سابقة في كتابات علم النفس والفلسفة، حتى يمكن لي أن أنقل هذه الصورة?.

وتشدد أحمد على أن مذكرات مجنون هي الترجمة الأولى من الصينية إلى العربية مباشرة، والصادرة من سلسلة المئة كتاب، فقد صدرت في الستينات عن دار النشر باللغات الأجنبية في بكين ترجمة لبعض أعمال لو شون قام بترجمتها الصينيون، وحتى الآن غير معلوم ما إذا كانت ترجمت الأعمال عن لغات وسيطة أو عن الصينية مباشرة. واللحاق بركب الحضارة كان يقتضي تقديم رؤية جديدة ذات طابع عربي ونكهة مختلفة لتقدم للقارئ العربي نموذجا سلسا عن الإبداع الصيني، ذلك العالم الخفي والمليء بالأسرار والحكايا.

وتأمل ميرا أحمد أن تترجم أعمال لو شون وتقدم رؤى جديدة، وهذا ضروري لإثراء راهن مشهد الترجمة في العالم العربي، وتلفت إلى أن مقدمة عميد الترجمة محسن فرجاني كانت وافية وتجاوزت 50 صفحة وهي في رأيها ستخلد في التاريخ وستصبح مادة دراسة بحثية وافية لكل دارس أو مطلع.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..